"The Conversation": تزايد حروب المسيّرات في أفريقيا التي نادراً ما تحقّق النصر

هل تستطيع هذه الطائرات من دون طيار تحقيق وعدها في ساحات المعارك الأفريقية، وما الذي يدفعُ إلى زيادة استخدام المسيّرات في جنوب صحراء القارّة السمراء؟

  • "The Conversation": تزايد حروب المسيّرات في أفريقيا التي نادراً ما تحقّق النصر

موقع "The Conversation" الأميركي ينشر مقالاً يقدّم تحليلاً معمّقاً لاستخدام الطائرات من دون طيّار (المسيّرات) في النزاعات المسلحة داخل أفريقيا جنوب الصحراء، مع التركيز على أسباب انتشارها، ونجاحاتها المحدودة، والعوامل التي تُقيّد فعّاليتها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

في العقد الأخير، أصبحت الطائرات من دون طيّار العسكرية إحدى أكثر رموز الحروب الحديثة تمثيلاً. فبعد أن كانت حكراً على الجيوش المتقدّمة، أصبحت الآن مُتاحةً على نطاق واسع في أسواق السلاح العالمية، حيث تُنتج دول مثل تركيا والصين وإيران نماذج منخفضة التكلفة وتُصدّرها. وفي الحرب المستمرّة في السودان منذ عام 2023، استُخدمت الطائرات المسيّرة من قبل الطرفين المتحاربين لتحقيق مكاسب ميدانية، لكنّها تسبّبت في سقوط أعداد هائلة من الضحايا المدنيين خلال تنفيذ عمليّاتها.

لقد صُمّمت الطائرة من دون طيار ليُتحكَّم بها عن بعد يُمكِّنها من أعمال المراقبة والتتبُّع وأحياناً ضرب الأهداف باستخدام الصواريخ أو القنابل، وهي مُغرية بتكلفتها الميسورة كسلاح فتّاك في ضرب الأعداء من دون تعريض القوات للخطر. ولكن هل تستطيع هذه الطائرات من دون طيار تحقيق وعدها في ساحات المعارك الأفريقية، وما الذي يدفع إلى زيادة استخدام المسيّرات في جنوب صحراء القارّة السمراء.

توفّر الطائرات من دون طيّار مزايا تكتيكية، حيث يُنظر إليها كحلّ لمشكلات الأمن الداخلي المُلحَّة، بدءاً من التوغُّلات "الجهادية" في منطقة الساحل الأفريقي وصولاً إلى التمرُّدات المسلحة في إثيوبيا والحرب الأهلية في السودان.

منذ عام 2019، استحوذ عدد متزايد من الدول الأفريقية من بينها النيجر وإثيوبيا وتوغو والسودان والصومال على طائرات مسيّرة، قدرتها على الارتفاع متوسطة، وتتحمُّل مدة استخدام طويلة. من بينها حظيت طائرة "بيرقدار تي بي 2" التركية، إلى جانب خليفتيها "تي بي 3" و"التفاحة الحمراء"، باهتمام واسع حيث تُقدّر بعض المصادر بيع 40 طائرةً لأكثر من 10 دول أفريقية منذ عام 2019، لكنّ الأرقام الفعلية غير معلنة.

تُعدُّ "بيرقدار تي بي 2"، رخيصة الثمن بالمعايير العسكرية بنحو 5 ملايين دولار أميركي للطائرة الواحدة، وهي سهلة التشغيل نسبيّاً، وقد أشيد بها باعتبارها " ثورة" بفضل موثوقيتها وفعّاليتها العالية وتوافرها السريع. وقد اختُبرت في القتال في سوريا، وليبيا، ومنطقة القوقاز التي تعتبر الحدود الطبيعية بين أوروبا وآسيا.

كما أنّ نجاح المسيّرة التركية في تدمير الدبابات، ومرابض المدفعية، وأنظمة الدفاع الجوي في نِزاعاتِ البلدان المذكورة، أثار إعجاب القادة الأفارقة، بينما تفاخر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بصناعة بلاده.

لكن ما مدى فعّالية هذه الطائرات المسيّرة في النزاعات الأفريقية، حيث تدخل الطائرات المسيّرة متوسطة الارتفاع وطويلة التحمّل مثل "بيرقدار بي تي 2" في ميادين النزاعات الصعبة التضاريس والجغرافيا الواسعة، إضافة إلى تعقيد التمرُّدات التي غالباً ما تمتدُّ عبر الحدود الجغرافية للدول.

