"Grayzone": الطائرات المسيّرة التي كانت تُستخدم في غزة تراقب اليوم المدن الأميركية

بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أرسلت شركة أميركية أكثر من 100 طائرة استطلاع مسيّرة إلى "إسرائيل" استخدمت في حصار غزة، وبعد تجربتها هناك، تُستعمل اليوم لمراقبة المتظاهرين في الولايات المتحدة.

  • "Grayzone": الطائرات المسيّرة التي كانت تُستخدم في غزة تراقب اليوم المدن الأميركية

موقع "The Grayzone" ينشر تقريراً يتناول العلاقة بين شركة "سكاي ديو" (Skydio) الأميركية للطائرات المسيّرة و"إسرائيل"، وكيف أصبحت هذه التكنولوجيا التي جرى اختبارها ميدانياً في غزة جزءاً من منظومة المراقبة والتجسس الداخلي في الولايات المتحدة. 

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

يتم تصنيع الطائرات المُسيّرة من قبل شركة تُدعى "سكاي ديو" (Skydio)، التي انتقلت في السنوات القليلة الماضية من الظل لتتحول إلى شركة بمليارات الدولارات وأكبر شركة مصنّعة للطائرات المسيرة في الولايات المتحدة. 

يُعدّ نطاق استخدام طائرات "سكاي ديو" المُسيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة وحجم نموّها في غضون بضع سنوات أمراً استثنائياً. وتتعاقد الشركة مع ما يزيد على 800 جهة إنفاذ قانون وجهاز أمني في جميع أنحاء البلاد، بزيادة عن 320 جهة في آذار/ مارس من العام الماضي، ويتم إطلاق طائراتها المسيرة مئات المرات يومياً لمراقبة الناس في البلدات والمدن في جميع أنحاء البلاد.

وتتمتع "سكاي ديو" بعلاقات واسعة مع "إسرائيل". وفي الأسابيع الأولى من الإبادة الجماعية، أرسلت الشركة، التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها، أكثر من 100 طائرة مسيرة إلى "جيش" الدفاع الإسرائيلي، ووعدت بإرسال المزيد منها. ولم يُعرف عدد الطائرات المُسيّرة الأخرى التي أُرسلت في ما بعد. وتمتلك "سكاي ديو" مكتباً لها في "إسرائيل" وتتعاون مع "ديفينس سينك" (DefenceSync)، وهي شركة مقاولات محلية متخصصة في مجال الطائرات المسيرة العسكرية، تعمل كوسيط بين شركات تصنيع الطائرات المسيرة و"الجيش" الإسرائيلي. كما جمعت "سكاي ديو" مئات الملايين من الدولارات من مستثمرين إسرائيليين أميركيين مغامرين، ومن صناديق استثمارية ذات استثمارات واسعة في "إسرائيل"، بما في ذلك شركة مارك أندريسن، "أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz)، أو "إيه 16 زد" (a16z). 

 وفي الوقت الحالي، تغزو هذه الطائرات المُسيرة، التي جرى اختبارها في الإبادة الجماعية للفلسطينيين، المُدن الأميركية. 

ووفقاً لبحثي، وقّعت جميع المدن الأميركية الكبرى تقريباً عقداً مع شركة "سكاي ديو" خلال الـ18 شهراً الماضية، بما في ذلك بوسطن وشيكاغو وفيلادلفيا وسان دييغو وكليفلاند وجاكسونفيل. وقد استخدمت أقسام شرطة المدن طائرات "سكاي ديو" المسيّرة مؤخراً لجمع المعلومات خلال تظاهرات "لا للملوك"، كما استخدمتها جامعة ييل للتجسس على مخيم الاعتصام المناهض للإبادة الجماعية الذي أقامه طلاب الجامعة العام الماضي.

في ميامي، تُستخدم طائرات "سكاي ديو" المُسيّرة للتجسس على المصطافين. وفي أتلانتا، دخلت الشركة في شراكة مع مؤسسة شرطة أتلانتا لتثبيت محطة طائرات مُسيرة دائمة داخل مركز تدريب السلامة العامة الضخم الجديد في أتلانتا. ومؤخراً، أنفقت ديترويت نحو 300 ألف دولار على 14 طائرة مُسيّرة من طراز "سكاي ديو"، وفقاً لتقرير مشتريات المدينة. وخلال الشهر الماضي، اشترت إدارة الهجرة والجمارك الأميركية طائرة مُسيّرة من طراز "إكس 1- دي سكاي ديو"، التي تتعقب الهدف وتلاحقه تلقائياً. واشترت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية 33 طائرة من الطراز  نفسه منذ تموز/ يوليو.

