"فورين بوليسي": فنزويلا قد تكون تكراراً لكوارث العراق

إنّ الغطرسة التي أدت إلى حرب العراق تهدد الآن بكارثة في فنزويلا.

0:00
  • "فورين بوليسي": فنزويلا قد تكون تكراراً لكوارث العراق

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يحذّر من أنّ سياسة ترامب قد تعيد إنتاج كوارث العراق وأفغانستان في فنزويلا. ويوضح أنّ تغيير الأنظمة بالقوة غالباً يفشل ويفتح أبواب الفوضى، ويقود إلى نتائج أخطر مما كان قبل التدخل.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

الولايات المتحدة هي الرائدة عالمياً في تغيير الأنظمة، إذ أطاحت بـ 35 رئيساً أجنبياً على مدار 120 عاماً الماضية، وفقاً لتقدير واحد. إنه سجلٌّ مبنيٌّ على مزيجٍ خطيرٍ من القوة العسكرية غير المسبوقة، ومجموعةٍ كبيرةٍ من الأعداء المفترضين، وثقةٍ بالنفس مشرقةٍ أثبتت خطأها مراراً وتكراراً.

لم يُظهر أحدٌ نفسه أكثر انجذاباً لقوة إطلاق العنان لأقوى جيشٍ واقتصادٍ في العالم لكسب الحجج، والاستيلاء على الأراضي، وسحق الخصوم، والحلفاء الأغبياء من الرئيس دونالد ترامب. تقود واشنطن حملةً عسكريةً وسريةً متناميةً تستهدف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، بعد أن ضربت بالفعل إيران واليمن، وأصدرت تهديداتٍ أخرى أكثر غموضاً ضد نيجيريا والمكسيك وبنما، وحتى الدنمارك وكندا.

إنّ الإطاحة بزعيم دولةٍ أخرى تكتيكٌ روتينيٌّ بما يكفي ليكون له اختصاره الخاص بين الأكاديميين: "FIRC"، أو تغيير النظام المفروض من الخارج. وبحسب إحصاء أجراه ألكسندر داونز، الأستاذ المشارك والمتخصص في العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن ومؤلف كتاب "النجاح الكارثي: لماذا تفشل محاولات تغيير النظام المفروضة من الخارج"، نفذت الولايات المتحدة ما يقرب من ثلث عمليات الإطاحة القسرية التي طالت نحو 120 زعيماً أجنبياً حول العالم بين عامي 1816 و2011.

نادراً ما تسير عمليات تغيير الأنظمة وغيرها من التدخلات العنيفة كما هو مخطط لها، لكن بعض تلك التي يهدد بها ترامب، مثل شن هجوم "مكثف" على نيجيريا، بما فيها من متطرفين مسلحين وانقسامات عرقية وطائفية، تبدو كوارث واضحة. لكن ينبغي أن تُذكّر الإخفاقات السابقة الأميركيين بمدى كارثية عواقب الغطرسة، سواء على المستوى الإنساني الفردي أو الوطني.

لنأخذ على سبيل المثال تقرير "تغيير النظام الأجنبي الأميركي رقم 34"، العراق، وسلسلة الدوريات العسكرية التي رافقتها كمراسل في بغداد في أيار/مايو 2006.

بعد ثلاث سنوات من إجبار الولايات المتحدة صدام حسين على التنحي بناءً على مزاعم كاذبة حول أسلحة الدمار الشامل، لم تكن هناك أي علامة على موجة الديمقراطية التي وعد فريق الرئيس جورج دبليو بوش باتباعها في الشرق الأوسط. بدلاً من ذلك، تحولت دوريات الفرقة الجبلية العاشرة، عندما رافقتهم، إلى خدمة لإزالة الجثث بحكم الأمر الواقع. في كل ليلة، كانوا يجمعون وينقلون جثث العراقيين التي كان عراقيون آخرون يرمونها في شوارع بغداد وأرصفتها. كان القتلى، ومعظمهم من الشباب، بعضهم بأيديهم قابضة على الهواء من الصدمة أو مقيدون خلف ظهورهم من قبل قاتليهم، ضحايا حرب أهلية طائفية لم تكن تتوقعها إدارة بوش.

