"فايننشل تايمز": الصين تفوز بأكبر مشروع تعدين في العالم
استغرق منجم سيماندو في غينيا الذي بلغت تكلفته 23 مليار دولار، نحو 3 عقود لبدء التشغيل الذي قد يقلب موازين القوى في سوق خام الحديد العالمية.
-
"فايننشل تايمز": الصين تفوز بأكبر مشروع تعدين في العالم
صحيفة "فايننشل تايمز" البريطانية تنشر تقريراً يتناول مشروع منجم "سيماندو" في غينيا، وهو أضخم مشروع تعدين لخام الحديد في التاريخ الحديث، من حيث الحجم والاستثمار والتأثير الجيوسياسي والاقتصادي العالمي.
يرى التقرير أنّ مشروع "سيماندو" ليس مجرد منجم، بل تحوّل استراتيجي يعيد رسم خريطة النفوذ الاقتصادي بين الصين والغرب في أفريقيا.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
يُعدُّ منجم سيماندو أضخم منجم تعدين في التاريخ بحجمه، وبتكلفته المادِّيَّةِ الكبيرة، وإنتاجه الهائل الذي يصفُه البعض بالمشروع الذي تقوده الصين بـ"قاتل بيلبارا"، في إشارة إلى قدرته على كسر هيمنة أستراليا على صناعة خام الحديد. ويرى آخرون أنَّ رواسب المنجم عالية الجودة هي "كافيار خام الحديد"، التي يُمكن أن تُسهم في تحفيز ثورة خضراء في صناعة الصلب من خلال خفض استهلاك الطاقة اللازمة لإنتاجه بمستوى كبير.
وبالنسبة إلى 15 مليون شخص في غينيا الذين يأملون أن يتمكَّن هذا المنجم الضخم من تغيير مصير دولة بأكملها في غرب أفريقيا، فإنَّ المشروع الذي سيُفتتح في حفل كبير هذا الأسبوع يُعرف بكلمة واحدة، سيماندو. وعندما تصل غينيا خلال بضع سنوات إلى أقصى إنتاج لها، وهو 120 مليون طنّ من خام الحديد سنوياً، فمن المتوقَّع أن تُصبح غينيا من أسرع دول العالم نموّاً.
وتتحدَّثُ الحكومة عن مضاعفة حجم اقتصاد البلاد 4 أضعاف بحلول عام 2040، ما يعني مُعدَّل نُموّ سنوياً متوسّطاً بنحو 10%. ويقول وزير التعدين الغيني بونا سيلا، "لدينا فرصة لتغيير حجم بلدنا وحياة شعبنا، كما أنَّ خطة التنمية الغينية (سيماندو 2040)، المعروفة بـخطة التنمية، تهدف إلى تحفيز استثمارات بقيمة 200 مليار دولار في الطرق ومصافي النفط والمجمعات الصناعية والمدارس والزراعة". واستشهد الوزير بنموذجي فيتنام وسنغافورة، "هذه البلدان تُظهر لنا أنَّه إذا كُنت جادّاً ولديك قيادة قويَّة، فيمكنك تغيير النمط".
يأتي هذا التفاؤل الجديد في غينيا بعد ما يقرب من 3 عقود، كان فيها منجم سيماندو عبرة لما قد يحدث عندما يصطدم جدار من المال الغربي بجدار من خام الحديد في بلد أفريقي فقير. ومنذ أن فازت شركة التعدين الأنجلو-أسترالية "ريو تينتو" لأول مرة بحقّ استكشاف سلسلة الجبال عام 1997، أصبحت سيماندو موضوعاً لفضائح رشوة متعدّدة، ومكائد سياسية، وتنافسات تجارية مريرة بين الشركات، استدعت المحاكم الدولية.