وبينما تستطيع الطائرات المسيّرة توجيه قوّة قاتلة، فإنّ قُدرتها على التأثير في نتائج المعارك تعتمد أيضاً على مُتغيّرات مثل المسافة، وطبيعة الأرض، والطقس، وكفاءة المُشغّلين مع دعم أنظمة استخبارية ولوجستية وأنظمة قيادة. وبالنظر إلى هذه المعطيات، وجدتُ في بحثي مع زميلي أش روسيتر، أنّ الطائرات المسيّرة من غير المُرجّح أن تُغيّر إلى حدّ بعيد مسار النزاعات في معظم مناطق أفريقيا جنوب الصحراء، وذلك لسببين.

الأول، هناك غياب عامّ لأنظمة الدفاع الجوي المتكاملة الحديثة في المنطقة، وهو أمر ضروري لنشر الطائرات المسيّرة كأسلحة دقيقة وقاتلة، خصوصاً عند استهداف مجموعات معزولة. والسبب الثاني، أنّ نجاح الطائرات المسيّرة يعتمد على كفاءة تشغيلها، واستخدامها بأعداد كافية، وتوافر بنى تحتية داعمة مناسبة، كمحطات الوقود وأبراج الاتصالات وقواعد التحكّم الأرضية. وغالباً ما تكون هذه البنية التحتية غير مُتوفّرة في المناطق النائية التي ينشط فيها المتمرّدون، مثل الصومال والنيجر وشمال بوركينا فاسو.

لكن، هناك عوامل تحدُّ من قوة فتك الطائرات المسيّرة، مع أنّه حين يفتقر الخصوم إلى دفاعات جوية حديثة ومتكاملة، كما هو حاصل حاليّاً بين قُوّات المُتمرّدين والميليشيات في معظم أنحاء أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، يمكن للطائرات المسيّرة أن تُحلّق في الجو بأقلّ قدر من المخاطر، وهي قادرة على جمع معلومات استخباراتية فعّالة، وتنفيذ ضربات دقيقة ضدّ المركبات والمجموعات الصغيرة وخطوط الإمداد.

مع ذلك، هذه القوّة القاتلة محدودة، بسبب عدد من العوامل، أوّلها المساحة الجغرافية الأفريقية الواسعة التي تُضعف نطاق عمل المسيّرات، وبالتالي فعّاليتها. على سبيل المثال، يبلغ مدى طائرة "تي بي 2" التركية نحو 300 كيلومتر، وهي نجحت في منطقة القوقاز، بينما هذه المسافة لن تنجح في إثيوبيا أو منطقة الساحل على سبيل المثال، فقد اضطرت حكومة أديس أبابا في عام 2022 إلى إعادة تموضع طائرات "تي بي 2" من قواعد قريبة من العاصمة إلى مدينة بحر دار، وهي مسافة تقارب 300 كم، للوصول إلى أهداف في منطقة تيغراي.

ويُوضّح ذلك الحاجة إلى قواعد للطائرات المسيّرة، وهياكل أمنية، وبنية تحتية متقدّمة مثل أبراج الاتصالات ودعم لوجستي أقرب إلى مناطق النزاع. وهذا من شأنه زيادة المدى وتحسين النتائج. كذلك تُؤدّي التضاريس والطقس عاملاً أساسياً، حيث تضعف العواصف الغبارية والرملية في منطقة الساحل أجهزة استشعار الضوء المرئي للطائرات المسيّرة. وتتكرّر العواصف الرملية في المنطقة، خاصّةً خلال موسم الجفاف. كما يمكن لغطاء الغابات الكثيف في وسط أفريقيا أن يخفي حركة الطائرات المسيّرة.

وقد يحدُّ الغطاء السحابي شبه الدائم فوق مرتفعات إثيوبيا، أو على طول خليج غينيا من كفاءتها، لكنّ قدرة المسيّرات التركية، في مجال الكهروضوئية والأشعّة تحت الحمراء التي تُوفّر لها صوراً عالية الدقّة حرارية تُتيح رؤيةً بزاوية 360 درجةً، والعمل في ظروف جوّية مُتنوّعة، ولكنّها قد تحتاج إلى التحليق بارتفاعات منخفضة لرؤية الأهداف في التضاريس الأفريقية، وهذا يُشكّل خطراً مُحتملاً، يُعرّض الطائرات لنيران الأسلحة الصغيرة. وقد حدث هذا في السودان، حيث أفادت القوّات شبه العسكرية بإسقاط طائرات مسيّرة تابعة للجيش منذ نحو 3 أشهر.