ثبت أن إسقاط حكومة صدام وقوات الأمن السنية سهل على الجيش الأميركي. لكن التعامل مع صراع السلطة الذي نشأ في ظل الفراغ الأمني ​​الذي أعقب ذلك لم يكن سهلاً.

بعد فترة طويلة من طرد القوات الأميركية لصدام، كانت العواقب لا تزال تتراكم على العراقيين العاديين. كانوا يتعرضون يومياً لسلسلة من عمليات الاختطاف والتعذيب والقتل، والسيارات المفخخة والتفجيرات الانتحارية، وغيرها من الهجمات.

في إحدى ليالي بغداد، تعرض الأميركيون بالفعل لضربة من عبوة ناسفة بدائية الصنع. ترك الانفجار بعض الجنود الشباب يعرجون أو في حالة ذهول. ارتطم رأس سائق عراقي كان قريباً بالأرض، مما أدى إلى مقتله.

حرمت جرائم القتل الطائفية الواسعة قتلى العراقيين من أسماء وقصص، مُختصرةً إياهم بسلسلة من الجروح التي تُصيبهم عند دخولهم وخروجهم، والتي تُلاحظ أثناء قيام الجنود بنقل الجثث إلى مؤخرة المركبات.

ستكون فنزويلا بمثابة عودة إلى تقليد أميركي عريق في التدخل الإقليمي. ووفقاً لبحث داونز، فإن نحو 20 من أصل 35 تغييراً في الأنظمة بدعم أميركي كانت في أميركا الوسطى والجنوبية أو منطقة البحر الكاريبي.

في بعض هذه الدول، أزاحت الولايات المتحدة القادة واستبدلتهم مراراً وتكراراً، وكان التركيز منصباً على شخص يركل آلة بيع للحصول على قطعة الحلوى المناسبة. في عام 1954 وحده، على سبيل المثال، أطاحت واشنطن بثلاثة قادة غواتيمالييين على التوالي.

ووجد الباحث داونز أنّ ثلث جميع التغييرات القسرية للأنظمة التي فرضتها جميع الدول على مستوى العالم أدت إلى حروب أهلية في الدولة المستهدفة خلال 10 سنوات.

ومن المسارات الشائعة للكارثة انهيار الأنظمة تماماً، تاركةً قوات الأمن المسلحة والساخطة في مأزق. وقال داونز إنّ أحد المسارات الأخرى هو عندما يجد القائد الجديد المُنصَّب من الخارج نفسه "مُجروراً مثل غامبي"، بين رغبات شعبه المتضاربة والقوة الأجنبية التي نصَّبته. أخبرني داونز: "تكمن المشكلة في تغيير الأنظمة في أنك تميل إلى تجاهل ما سيأتي لاحقاً. كأن تسأل نفسك: ما هي الخطة؟ ". وأضاف: "ومن المدهش مدى شيوع هذا الأمر. فالدول تستمر في فعله، إما أنها لا تفكر فيما سيحدث لاحقاً، أو أنها تعتقد... أنه لن يحدث لنا."

اتهمت إدارة ترامب مادورو بالتعاون مع تجار المخدرات، رغم أنّ الولايات المتحدة تُبالغ في تقدير دور فنزويلا في تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة. نقلت واشنطن أكبر حاملة طائرات لها إلى المنطقة في إطار تعزيزات عسكرية. وقد قتلت عشرات الأشخاص في ضربات على زوارق سريعة تزعم الولايات المتحدة، من دون أدلة، أنها تحمل مخدرات. وكانت خطط إدارة ترامب غامضة، بما في ذلك ما إذا كانت تدرس استخدام القوة لإسقاط مادورو، أو ما إذا كانت الإجراءات الأميركية، مثل الغارات الجوية، تهدف إلى تشجيع الفنزويليين على القيام بهذه المهمة بأنفسهم.

لقد فشل النهج الأميركي في ولاية ترامب الأولى، في تمكين المعارضة الفنزويلية كما كان مأمولاً. يلجأ ترامب هذه المرة إلى نشر قوات عسكرية وأخرى تابعة لوكالة المخابرات المركزية، إما لترهيب مادورو ودفعه للتنازل عن السلطة أو لإجباره على التنحي مباشرةً.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.