التاريخ السري للإمبراطورية الأميركية كتاب خطير.. وكشّاف

يقول مؤلف الكتاب، جان بركنس، حين أقدمت على تأليف هذا الكتاب "التاريخ السري للإمبراطورية الأميركية" تلافيت كلّ ما وقعت فيه من أغلاط حين ألّفت كتابي "اعترافات رجل اقتصاد مأجور"، أي حين اتصلت بالباحثين والمؤلّفين ورجال الاقتصاد لأقدّم لهم أسئلتي.

  • التاريخ السري للإمبراطورية الأميركية  كتاب خطير.. وكشّاف
    التاريخ السري للإمبراطورية الأميركية كتاب خطير.. وكشّاف

أظن أنه ما من عيب، إن قلت إنني كدت أرمي هذا الكتاب من يدي لكثرة ما فيه من هول ومخاوف، وأحداث وجرائم، وتجرّؤ على دكّ كلّ ما هو إنساني ونبيل ودفنه في التراب لصالح المال، والشهرة، والقوة، هذا الثلاثي إن اجتمع فقدت الأخلاق وجودها، وضاعت القيم واختفت، وتحوّل الإنسان إلى كائن من حديد أو حجارة لأنه تخلّى عن مشاعره، وعن كلّ ما يجعله إنساناً حقّاً.

الكتاب عنوانه "التاريخ السريّ للإمبراطورية الأميركية"، وصاحبه هو الأميركي جان بركنس، صاحب الكتاب الشهير المخيف أيضاً بما احتشد به من معلومات سرية فاقعة في عدم أخلاقيّتها، "اعترافات رجل اقتصاد مأجور" الذي صدر سنة 2004، وظلّ لسنوات الكتاب الأول في الانتشار والشهرة، وفيه فضح مروّع للفساد العالمي الذي تتزعّمه الولايات المتحدة وتدافع عنه، وقد نشر الكتاب في نحو ثلاثين لغة، والكاتب عضو ومؤسّس في منظّمتين غير ربحيتين مكرّستين لإيقاظ الضمير العالمي، ورفع درجات الوعي الإنساني من أجل خلق عالم مستقرّ تسوده قيم السلام الدائم لأجيال المستقبل. والكاتب أستاذ جامعي يدرّس في العديد من الجامعات الأميركية، ومنها هارفارد، وبريستون، ومعروف بنضاله من أجل السلام، وقضايا البيئة، والحياة الاجتماعية التي تعمّها الأخلاق.

كتاب "التاريخ السري للإمبراطورية الأميركية" صادر عن "دار الطليعة الجديدة" في دمشق، وقد أعيدت طباعته عدة مرات، وقام بترجمته للعربية المحامي حسين علي، وقد أهداه المؤلّف إلى من قطعوا عهداً من أجل خلق عالم ينعم بالاستقرار، ويسوده السلام الدائم.

