مشاهد صادمة.. ما أثر حفل الزفاف على تكوين مغارة جعيتا؟
الخبير الجيولوجي اللبناني سمير زعاطيطي يوضح للميادين نت أنّ حفل الزفاف الذي أقيم في مغارة جعيتا اللبنانية وأثار الكثير من الجدل، غريب عن جوّ المغارة ومضرّ ببنيتها الهشّة، التي كان يمكن لها أن تسبّب تكسّراً في الجدران.
-
استخدمت مراكب المغارة المائية "المزيّنة" وضاقت بعدد كبير من المحتفلين! (غرافيك: ندين بدر الدين)
لطالما تغنّى اللبنانيون بالمعالم الطبيعية والسياحية والتراثية والأثرية، في بلدٍ تكاد مساحته لا تتجاوز ولاية أو محافظة في دولة كبرى!
10452 كلم2 تضج بالجماليات، المترافقة مع إبداع فرديّ مطرّد، ونهضوية في الطاقات والمبادرات والابتكار والتصميم، ولن نتكلّم عن عزم اللبناني الذي تُرجّم على مدى عقود في الملمّات والحروب والأزمات الكبرى.
لعلّ ما يجري في لبنان منذ سنوات يرتدي أسمالاً لا تليق بتاريخه وتراثه، صحيح أنّ مسبّبيها وأسبابها داخلية، بسبب اهتراء المؤسسات وعدم مواكبتها للتطوّر، وعقلية الاستئثار وأيضاً التقصير والقصور.
ويجب ألّا نستهين بالعامل الخارجي الهدّام إذاً، ينوء لبنان تحت وِزر مطرقة وسندان، وربما تبرز هذه السلبيات الهدّامة بلبوسٍ شكليّ بسيط، لكنّ تأثيره المثبط والهادم كبير إذا لم يتدارك الواعون الأمر ويرفدوه بتدابير وحماية..!
آخر الفصول الصادمة: زفاف في مغارة جعيتا
آخر فصول المشاكل التي طفت على سطح أزمات لبنان الكثيرة، كان بيئياً علمياً سياحياً، وهو ما ضجّت به وسائل التواصل الاجتماعي حول حفل زفاف ضخم أقيم في قلب مغارة جعيتا!
هذا ما حلّ بـ "جوهرة السياحة اللبنانية" في تلك الليلة؟
-استفاقت صخور بهية ساحرة هادئة وادعة تكوّنت عبر ملايين العصور، على جَلبة و"عجقة" من نوعٍ آخر.. صرخات وموسيقى صاخبة وقرقعة..
-رتابة قطرات الماء المنسابة بخفَر إلى مكانٍ يرقى إلى عصر "الجوراسيك" ، شابتها قشعريرة "تاريخية صادمة"!
-شفافية "جوهرة السياحة اللبنانية"،بكنوزها الطبيعية من الصواعد والهوابط، "كشفت" بصلافة على ضوء مئات "فلاشات" الكاميرات والهواتف!
-رقص وشموع وطعام وشراب وتدخين.. ولن ننسى العبث الصارخ بالصخور التي أمست ديكوراً مصادراً أو خلفيّة "فانتازية"!
- استخدمت مراكب المغارة المائية "المزيّنة" وضاقت بعدد كبير من المحتفلين، وهذا بحدّ ذاته خطِر ومحظور.
-كلّ هذا وأكثر في مكانٍ بيئي سياحي حسّاس بامتياز، كان ممنوعاً فيه حتى السعال والعطس!
-وفي معلمٍ جمالي على باب قوسين أو أدنى من الدخول إلى لائحة "عجائب الدنيا السبع"!
تفاعُل كبير عبر وسائل التواصل: من المسؤول؟
لن ندخل في مندرجات المسؤولية إن كانت تقع على البلدية أو الوزارات المعنية، أو إدارة المغارة والجمعيات، فهذه تندرج في إطار المتاهات اللبنانية الداخلية.
المغارة الأهمّ في لبنان والعالم العربي أقفلت مؤقتاً منذ أيام بقرار من وزارة السياحة، وتمّ تشكيل لجنة خبراء تضمّ ممثّلين عن النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور للكشف عنها، والتأكّد من عدم حصول أيّ ضرر، فضلاً عن وضع الوزارة كلّ إمكاناتها بتصرّف التحقيق الذي أعلن عنه رئيس الحكومة نواف سلام.
أوضحت وزارة السياحة في بيان أنّ ما يتم تداوله عن إقامة حفل زفاف داخل مغارة جعيتا جرى من دون ترخيص مسبق من الوزارة، خلافًا للعقد الموقّع مع بلدية جعيتا التي تدير المرفق مؤقتًا.
— الميادين لبنان (@mayadeenlebanon) November 4, 2025
وأشارت إلى أن رئيس البلدية تواصل شفهيًا مع الوزيرة لورا الخازن لحود من دون تقديم طلب خطي كما يفرض… pic.twitter.com/aPZdpVZth0
لكن تبع الكشف عن المشاهد الصادمة تفاعلٍ كبير عبر وسائل التواصل والإعلام والوكالات المحلية .