وفي الآونة الأخيرة، ومع اقتراب المشروع الذي طال انتظاره فجأةً من خطّ النهاية، أصبح الحديث يدور حول كيفية تمكَّن رأس المال الصيني والبراعة الهندسية من فتح مشروع ضخم للغاية، بحيث لا تستطيع أي شركة غربية بمفردها إكماله. يقول إريك هيدبورغ المُحلّل في مجموعة الأبحاث "سي آر يو"، إنَّها "نقلة نوعية تمثل إضافة كبيرة للإمدادات الجديدة. ولم نشهد شيئا كهذا منذ فترة طويلة".
الظروف قاسية للغاية في الغابة النائية التي يقعُ فيها منجم سيماندو، حتى إنَّ فيديو التعريف لشركة "ريو" باقٍ إلى اليوم يحذّر من الثعابين والملاريا في المنطقة، بينما لم يُؤكّد الجيولوجيون العاملون لدى الشركة الكمّيات الصناعية من الخام التي تشكَّلت في الجبل قبل نحو 3 مليارات سنة، إلا في أواخر تسعينيات القرن المنصرم. وبمقياس الزمن الجيولوجي هذا، فإنّ ما يقارب من 3 عقود استغرقتها عملية تطوير المنجم، إلى جانب إنشاء سكَّة حديد بطول 650 كيلومتراً وميناءً خاصّاً، تُمثّل طرفة عين. لكن خلال تلك الفترة، شهدت غينيا انقلابين وتوالي 4 رؤساء على الحكم، بينما شهدت شركة "ريو" التي كانت تملك حقوق جميع مكامن خام الحديد في المنطقة، تعاقب 6 مديرين تنفيذيين.
وعلى مدى سلسلة من التقلُّبات والمنعطفات امتدَّت لنحو عقدين، تقلَّصت حصَّة شركة "ريو" الأصلية البالغة 100%، إلى 25% فقط. وبجانب الحكومة الغينية التي تملك حصَّةً بنسبة 15%، فإِنَّ شريك "ريو" في المشروع المشترك في اثنتين من الكتل الأربع للمنجم هو مجموعة "شينالكو" الصينية المملوكة للدولة والمتخصِّصة في الألمنيوم. بينما تقع الكتلتان الأخريان على بعد 70 كيلومتراً، تحت سيطرة (تحالف سيماندو الصيني السنغافوري)، ويطلق عليه الوزراء الغينون اسم "النصف الآسيوي" من المنجم.
ومن بين المستثمرين الرئيسيين مجموعة "باوو ستيل" الصينية، وهي أكبر شركة لصناعة الصلب في العالم، ومجموعة "وينينغ إنترناشونال"، وهي تكتل سنغافوري للشحن والتعدين. وقد أسهم مؤسّسها ورئيس مجلس إدارتها، الصيني المولد سون شيو شون، في تحويل غينيا إلى أكبر مصدر لمعدن خام الألمنيوم "البوكسيت" في العالم.
وكانت الشركات الصينية قد حظيت بفرصة في سيماندو بفضل التاريخ المثير للجدل لمشروع التعدين. ففي عام 2008، جرد طاغية غينيا آنذاك لانسانا كونتي، شركة "ريو" من نصف المنجم، ثم نقله لاحقاً، وهو على فراش موته إلى شركة "بي إس جي ريسورسز" وهي الذراع التعدينية لمجموعة يديرها بيني شتاينميتز، رجل الأعمال الإسرائيلي المغامر في مجال الألماس.
وقد باع شتاينميتز نصف حصَّته في عام 2010 لشركة "فالي أوف برازيل" مقابل ملياري دولار ونصف، هي عبارة عن ربح صافٍ له. وكانت محكمة سويسرية قد حكمت على شتاينميتز لاحقاً بالسجن 5 سنوات بتهمة رشوة مسؤولين غينيين، من ضمنها دفع 8.5 ملايين دولار لزوجة كونتي الرابعة، مامادي توريه، ثم خفَّفت العقوبة لاحقاً إلى 3 سنوات. كذلك اعترف مستشار سابق لشركة شتاينميتز، " بأنَّه عرض على توريه أموالاً مقابل تدمير وثائق تدينها، من دون أن يعلم أنَّها كانت ترتدي جهاز استماع يخضع لمراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي.