يعمل نظام الذكاء الاصطناعي المُستخدم في طائرات "سكاي ديو" المُسيّرة برقائق "إنفيديا"، ما يُمكّنها من العمل من دون أي تدخل بشري. وتحتوي هذه الطائرات على كاميرات تصوير حراري، ويمكنها العمل في بيئات لا يعمل فيها نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وهي ما يُسمى "البيئات المحظورة على نظام تحديد المواقع العالمي". كما أنها تُعيد بناء المباني والبنى التحتية الأخرى بتقنية ثلاثية الأبعاد، ويمكنها الطيران بسرعة تزيد على 30 ميلاً في الساعة.

وكانت شرطة نيويورك من أوائل الذي تبنّوا طائرات "سكاي ديو" المسيرة. وقد صرّح متحدث باسمها مؤخراً لموقع إخباري متخصص في الطائرات المسيرة أن شرطة نيويورك أطلقت أكثر من 20 ألف رحلة جوية بطائرات مسيرة في أقل من عام، ما يعني أن الطائرات المسيرة تُطلَق في أنحاء المدينة 55 مرة يومياً. وذكر تقرير للمدينة العام الماضي أن شرطة نيويورك كانت تُشغّل آنذاك 41 طائرة "سكاي ديو" مسيرة. ومع ذلك، فإن التغيير الأخير في قواعد هيئة الطيران الفيدرالية يعني أن هذا العدد سيزداد بلا شك ويدعم بشكل عام التوسع الهائل في استخدام طائرات "سكاي ديو" المُسيرة.

قبل آذار/ مارس من هذا العام، كانت قواعد إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) تنص على أنه لا يُسمح لقوات الأمن الأميركية باستخدام الطائرات المسيرة، إلا إذا أبقى المُشغّل الطائرة في مجال الرؤية. كما لم يكن من الممكن استخدامها فوق شوارع المدن المزدحمة. وقد فتح إعفاء أصدرته إدارة الطيران الفيدرالية في ذلك الشهر الباب على مصراعيه، الأمر الذي سمح للشرطة وأجهزة الأمن بتشغيل طائرات مسيّرة تتجاوز مجال الرؤية البصرية وفوق حشود كبيرة من الناس. وقد وصفت شركة "سكاي ديو" هذا الإعفاء بالإنجاز التاريخي. وقد كان كذلك بالفعل. فقد أدى هذا التغيير إلى إقبال كبير من قبل الشرطة وقوات الأمن الأميركية على شراء طائرات "سكاي ديو" المسيرة، بحيث يستخدم الكثيرون اليوم ما يُسمى برنامج "الطائرات المسيرة كمستجيب أول". فمع انتفاء الحاجة إلى رؤية الطائرة المسيرة، وحرية تحليقها في شوارع المدينة، باتت الشرطة ترسل طائرات مسيّرة بشكل متزايد قبل البشر للبلاغات ولأغراض تحقيقية أوسع. فعلى سبيل المثال، تُشير مدينة سينسيناتي إلى أنه بحلول نهاية هذا العام، ستُعالج طائرات "سكاي ديو" المسيرة 90% من جميع البلاغات أولاً. 

ويجري تمكين هذا المستوى الواسع من التغطية من خلال معدات منصة الإرساء من "سكاي ديو". وتُوضع منصات الإطلاق هذه في مواقع حول المدينة، ما يُتيح شحن الطائرات المسيرة عن بُعد وإطلاقها وهبوطها على بُعد أميال عديدة من مقارّ الشرطة. وبعد إطلاقها، تُحفَظ جميع المعلومات التي تجمعها هذه الرحلات على بطاقة ذاكرة داخلية، وتُحمَّل تلقائياً إلى برنامج خاص مُعدّ لأجهزة إنفاذ القانون. وقد جرى تصنيع هذا البرنامج من قبل شركة "أكسون" (Axon)، إحد أكبر الجهات المالية الداعمة لشركة "سكاي ديو" والشركة المثيرة للجدل التي تصنع أجهزة الصعق الكهربائي و"الأسلحة الأقل فتكاً" التي تستخدمها أقسام الشرطة في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء الغرب. ويتيح برنامج "أكسون إفيدنس" (Axon Evidence)، وفق بيان صحافي صادر عن شركة "أكسون"، "التحميل التلقائي للصور ومقاطع الفيديو من الطائرات المُسيّرة إلى نظام إدارة الأدلة الرقمية".