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة غضب بعد انتشار فيديو لسهرة زفاف داخل مغارة جعيتا، التي يُمنع التصوير والإضاءة داخلها حفاظًا على التكوينات الصخرية وحماية الحياة الدقيقة فيها.
— Lebanos (@lebanosnews) November 3, 2025
بالإضافة إلى كونها مرفقًا عامًا، عُمِل على الحفاظ على مغارة جعيتا على مرّ السنوات، خصوصًا من كاميرات… pic.twitter.com/fyRc1YOLoy
جمال الطبيعة وسحرها..
تقع المغارة في وادي نهر الكلب ذوق مصبح على بعد نحو 20 كلم إلى الشمال من بيروت. تتكوّن من طبقتين، الطبقة العليا منها افتتحت في كانون الثاني/يناير عام 1969، وقد تمّ اكتشافها عام 1958 بعد تأهيلها على يد المهندس والفنان والنحات اللبناني غسان كلينك.
اقرأ أيضاً: لبنان: "كنز" طبيعي في مغارة الزحلان
وتمنح الطبقة العليا فيها زائرها متعة السير على الاقدام بعد عبور نفق يبلغ نحو 120 متراً، ليطلّ في الممرات على عالم من الأقبية الهائلة الارتفاع، الموزّعة فيها الأغوار والصواعد والنوازل والأعمدة وما إليها من أشكال مختلفة موشاة بالتبر البرّاق..
ممنوع التصوير في"مغارة جعيتا" ولكن مسموح تحويلها إلى قاعة زفاف ؟ يجب زجّ المسؤول المستفيد من هذا الحفل في السجن وليدفع التعويض المناسب ليكون عبرة لسواه. (على فوقه شو صار بالمعندين على صخرة الروشة؟) pic.twitter.com/B0ujbHLPh1
— Raymond Chaker (@ChakerRaymond) November 5, 2025
وتضاهيها جمالاً مثيلتها في المغارة السفلى التي يعود اكتشافها الى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، مع رحلة للمبشّر وليام طومسون.
-
مشاهد صادمة!
أين أمست الضوابط الصارمة؟
وهنالك ضوابط صارمة كانت تفرضها إدارة المغارة على كلّ زائر لهذه المغارة وهي عدم التصوير والصوت الهامس. وتكتبها على المداخل بوضوح أنّ أيّ نشاط زاىد أو إضاءة قوية يُعدّ انتهاكاً صريحاً لضوابط الحفاظ على المرفق.
عرس جعيتا كان يمكن أن ينقلب إلى مأساة..
— Mariam Kesserwan (@MariamKesserwan) November 5, 2025
رئيس النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور جوني طوق اكد أن «الممشى الذي كان يقف عليه عشرات المدعوين مثبّت بعواميد موضوعة في الحيطان، ولا يحتمل الرقص والنط»، وكان يمكن أن ينهار بمن عليه..
لذلك حجم الجريمة اصبح اكبر و تباعًا على المحاسبة ان…
د. زعاطيطي للميادين نت: دخول الإنسان غيّر تركيبة المغارة
الخبير بعلوم المياه الجوفية والأستاذ الجامعي د. سمير زعاطيطي أوضح للميادين نت أن "مغارة جعيتا هي جزء من مجموعة صخرية كربوناتية ضخمة مشقّقة وتذوب بمياه الأمطار تشكّل قلب جبل لبنان وتعود إلى عصر الجوراسيك وهي أقدم الصخور بلبنان".
وأضاف "تكوّنت المغارة بعد نشوء الصخر وارتفاعه فوق سطح البحر والبدء بتعرّضه لعوامل طبيعية من شمس وأمطار ورياح ليل نهار وتغيّر حراري ... تسرّب المياه السطحية عبر الشقوق والكسور أدّى عبر ملايين السنين إلى توسيع الشقوق الصخرية وتعميقها وخلق المجاري المائية الجوفية وإلى نشوء المغاور التي ترسّبت على سقفها وجدرانها المواد الكلسية التي كانت ذائبة بالمياه وأعطت أشكالاً بلورية تتلألأ حين تضاء".
عالَم جوفي مختلف عن الخارج
وإذ أكّد أنّ "المغارة تكوّنت في عالم مختلف عن سطح الأرض وتتسرّب المياه من خلاله لتحتكّ بالصخور وتذيبها وترسّب البلورات. وهو مكانٌ لا نور فيه ورطوبته وتركيبة الهواء فيه شبه ثابتة على مدار السنة، فإنّ دخول الإنسان على الخط يؤدّي إلى تغيير تركيبة هواء المغارة، فالضوء يعطي حرارة، والأصوات تعطي ارتجاجات تؤثّر على البلور الموجود بشكلٍ سلبيّ وقد تؤدي إلى اتلافه وتساقطه".
وتجدر الإشارة إلى أن هناك من وصل به الأمر من المتابعين إلى حد الحديث عن خطر العدد الكبير من الناس (والرقص وغيره) على باطون الممرات المرصوف فوق أعمدة! من دون تأكيد هذا الأمر بانتظار ما سيفضي إليه بيان لجنة الخبراء.