مع ذلك، يُصرُّ شتاينميتز على براءته، ولا تزال إجراءات الاستئناف جاريةً، بينما نفت شركة "بي إس جي ريسورسز" استمرار ارتكاب أي مخالفات. وقالت شركة "فال" التي انسحبت لاحقاً من المشروع، إِنَّها تعرَّضت للخداع، وقاضت "بي إس جي ريسورسز" وطالبتها بتعويضات. وفي قضية منفصلة، دفعت شركة "ريو" 15 مليون دولار أميركي لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، التي وجدت أنها انتهكت قانون قواعد المحاسبة المتعلقة بمدفوعات قُدّمت لأحد المستشارين، وافقت "ريو" على الأمر من دون الاعتراف بالذنب.
ولسنوات تردَّدت شركتا "ريو" و"فالي" في تحمُّل التكاليف الباهظة لتطوير خطوط سكك الحديد والميناء الخاصة بالمنجم، ما ترك سيماندو منطقةً بلا عمل. ولكن عندما مُنح التكتُّل الصيني السنغافوري " دبليو سي إس"، مناطق "بي إس جي ريسورسز" في عام 2019، أُطلق العمل على خطّ السكَّة الحديد اللازمة لنقل عربات الخام مئات الكيلومترات عبر الغابات الكثيفة إلى الساحل. وربَّما يعود الفضل في الافتتاح الكبير أكثر من أي شخص آخر، إلى الجنرال مامادي دومبويا البالغ من العمر 36 عاماً، حين استولى على السلطة في غينيا عام 2021 بعد أن تجاوز سلفه المنتخب مُدَّة ولايته الدستورية. وقد ربط دومبويا سمعة رئاسته، التي يسعى إلى إضفاء الشرعية عليها في انتخابات الشهر المقبل، بنجاح إتمام عملية سيماندو.
ولقد كان دومبويا هو من وضع الجدول الزمني الصارم الذي بلغ ذروته في التدشين مؤخَّراً، الذي يُعدُّ بمنزلة إطلاق تجريبي، وَجاء توقيته على نحو ملائم قبل الانتخابات بأسابيع قليلة فقط. كذلك يُشبّه دومبويا نفسه ببول كاغامي الزعيم الرواندي الفعّال وإن كان سلطوياً، وقد فرض دومبويا شروطاً أخرى على المستثمرين، وأصرَّ على أن تحصل غينيا على حصَّة بنسبة 15%، لا فقط في المنجم نفسه، بل أيضاً في شركة الخدمات اللوجستية التي تُدير السكك الحديد والميناء. وقد قاوم المستثمرون ذلك بشدَّة. وفي أحد الاجتماعات المتوتّرة التي عُقدت في وقت متأخّر من الليل، طلب من محامٍ غيني أن يغلق الباب بقوة عند خروجه كدليل على إصرار غينيا.
في كوناكري العاصمة الساحلية التي تعجُّ بالدبّابات، تُزيّن صور ضخمة للرئيس بزيه العسكري الأنيق غالباً بالقرب من ملصقات تعلن عن "سيماندو 2040". وتربط الشعارات نجاح المنجم برؤية الرئيس وشعارها "القيادة بناء". يقول سيلا وزير التعدين، إنَّ رؤية دومبويا هي ما أجبر "ريو" وشركاءها الصينيين على تقاسم التكاليف الباهظة للسكك الحديد والميناء، عوضاً عن مضاعفة التكاليف. ويضيف، "الرئيس جندي، ومن الناحية الاستراتيجية، فإنَّ أفضل إعداد هو التدريب العسكري.
