"الغارديان": "التيار كفيلٌ بقتل فيل".. ناجون من فيضانات آسيا يصفون نجاتهم بحياتهم

من تايلاند إلى إندونيسيا، جرفت الفيضانات الغزيرة ممتلكات الناس ومنازلهم، وقلبت مجتمعات بأكملها رأساً على عقب

0:00
  • "الغارديان": "التيار كفيلٌ بقتل فيل".. ناجون من فيضانات آسيا يصفون نجاتهم بحياتهم

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً عن موجة فيضانات كارثية ضربت عدداً من دول جنوب وجنوب شرق آسيا خلال الأيام الأخيرة، وما خلّفته من دمار واسع وخسائر بشرية كبيرة.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

كانت أمينة علي، البالغة من العمر 63 عاماً، في منزلها بمنطقة بيدي جايا بإقليم آتشيه الإندونيسي عندما بدأت الأمطار بالهطول منتصف ليل الأربعاء. ارتفع منسوب المياه تدريجياً. بدا الأمر كفيضانات عادية تحدث خلال موسم الرياح الموسمية، ولكن فجأةً دوى صوت هدير قوي للمياه: غمرت المياه قريتها فجأة.

بمساعدة ابنها، تمكنت من الصعود إلى سطح منزلها، حيث انتظرت 24 ساعة. امتدت مياه الفيضان، التي بلغ ارتفاعها 3 أمتار، إلى مسافة بعيدة. قالت: "رأيت العديد من المنازل تجرفها المياه.. الآن منزلي مُدمر، مليء بالطين. لم أتخيل يوماً وضعاً كهذا. لم يتبقَّ لي الآن سوى قميص واحد، حتى أنني لا أملك أي ملابس داخلية، فقدتُ كل ممتلكاتي".

غالباً ما يجلب موسم الرياح الموسمية أمطاراً غزيرة يمكن أن تسبب فيضانات أو انهيارات أرضية، لكن المستويات التي شهدتها الأيام الأخيرة كانت أكثر تدميراً بكثير. لقي أكثر من 1100 شخص حتفهم في جميع أنحاء المنطقة بعد أن غمرت الأمطار الموسمية والأعاصير المدارية جزيرة سومطرة الإندونيسية، حيث قُتل أكثر من 600 شخص، وسريلانكا وجنوب تايلاند وماليزيا وفيتنام.

فقد بُسرا إسحاق، 60 عاماً، وهو أيضاً من بيدي جايا، منزله الذي جرفته قوة المياه من دون أن يترك أثراً. قال: "كانت هناك مئات الأطنان من جذوع الأشجار في الماء، وحتى فيل كان يمكن أن يموت بسبب التيار القوي بشكل لا يصدق".

نجا من خلال السباحة والتشبث بشجرة جوز الهند، حيث مكث لأكثر من 12 ساعة. قُتلت إحدى شقيقاته الأكبر سناً. لا يزال غير قادر على إخبار أقاربه خارج مقاطعة آتشيه بسبب انقطاع الكهرباء وخطوط الهاتف.

كان ناتشانون إنسوانو من بين العالقين في هات ياي، إحدى أكثر المناطق تضرراً في جنوب تايلاند، حيث لقي ما لا يقل عن 176 شخصاً حتفهم. انتظر، غارقاً في الماء حتى خصره، في الطابق الأول من منزله الذي غمرته المياه، بينما كان والداه يحاولان التوازن بصعوبة عبر النافذة، متكئين على سقف معدني. كان خائفاً جداً من الجلوس بجانبهما، خائفاً من انهيار ألواح السقف أسفلهما. قال: "رأيت أنّ التيار في الماء كان قوياً جداً".

من الأحد 23 تشرين الثاني/نوفمبر إلى الثلاثاء 25 تشرين الثاني/نوفمبر، لم يكن لدى ناتشانون ووالديه سوى زجاجة ماء واحدة يتشاركانها. قال: "نظرت إلى السماء لأرى ما إذا كانت طائرة هليكوبتر أو طائرة بدون طيار قد تُسقط بعض الطعام". لم يأتِ شيء. وذكر: "هطلت الأمطار طوال الليل، فشعرنا بالبرد الشديد بسبب المطر والرياح". أرسل رسائل إلى كل خط ساخن رآه، ونشر على وسائل التواصل الاجتماعي طالباً المساعدة.