كذلك، يتطلّب التشغيل الفعّال للطائرات المسيّرة جنوداً مُدرَّبين، وإجراءات استهداف منضبطة، وصيانة موثوقة. وقد تكون الأعطال مُكلّفةً، مثل ما كشف عنه تحطّم طائرة "تي بي 2" في بوركينا فاسو عام 2023، بسبب ضعف الصيانة والخبرة التشغيلية، ممّا أدّى إلى خسارة بوركينا فاسو مسيّرةً من ترسانتها المتضمّنة 5 طائرات "بيرقدار" التركية.

وفي العام 2023، أفادت التقارير أنّ غارةً جوّيةً نيجيرية بطائرة مسيّرة كانت تستهدف الإرهابيين، أسفرت عن مقتل نحو 85 مدنياً، في إثر خطأ في شبكيّة الإحداثيات. وقد أظهر ذلك كيف يمكن لضعف قُدرات المُشغّل أن يُحوّل الأسلحة الدقيقة إلى نذير مأساة.

تُعتبر الطائرات المسيّرة أكثر فائدةً لضرب قوافل الإمداد، والقضاء على أهداف مُحدَّدة، واستهداف شبكات المُتشدّدين. وهذه مهامّ نموذجية للحرب غير النظامية منخفضة الشدّة. لكنّها أقلّ حسماً بكثير في النزاعات ضدّ التشكيلات العسكرية الكبيرة أو للسيطرة على الأراضي، وهو ما ميّز الحروب الأخيرة في إثيوبيا والسودان، بينما لا تزال هذه المهامّ تعتمد على القاذفات المقاتلة أو الطائرات الهجومية، والقوات البرّية.

مع ذلك، ماذا يعني كلّ هذا بالنسبة لاستخدام الطائرات من دون طيّار في الصراعات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يُمكن للمسيّرات متوسّطة الارتفاع أن تُحقّق مكاسب تكتيكية، ولكنّها نادراً ما تقدّم حلاً سحرياً. ولسوء الحظّ، فإنّ الانطباع الأوّلي عن "تي بي 2" قد حجب بعض القيود، مثل قُدرة الطائرة على العمل عبر مسافات بعيدة للغاية، وفي الطقس العاصف، وأهمّية كفاءة المُشغّل.

وفي صراعات مثل إثيوبيا ومنطقة الساحل، تؤدّي الجغرافيا واللوجستيات دوراً حاسماً. فالقواعد، وخطوط النقل، والصيانة المُسبقة، كلّها عوامل تُحدّد مدى تغطية غارات الطائرات المسيّرة، واستمراريتها، وقوّتها.كذلك، يعتمد التأثير الكلي للطائرات المسيّرة على طواقم مُدرَّبة، وعلى صيانة فعّالة، واستهداف دقيق وقيادة حاذقة. وأيّ ضعف في هذه العناصر قد يُؤدّي إلى مأساة، بين المدنيين. وأخيراً، ومع تزايد اعتماد الجماعات المسلحة غير الحكومية على الطائرات من دون طيار، ونشر بعض الدول الأفريقية مثل رواندا وكينيا دفاعات جوية أفضل، فإنّ الميزة التي تتمتّع بها حالياً الحكومات الوطنية التي تملك طائرات من دون طيار سوف تضيق.

يتطلّب تحقيق الفائدة المستدامة ثلاثة أمور، تبدأ بالدفاعات المضادّة للطائرات المسيّرة، ممّا يعني أنّ على الدول تطوير استراتيجيات اقتناء أجهزة الاستشعار، وأجهزة التشويش، وأنظمة الكشف والتتبُّع، وتحتاج إلى تعزيز حماية المواقع والشبكات التي يتمّ من خلالها التحكُّم بالطائرات المسيّرة، لضمان عدم تعرّضها للاضطراب أو التخريب أو الاستهداف، والاستثمار المستمر، ليس فقط في شراء المسيّرات، بل أيضاً في أعمال الصيانة، وتدريب المُشغّلين، وتطوير البنية التحتية لدعم عمليات الطيران المتواصلة وتوسيع نطاق وصول الطائرات المسيّرة إلى عمق ميادين القتال.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.