اشترط الرئيس دومبويا أيضاً على سيماندو شراء قاطرات أميركية لتشغيلها على السكك الحديد الصينية. وعندما حاولت شركة " دبليو سي إس" استخدام قاطرات صينية، رفضتها غينيا، بينما فازت شركة أميركية بعقد القاطرات المُصنَّعة في الهند. كذلك تتولَّى شركة فرنسية مهمَّات أخرى في المشروع، ويبدو الأمر كما يقول أحد المسؤولين إنَّ سيماندو أشبهُ بالأمم المتحدة"، بينما يصف آخرون هذا التوازن في التنوُّع بأنَّه استراتيجية تحوّط جيوسياسية.
يُشيد كريس إيتشيسون المدير العام لشركة "سيمفير" (اتحاد ريو _ تشينالكو)، الذي يعمل على مشروع سيماندو، بالرئيس دومبويا لإجباره الشركاء الصناعيين المتنافسين على التعاون في مجال البنية التحتية. ويقول، "إذا أردنا أن ينبض مشروع سيماندو بالحياة، علينا جميعاً أن نفعل الأمور بشكل مختلف، وكان هذا سبب عدم حدوث ذلك خلال الأعوام الـ 27 الماضية".
الآن، وبعد أن بدأ مشروع سيماندو أخيراً في إنتاج خام الحديد، والذي من المتوقَّع أن يتمَّ شحن أول دفعة منه إلى الصين خلال أسابيع، يستعدُّ المشروع ليترك أثراً تحوُّلياً في سوق خام الحديد، حيث سيضيف سيماندو إلى سوق يعاني بالفعل من فائض في المعروض. والأهمُّ من ذلك، أنَّه سيغيّر ميزان القوى لمصلحة الصين بشكل حاسم، ويُوفّر منافسةً قويةً لأستراليا.
وعندما يصلُ سيماندو إلى كامل طاقته الإنتاجية، سيُمثّل حوالى 7% من خام الحديد المتداول عالمياً. لكن حتى هذا الرقم يُقلّل من تقدير تأثيره الكامل. فالشركات الصينية تمتلك حالياً حوالى 8% من إنتاج خام الحديد المنقول بحراً، وهو رقم من المتوقَّع أن يتضاعف تقريباً خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب مجموعة أبحاث "سي آر يو".
وعلى مدى عقود كانت الصين، أكبر مُنتج للصلب في العالم والمسؤولة عن ثلاثة أرباع واردات خام الحديد المتقلب الأسعار، لكنَّها اضطرت إلى قبول شروط أكبر 4 مُنتجين هم "بي إتش بي"، و"ريو تينتو"، و"فالي"، و"فورتسكو". كما أنَّ الجهود الأخيرة لتوحيد عمليات الشراء تحت مظلة مجموعة الموارد المعدنية الصينية شهدت تعاون مصانع الصلب للمطالبة بأسعار أقل وشروط أفضل، وعمليات شراء يُسوَّى بعضها بالرنمينبي.
ويتوقَّع معظم المحللين أن تنخفض أسعار خام الحديد إلى ما بين 70 و80 دولاراً للطنّ خلال العامين المقبلين، مُقارنةً بنحو 100 دولار اليوم. وإذا انخفضت الأسعار بهذا القدر، فسيستغرق الأمر وقتاً أطول بكثير، حتى تتمكَّن شركات "ريو" و"تشينالكو" و"باوو" و"وينينغ"، من تعويض تكاليفها المالية الهائلة، بينما تضع الحكومة الغينية بالفعل استراتيجيات لمواجهة ما يتوقَّعون أنَّه جهود صينية لخفض الأسعار.