علاوة على ذلك، تُشكّل معدات شركة "أكسون" عنصراً أساسياً في البنية التحتية لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، بحيث توفر الشركة الكاميرات المثبتة على الجسم وأجهزة الصعق الكهربائي لقوات الشرطة الإسرائيلية وحراس السجون الذين يقومون بتعذيب الفلسطينيين بشكل روتيني. وتُعتبر شركة "أكسون"، التي شاركت في جولة تمويلية من الفئة "E" بقيمة 220 مليون دولار أميركي في "سكاي ديو"، واحدة من عدّة كيانات تدعم "سكاي ديو" وتخدم أجندة صهيونية.

وكانت شركة "أندريسن هورويتز" (a16z) أول مستثمر في "سكاي ديو" عام 2015، بحيث قدّمت 3 ملايين دولار من رأس المال التأسيسي للفريق المكوّن من 3 أفراد مسؤولين عن صناعة الطائرات المسيّرة. ومنذ ذلك الحين، استثمرت الشركة عشرات الملايين عبر جولات تمويلية متعددة. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسَي شركة "إيه 16 زد" (a16z)، مارك أندريسن وبن هورويتز، هما صهيونيان معروفان. وكانت شركتهما المستثمر الأكثر نشاطاً في رأس المال الاستثماري في "إسرائيل" في عام 2024، وفي هذا الصيف زار أندريسن وهورويتز "إسرائيل" للقاء شركات التكنولوجيا التي أسسها مجرمو حرب سابقون في "الجيش" الإسرائيلي ووحدة "8200".

ومن بين المستثمرين الآخرين في "سكاي ديو" شركة "نيكست 47" (Next 47)، التي لديها مكتب في "إسرائيل" يرأسه موشيه زيلبرشتاين الذي عمل في مركز التجسس الحاسوبي "مامرام" التابع للـ"جيش" الإسرائيلي، وشركة "هيركوليس كابيتال" (Hercules Capital) التي تتولى إدارتها إيلا تامار أدناهان، وهي إسرائيلية - أميركية وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها "المصرفية التقنية المفضلة لدى إسرائيل في الولايات المتحدة".

يُعد تشبع أقسام الشرطة الأميركية بتكنولوجيا الطائرات المسيرة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بـ"إسرائيل"، والتي تُستخدم لارتكاب جرائم حرب، تطوراً مُخيفاً، إن لم يكن مفاجئاً. وستكون طائرات "سكاي ديو" المُسيرة عنصراً أساسياً في تنامي الفاشية المتسارعة في الولايات المتحدة، وفي حملة إدارة ترامب على حركة "أنتيفا" (Antifa) وغيرها من الجماعات التي تُطلق عليها إدارته لقب "الإرهابيين المحليين". وفي هذا السياق، تكمن المفاجأة الكبرى في أن التوسع السريع لتكنولوجيا طائرات المراقبة المُسيّرة المرتبطة بـ"إسرائيل" في جميع أنحاء الولايات المتحدة قد مرّ مرور الكرام حتى الآن.

لذلك، لا بُد أن تكون شركة "سكاي ديو" في جدول أعمال زهران ممداني، الذي تعرّض مؤخراً لانتقادات لقوله إنه "عندما يكون حذاء شرطة نيويورك على رقبتك، فهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي هو من وضعه". و"سكاي ديو" مثال آخر على صحة كلامه. وإذا كان لديه الشجاعة للتمسك بقناعاته، فإنه قد يستخدم صلاحياته كعُمدة لإلغاء صفقة "سكاي ديو" مع شرطة نيويورك.

وتُعد شركة "سكاي ديو" أيضاً مورّداً رئيساً لوزارة الدفاع، فقد وقّعت مؤخراً عقداً لتزويد الجيش الأميركي طائرات استطلاع مُسيّرة. وبصفتها مورّداً رئيساً لقوات الأمن العسكرية والمدنية، تُثير الشركة تساؤلات حول المعلومات التي تُشاركها أو ستُشاركها مع الجيش الأميركي ووكالات الأمن المحلية عبر نظام إدارة الأدلة الرقمية "سكاي ديو-أكسون". 

تُظهر "سكاي ديو" مجدداً كيف تُعدّ غزة بمنزلة مختبر لشركات تصنيع الأسلحة، والمكان الذي يجري فيه اختبار تقنيات المراقبة والفصل العنصري الجديدة، قبل تطويرها واستخدامها في الغرب. وفي العام المقبل، ستطرح "سكاي ديو" طائرات مسيرّة جديدة للاستخدام الداخلي. ولا يسعنا إلا التكهن بمدى استفادة هذه الطائرات الجديدة من الدروس المستقاة من الإبادة الجماعية.