يقول مؤلف الكتاب، جان بركنس، حين أقدمت على تأليف هذا الكتاب "التاريخ السري للإمبراطورية الأميركية" تلافيت كلّ ما وقعت فيه من أغلاط حين ألّفت كتابي "اعترافات رجل اقتصاد مأجور"، أي حين اتصلت بالباحثين والمؤلّفين ورجال الاقتصاد لأقدّم لهم أسئلتي التي تدعم اعترافاتي حيث سأضمّن إجاباتهم فيما سأكتبه، لكن الجميع، وجلّهم قريبون من دوائر المخابرات الأميركية، رفضوا التعاون معي رفضاً باتاً، وعرفت أسباب مخاوفهم، ومن هذه المخاوف كانت الملاحقة والاتهام والسجن. لذلك قرّرت أن أكتب كتابي هذا "التاريخ السري للإمبراطورية الأميركية" بصمت، ومن دون أن أخبر أحداً، ومن دون أن أطلب المساعدة من أحد، وقرّرت ألّا أتحدّث عن الكتاب، وما احتواه من معلومات ووثائق، إلا بعد أن ينشر، وحين ينشر، ويذيع صيته، لن يجرؤ أحد على توجيه الأسئلة إليّ، أو ملاحقتي، لأنّ الكتاب سيكون وثيقة ضمان لي لما فيه من وثائق قانونية موقّعة من طرفين أو أكثر، وقد نجحت خطتي، لأنّ ما عانيته في الكتاب الأول، جعل الكثير من رجال الاقتصاد المأجورين، وعملاء الشركات الاقتصادية الكبرى، والصحافة، ومتطوّعي الفرق الداعمة للسلام العالمي، ومدراء شركات تنفيذيين، وموظفين في البنك الدولي، ومثلهم في صندوق النقد الدولي، وموظفين حكوميين، يأتون إليّ، ويتواصلون معي، بعد أن كتبوا أجزاء مهمة من سيرتهم الوظيفية، وكلّها اعترافات وقصص عاشوها وعرفوها ووثّقوها تكشف الحقائق الكامنة وراء الأحداث والصفقات الاقتصادية الكبرى في العالم، والتي كانت الولايات المتحدة الأميركية وراءها أو الداعمة لها، وهي التي أدّت دوراً حاسماً في تشكيل هذا العالم، من الناحية الاقتصادية وطبيعة العلاقات الاقتصادية بين الدول والشعوب، وكيفية رسمها وعقدها والدفاع عنها، والتركيز عليها إعلامياً. وقد عملت على كشف هذه الحقائق ليعلم أبناؤنا في أيّ عالم هم يعيشون، وإلى أي مستقبل هم ماضون، وفي ظنّي، يقول الكاتب، إنهم سينادون بأعلى أصواتهم، بعد أن يقرأ كلّ واحد منهم هذا الكتاب، ويعرف الحقائق التي فيه، لا بدّ من التغيير، ولا بدّ لنا من أن نتحرّك من أجل أن يسود السلام العالم.

في الكتاب "التاريخ السري للإمبراطورية الأميركية" معلومات على غاية من الأهمية، توضح، من دون لبس، كيف تسيطر الشركات والبنوك على مقدّرات العالم، وكيف تقود العالم، وفي كلّ اتجاهاته السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية، والأهمّ هي الاتجاهات الاقتصادية، عبر أذرع كثيرة، وكثيرة جداً، ومن أهمّها وأكثرها سرعة هي الذراع العسكرية وافتعال الحروب طويلة الأمد، أو قصيرة الأمد، وفي الكثير من الجغرافيات العالمية.

يقف الكتاب عند البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي طويلاً، ليس من أجل التفريق بينهما، أو بيان قوة كلّ منهما، وإنما من أجل أن يرسم لنا خرائط قوة كلّ منهما، وبيان اتجاهات نفوذهما، ومن يعمل لصالحهما.