هذا ما فعله العرس في ملايين السنين!
واستطرد الخبير ليشرح في ردٍّ على سؤالنا "حفل العرس أُدخل بقوة إلى مكان منعزل ساكن عن السطح ولا علاقة له بما يحدث على السطح، مع كلّ العناصر المضرّة من عدد الناس الكبير، وهم يتنفّسون من هواء المغارة الذي بالكاد يتجدّد إضافة إلى الأضواء والأصوات...
كلّ هذه الأشياء غريبة عن جوّ المغارة الداخلي ومضرّة لبنيتها الهشة التي كان يمكن لها أن تتسبّب في انهيار الأسقف وتكسّر الجدران والسواقط من السقوف"، وهي بالمناسبة حصيلة ملايين السنين من التكوّن من قطرات ماء إلى صخور لتمسي في هذه الأشكال البديعة.
كذلك فإنّ "أقامة الحفلات الأعراس والإنارة القوية والضجيج وما يرافق ذلك من تلويث للجو والنفايات التي لا نعرف كيف ترمى؟ وأيضاً الصرف صحي والمياه مبتذلة فوق أهمّ مصدر مائي يغذّي العاصمة وضواحيها، يعتبر جريمة بيئية".
أهمية الكشف العلمي والإشراف الفني
زعاطيطي الذي يعكف دوماً على تقديم الدراسات البيئة والجيولوجية، أكد أهمية العلم وأنه هو الذي يبني الأوطان، مثنياً على الأدمغة الجامعية والموسساتية اللبنانية، ومنها الجامعة الوطنية الرائدة في هذا المجال.
ويستشهد الباحث اللبناني بتجربة الرئيس الراحل شارل ديغول بعد تحرير فرنسا عام 1944، فقد أطلق بزخم وطني ومؤسساتي وشعبي مشروع إعمار بلاده، معتمداً على ذوي الطاقات العلمية والحيوية، بعيداً عن الانقسامات السياسية.
وهنا شدّد على "وجوب الكشف عن وضع المغارة بعد الحفل من قبل خبراء لمعرفة حجم الأضرار التي تسبّب بها جهل وفساد مسؤولين، فالخطة هي أولاً تكليف لجنة من خبراء جيولوجيين وهيدرولوجيين (علم يدرس المياه على سطح الأرض) وأيضاً هيدروجيولوجيين (علم يدرس المياه الجوفية) بالإشراف الفني المباشر على النشاطات الممكن أن تمرّر في المغارة وتضع القوانين الصارم الحماية أولاً، و ثانياً أهمية منع السياسيين والإداريين من التدخّل بعمل اللجنة الفنية بتاتاً. وأيضاً لضرورة إصدار قوانين جديدة وإجراء فحوصات دائمة وصيانة".
معلم طبيعي يغذّي العاصمة
وختم بقوله "هذا معلم تاريخي طبيعي يغذي العاصمة وضواحيها بمياه الشرب وإدارته يجب أن تناط بعلماء وخبراء وليس ببلدية مطاعم وحفلات وسهرات تلويث لحياة المواطنين ومياههم"، سائلاً "ألا يكفي تلوّث نهر الكلب قرب جعيتا (مصنّف ضمن المواقع الطبيعية الخاضعة لحماية وزارة البيئة اللبنانية منذ عام 1998 بموجب القرار رقم 97/1. هذا التصنيف يهدف إلى حماية مجرى النهر، بما في ذلك منبعه حتى مصبّه، وضمان سلامة بيئته الطبيعية).
وطرح علامات استفهام بلغة الخبير الجيولوجي الحريص على طبيعة وسلامة بلده وناسه "أين يذهب الصرف الصحي والنفايات الصناعية الزراعية المنزلية. ماذا حدث لنبع "القشقوش" القريب من نبع جعيتا عام 2012؟ "ومن أين جاء التلويث الجرثومي والكيميائي لهذا النبع الصغير ولم ينفع الكلور في تعقيم مياهه التي رميت في البحر؟
يذكر أنّ لبنان شهد خلال الأسبوع المنصرم حدثين بيئيين كبيرين وهما تشييد بناء كبير خاص فوق "مغارة الفقمة" في منطقة عمشيت (جبل لبنان، وهي ملاذ طبيعي وبيئي هام، تُعرف بأنها موطن للفقمة المتوسطية النادرة)، وحفل الزفاف داخل مغارة جعيتا.
أشارت جمعية "الأرض – لبنان" في بيان إلى أنّ "قاضية الأمور المستعجلة في جبيل أصدرت اليوم، 4 تشرين الثاني 2025، قراراً يُلزم رولا بهنام بوقف أي أعمال حفر أو إنشاءات على العقار رقم 345 الواقع فوق مغارة فقمة عمشيت، إلى حين صدور إشارة من النيابة العامة التمييزية في جبل لبنان بعد… pic.twitter.com/IJ8mwZJo9U
— الميادين لبنان (@mayadeenlebanon) November 4, 2025