من مزايا غينيا أنَّ خام سيماندو، الذي يحتوي على نسبة حديد متوسّطة تبلغ 65%، يُلبّي احتياجات مصانع الصلب التي تسعى إلى خفض انبعاثات الكربون. ومع توجُّه المزيد من المصانع نحو إنتاج "الفولاذ الأخضر"، باستخدام طاقة أقل لصهر الحديد، من المرجح أن يزداد الطلب على الخام عالي الجودة الذي تنتجه سيماندو. كما أنَّ خام سيماندو مناسب لجيل جديد من أفران القوس، التي تستخدم الكهرباء عوضاً عن الفحم لتوليد الطاقة.
تقول خبيرة استراتيجيات السلع الأساسية فلورنس صن "هناك توجُّه هيكلي نحو إزالة الكربون، وإحدى الوسائل لتحقيق ذلك هي استخدام خامات عالية الجودة، فهذا هو الاتجاه الذي يسير فيه العالم اليوم". كل هذا يُشكّل تهديداً وجودياً محتملاً لمنطقة بيلبارا لإنتاج خام الحديد في أستراليا، حيث يُضعف انخفاض جودة الخام وارتفاع التكاليف قُدرة إنتاجها على المنافسة. ويشهد الطلب على خام الحديد على المدى الطويل حالةً من الركود، مع اقتراب طفرة البناء في الصين، التي استمرت عشرين عاماً، من نهايتها. ويُدرك المنتجون الأستراليون هذا التهديد تماماً. يقول أندرو تويغي فوريست، مؤسس ورئيس شركة "فورتيسكيو"، إنَّ تشغيل منجم سيماندو أخيراً، على الرغم من "بعده عن العمل في بيئة سياسية غير جذّابة نسبياً، يُظهر عزم الصين على تحسين إمدادات خام الحديد، حيث لا يُمكن إنكار التوجُّه نحو خام الحديد الأخضر، ولا يمكن الوقوف في طريق هذا القطار.
يُدرك الغينيون التداعيات الدولية المحتملة لـمنجم سيماندو، لكن همّهم الرئيسي هو تأثيرها في بلدهم. يقول أحد كبار المسؤولين، إنَّ "رؤية الرئيس واضحة تماماً، وهي جعل غينيا دولة صناعية". وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أيَّدت وكالة "ستاندرد أند بورز" العالمية للتصنيف الائتماني إمكانات النموّ، ومنحت غينيا أول تصنيف سيادي لها إطلاقاً بدرجة "بي بلس" مع نظرة مستقبلية مستقرَّة، وهو ما فتح لها الباب للوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.
يقول مستشارو الرئيس دومبويا، إنَّهُ حريص جداً على تجنُّب لعنة الموارد التي ابتليت بها دول أخرى. وتعتزم غينيا تحويل مبلغ لم يُحدَّد بعد من عائدات سيماندو إلى صندوق ثروة سيادي يرأسه أجنبي. وإضافة إلى ذلك، سيوفّر 5% من عائدات المنجم، و20% من عائدات شركة الخدمات اللوجستية للمدارس والمنح التعليمية على التوالي، في بلد لا يستطيع أكثر من نصف سكانه القراءة أو الكتابة.
هناك أيضاً خطط لبناء 3000 كيلومتر من الطرق السريعة خلال الـ15 سنةً المقبلة. وغينيا لديها حالياً أقلّ من 100 كيلومتر من الطرق السريعة. كما أنَّ الطاقة أولوية أخرى. فإلى جانب توفير الكهرباء لنصف الشعب الذي يفتقر إليها، تحتاج الحكومة إلى الكهرباء لتحقيق طموحاتها الصناعية الكبرى. ويقول الوزراء إنَّهم يُصرُّون على أن يبني مُستثمرو سيماندو مصنعاً للتكوير لتحويل الخام إلى كُريات عالية القيمة، وهي خطوة نحو تحقيق هدف غينيا النهائي من خلال إنتاج الصلب. من جانبها، تقول شركة "ريو" إنَّها ملتزمة بإجراء دراسة جدوى بشأن مصنع التكوير، ولكن ليس بالضرورة بناء مصنع، وهو مصدر محتمل للاحتكاك في السنوات المقبلة.