أنشئ البنك الدولي عام 1944 في مدينة بريتون في ولاية نيو هامشر الأميركية، وكانت مسؤوليته محدّدة بإعادة بناء بلدان دمّرتها الحروب، ثم تغيّرت هذه المسؤولية، فأصبحت قائمة على إقامة علاقات حميمة مع مؤيّدي النهج الرأسمالي، أي جميع الشركات العالمية الكبيرة، وقد وضعت الخطط والبرامج والمشاريع الوهمية، أي غير العملية، وتقدّر أكلافها بتريليونات الدولارات، التي سيدفعها البنك الدولي، وقد رافقتها حملات إعلامية كبيرة، تؤكّد بأنها خطط وبرامج ومشاريع ستخدم الفقراء، بينما هي في الحقيقة لن تخدم بشكل رئيسي سوى بعض الشركات العالمية، وبعض أثرياء العالم. وكانت الخطط والبرامج والمشاريع، وما زالت بالطبع، تحدّد بلداً نامياً يزخر بالموارد الطبيعية التي تريدها هذه الشركات العالمية مثل (النفط، ومناجم الذهب والنحاس والبوتاسيوم..)، وتحدّد مبالغ القروض الضخمة التي سوف يستدينها هذا البلد من البنك الدولي، ونحن نعلم بأنّ كلّ هذه الأموال (أموال القروض الضخمة) ستذهب إلى الشركات الاقتصادية الكبرى التي ستنفّذ المشاريع والخطط والبرامج هناك، أي سوف تذهب إلى المهندسين القائمين على تنفيذ مشاريع البناء، وإلى بعض المتعاونين مع الشركات العالمية في البلد نفسه. ولكن كلّ المشاريع التي نفّذت لم تخدم مصالح الفقراء، بل ذهبت لخدمة المصالح التجارية للاقتصاديين المرتبطين بالشركات الكبرى، مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية، وبذلك بقي المجتمع في هذا البلد النامي مقسوماً إلى عالمين؛ عالم الفقراء، وعالم الأثرياء. والأخطر في الأمر كلّه، هو المطالبة بديون البنك الدولي، أما طريقة الدفع، فهي متمثّلة في أخذ المنتوج (النفط مثلاً) بأرخص الأسعار، وافتعال الأزمات التي تجعل أسعاره في هبوط مستمر، وكلّ هذا يؤكّد أنّ البنك الدولي هو في الحقيقة، ليس بنكاً دولياً على الإطلاق، بل هو بنك أميركي، وكذلك هو صندوق النقد الدولي، لأنّ معظم مدراء هذين البنكين هما من الأميركيين، رغم تعدّد جنسيات بعض المدراء الفرعيّين العاملين فيهما، ولكن لا دور لهم ولا فاعلية في القرارات الحاسمة، فالولايات المتحدة الأميركية تتحكّم بأصوات مهمة جداً في البنك الدولي، وفي صندوق البنك الدولي، والولايات المتحدة وبسبب هذه الأصوات التي تمتلكها، تتمتّع بحقّ النقض (الفيتو)  ضدّ القرارات المهمة والخطيرة، ولا سيما أنّ تعيين مدراء البنك الدولي، وبنك صندوق النقد الدولي  يتمّ من قبل الرئيس الأميركي نفسه.

ويقول مؤلف الكتاب، وبجرأة، إنّ الولايات المتحدة الأميركية، تتسبّب بأضرار عالمية كبيرة تحت يافطة التقدّم والتطوّر، وفي عدة مناطق جغرافية؛ في أفريقيا، وآسيا، وأميركا اللاتينية، وأنّ الحملات الإعلامية الاقتصادية المرافقة، حول المشاريع والخطط والبرامج، هي في معظمها تبدو ممتازة، من خلال البيانات والإحصاءات الوهمية المنشورة، لكنّ الواقع يكذّبها، لأنّ هذا الواقع لم يتغيّر، ولم يتبدّل، ولم يتطوّر، ولم يتقدّم، إذ بقيت فوائد هذه المشاريع تعود إلى طبقة الأثرياء التي ازداد أصحابها ثراء.

يحتشد الكتاب بالأمثلة عن العلاقة بين الشركات الكبرى والبنك الدولي، وصندوق النقد العالمي والدول المراد تطويرها والقول بأنها تقدّمت، ومنها ما قامت به شركة "واشنطن للبترول" التي دمّرت مناطق الأمازون، واستعبدت السكان هناك، ويتحدّث الكاتب، جان بركنس، عن ما عرفه وأدركه عياناً حين عمل في شركة أميركية أرادت تطوير بعض المشاريع في أندونيسيا (أكبر أرخبيل على وجه الأرض) فهي جغرافيا لأكثر من 17 ألف جزيرة ممتدة من جنوب آسيا إلى أستراليا، وفيها 300 جماعة عرقية مختلفة، تتكلّم أكثر من 250 لغة، وهي بلاد مغمورة بالنفط استناداً لتقارير اقتصادية مكتوبة في عقد الستينيات من القرن العشرين الماضي، وقد رأت أميركا أنّ آسيا هي الحصن الأمثل في مواجهة الإمبراطورية الشيوعية، ولهذا كان تدخّلها في شؤون بلدان آسيا كبيراً وكارثياً أيضاً (مصدق وإيران، ونودن ديم وفيتنام، وعبد الكريم قاسم والعراق، وقد قاد اغتيال نودن ديم في فيتنام إلى وجود قوات عسكرية للولايات المتحدة في جنوب آسيا ونشوب الحرب الفيتنامية التي كانت نتائجها كارثية فعلاً).