استجابت العائلة لنصيحة السلطات المحلية، التي أشارت إلى أنّ منسوب المياه سيكون في المتناول. عندما طلبت وكالة الكوارث الوطنية من السكان الإخلاء، كان الأوان قد فات، إذ وصل منسوب المياه بسرعة إلى مستوى الصدر.

وُجّهت انتقادات شديدة لتقصير السلطات التايلاندية في إصدار تحذيرات كافية.

صباح الثلاثاء، تمكن ناتشانون من إيقاف قارب إنقاذ تطوعي قريب بعد أن صرخ بأعلى صوته. قال ناتشانون: "كانت أمي منهكة للغاية وفقدت وعيها. أدركتُ أننا بحاجة للخروج من هذا المكان، فصرختُ بصوت عالٍ".

وقد تعافت والدته، التي نُقلت على نقالة وتلقت الإسعافات الأولية، وقال إنهم لم يعودوا إلى المنزل بعد. لم تُستعاد المياه، وكل شيء مغطى بالطين.

تعتقد تشوتيكان بانبيت، البالغة من العمر 32 عاماً، والتي تعيش أيضاً في هات ياي، أن بقاءها على قيد الحياة معجزة. كانت تسير إلى شرفتها للتحقق من مستوى المياه عندما لدغتها أفعى مالايوية. كان مستوى المياه مرتفعاً لدرجة أنها لم تتمكن من الوصول إلى المستشفى لمدة 32 ساعة. وقالت إن الألم كان أسوأ من الولادة.

كنتُ خائفةً من الموت. ابني بلغ عامه الأول للتو. تعلمَ للتوّ كيف ينطق "ماما" قبل بضعة أيام. في قارب الإنقاذ، كنتُ خائفةً للغاية، لكنني لم أفكّر إلا في وجه ابني،" قالت. كان التيار قوياً لدرجة أن المنقذين طلبوا منها التمسك بقوة بينما كانوا يتسارعون بسرعة لتجاوز أمواج الماء.

وقالت: "مع هذه الأفعى (أفعى الحفر الملايوية) و32 ساعة، يقول الناس إما أن تموتي أو تُبتر ساقكِ". "كان والداي خائفين للغاية، وصلّيا كثيراً، وبذلا قصارى جهدهما ليتمنّيا لي السلامة".

انحسرت المياه الآن في هات ياي، على الرغم من أن حجم أعمال الإنقاذ والتنظيف اللازمة هائل. تضررت عشرات الآلاف من المنازل. تناثرت الأنقاض - أثاث مكسور ومُوحل، وشرائح من الخشب، وقمامة - في الشوارع. فقد العديد من السكان جميع ممتلكاتهم تقريباً. واليوم، يكفي صوت المطر لإثارة الذعر.

في سومطرة، أكبر جزيرة إندونيسية، انقطع ما لا يقل عن 11 جسراً تربط بين مناطق مختلفة وأجزاء من الطريق السريع الوطني. لا تزال بعض القرى غير قابلة للوصول إليها براً. حتى في المناطق التي وصلت إليها فرق الإنقاذ، يقول السكان المحليون إنهم لا يملكون ما يكفي من الطعام أو المياه النظيفة.

لا يزال العديد من ضحايا الفيضانات في ملاجئ الإنقاذ، معتمدين بشكل رئيسي على المتبرعين في المجتمع المحلي لتوفير الطعام والشراب. يحاول آخرون إنقاذ ما تبقى. ذهب بُسرى إلى منزل شقيقه في محاولة لتنظيف مقتنياته الثمينة وحمايتها. وقال إن الكارثة أسوأ بكثير من أي فيضانات في السنوات السابقة: "إنّ فيضان هذا العام هو أسوأ مأساة في التاريخ".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.