في أغسطس/ آب الماضي أعلن دومبويا عن نيَّتِه إبرام صفقة صعبة عندما ألغى امتياز "البوكسيت" الممنوح لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، ونقلهُ إلى كيان حكومي حديث الإنشاء باسم "نيمبا ماينينغ". ووصفت الشركة الإماراتية هذا الإجراء بأنَّه "انتهاك صارخ" لحقوقها القانونية والتعاقدية، إلا أنَّ غينيا أصرَّت على أنَّ الشركة الإماراتية أخلَّت بالتزاماتها ببناء مصفاة ألمنيوم.
تقول "ريو" إنَّها لا تشعر بالقلق إزاء المخاطر السياسية، وليست قلقةً كثيرا بشأن من في الحكومة. لقد كانت علاقتها مُستقرَّةً مع أي جهة في السلطة، لكنَّها ربَّما مُتناسية خسارة "ريو" لنصف المنجم عام 2008 بقرار رئاسي. يقول دانيال دريسكول محامي شركة "غولينغ دبليو إل جي"، إنَّ حُكومة غينيا الحالية داعمة للغاية. لكن على مدى 30 عاماً يُمثّل تأميم الموارد خطراً لا يمكن تجاهله"، في إشارة إلى إغراء استغلال المزيد من أموال سيماندو أو حتى مصادرتها، وأضاف "قد يتحوَّل الأمر إلى قضية شعبوية يصعُب مقاومتها"، بينما يُؤكّد مسؤولون في كوناكري أنَّه طالما التزم المستثمرون ببنود العقود، فليس لديهم ما يخشونه.
كذلك هناك مخاطر محتملة أخرى بشأن ما سيحدث عندما يفقد العديد من عمال البناء، البالغ عددهم 50 ألف عامل وظائفهم، وبعضهم كان يعمل بأجر للمرة الأولى، بينما سيحتاج المنجم والسكك الحديد والميناء إلى ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف عامل فقط. ويقول المسؤولون الغينيون إنَّ الخطط المرتبطة بمشروع سيماندو 2040، والتي تبدأ بممر بطول 850 كيلومتراً عبر جنوب البلاد، سوف تستوعب جزءاً كبيراً من القوى العاملة.
هناك خطر آخر يُهدّد البيئة. فإلى جانب المخاوف بشأن الحفاظ على التنوُّع البيولوجي، بما في ذلك قطعان الشمبانزي والفيلة المتضرّرة من المشروع، اشتكت المجتمعات القريبة من المنجم من تلوُّث المياه. وتُقر شركة "ريو" بالمشكلة، وتُؤكّد اتّخاذ خطوات لمنعها. وإذا فقدت سيماندو شعبيَّتها، فسيكون من السهل نسبياً على الساخطين إغلاق جزء من خطّ السكة الحديد الذي يبلغ طوله 650 كيلومتراً، ما يُهدّد الصادرات. وقد يحدث ذلك نتيجةً لتناقص فرص العمل، أو لشعورهم بعدم استفادة عامَّة الشعب من المشروع، أو بسبب المشاكل البيئية.
مع ذلك، قليلون في غينيا يتحدَّثون عن المخاطر. وبالنسبة إلى عامَّة الناس ووزراء الحكومة على حدّ سواء، يُتيح المشروع فرصةً فريدةً لدفع البلاد نحو مسار التنمية. صديقي الجيولوجي كونيه من شركة "ريو"، وكان جزءاً من الفريق الأولي الذي أجرى مسحاً لمنطقة سيماندو في تسعينيات القرن الماضي، يشعر ببهجة غامرة، لأنَّ المشروع الذي أسهم في إطلاقه قبل نحو 30 عاماً قد تكلَّل بالنجاح أخيراً، يقول "الجميع يتوقَّعون مستقبلاً أفضل".
نقله إلى العربية: حسين قطايا.