دعمت أميركا سوهارتو أندونيسيا لمواجهة الشيوعية (وقد كان قائد الجيش الأندونيسي) وقد كلّف مجيئه للحكم موت نحو 500 ألف إنسان، وهي أسوأ مجزرة في القرن العشرين، وليس هذا فقط، بل ألقى نحو مليون إنسان في السجون، وزجّ بعضهم في معسكرات الأعمال الشاقة.

أميركا أرادت أن تجعل أندونيسيا بلداً مشابهاً لإيران زمن الشاه، وأن تسيطر على النفط الأندونيسي، وكانت شركة "ماين" الأميركية هي المسؤولة عن عملية تطوير الشبكات الكهربائية، وقد عملت فيها (يقول المؤلف)، ولكن ذلك التطوير ظلّ في خدمة أصحاب المال، وأصحاب السلطة، أما الشعب فكان له الحقّ في شيء وحيد هو الفرجة.

وفي الكتاب أيضاً، حديث موثّق بالتواريخ عن المجازر التي دعمتها الولايات المتحدة، وقد راح ضحيتها آلاف الناس من دون ذنب، والسبب هو الظفر بالمال والامتيازات، ومنها المجزرة التي اقترفتها أندونيسيا المدعومة أميركياً، عام 1975، في عهد سوهارتو، ضدّ تيمور الشرقية، وبتشجيع وإسناد من الولايات المتحدة، وقد أسفرت خاتمة المجزرة عن ذبح 200 ألف إنسان، ولم يتساءل العالم كيف حدث هذا، ولماذا. لأنّ العالم كان يعرف أمرين اثنين؛ الأول، هو أنّ تيمور الشرقية جزيرة غنية بالنفط والغاز والذهب والمنغنيز، والثاني هو أنّ أميركا أعطت الضوء الأخضر لأندونيسيا لفعل ما تشاء في تيمور الشرقية، في زمن جيرالد فورد ووزير خارجيته هنري كيسنجر، بعد تسعة أيام فقط من نيلها الاستقلال عن البرتغال، وهذا يعني أنّ خطط احتلالها كانت معدّة مسبقاً.

ويؤكّد الكتاب أنّ أندونيسيا كانت المثال الآسيوي البارز لتحالف الشركات العالمية الكبيرة، والبنوك العالمية، لبناء اقتصاد غايته الاستثمارات العالمية على حساب الشعب الفقير الذي يعمل فيه الإنسان من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثامنة مساء من أجل أجر يومي مقداره دولار وربع الدولار فقط.

ويقف الكتاب أيضاً، وبتفاصيل مرعبة عند ما يفعله التعاون الاتحادي ما بين البنوك الأميركية والشركات العملاقة فيها، في بلدان أميركا اللاتينية (غواتيمالا، وفنزويلا، والأكوادور، وبوليفيا والبرازيل..) فهذا التعاون لا تعريف له في السياسات الأميركية الاقتصادية سوى النهب والسرقة بقوة الإخضاع والهيمنة، وأن يقوم على حكمها، وحراسة المصالح الأميركية، ضباط ديكتاتوريون.

كما يقف الكتاب عند نماذج وافية من تدخّل الولايات المتحدة، وعبر الأسلوب الاقتصادي، وبقوة الذراع العسكرية، في الدول الأفريقية.

ويختتم الكتاب كلّ المعلومات المهولة التي قدّمها، بأنه كان لا بدّ من غياب خمسة أمور هي: العدالة والشفافية، والثقة، والتعاون، والازدهار، عن خطط وبرامج ومشاريع الشركات التجارية الأميركية العملاقة من جهة، والبنوك الدولية من جهة أخرى، وأبرزها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.

   بلى، هذا الكتاب "التاريخ السري للإمبراطورية الأميركية" لـجان بركنس، كتاب خطير وكشّاف، وجدير بالقراءة لأنه مدوّنة معلومات وأساليب هي غاية في السرية، وغاية في التوحّش، ولكن لا بدّ من الوقوف عليها، ومعرفة ما فيها من ممارسات شيطانية. 

اخترنا لك