الاحتلال ينهب ركام المنازل المدمرة في غزة ويحوّله إلى "غنائم" حرب

لم تكتفِ "إسرائيل" بتدمير أحياء غزة، بل شرعت في نهب ركام المنازل المدمرة، وتحويله إلى "غنائم" تُعاد معالجتها وبيعها داخل الأراضي المحتلة. جريمة مزدوجة تهدف إلى طمس الأدلة، وحرمان الفلسطينيين من حق الإعمار والذاكرة.

0:00
  • الاحتلال ينهب ركام المنازل المدمرة في غزة ويحوّله إلى
    الاحتلال ينهب ركام المنازل المدمرة في غزة ويحوّله إلى "غنائم" حرب

لم تقتصر حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة على القصف والتدمير والمجازر الجماعية، بل اتخذت أشكالًا متعددة من الإذلال والانتهاك، تجاوزت حدود القتل إلى العبث بما خلّفته الجريمة نفسها، إذ تمثلت إحدى هذه الأشكال في نهب ركام المنازل المدمرة ونقله إلى أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، تحت ذريعة "إزالة الأنقاض".

تخفي هذه الممارسات أهدافًا اقتصادية وعسكرية وسياسية، منها طمس جرائم الحرب، وإطالة معاناة الفلسطينيين عبر عرقلة الإعمار ومحو الذاكرة الجماعية، بذلك يتحول الركام من فرصة للتعافي إلى "غنيمة حرب" ومصدر أرباح للاحتلال على حساب شعب يعاني ومستقبل يُمحى.

وبرغم غياب التوثيق المرئي، تتصاعد الاتهامات بسرقة ركام المباني في المناطق المنكوبة بشمال غزة وخان يونس ورفح جنوب القطاع من قبل الاحتلال ومقاوليه، وتعزز هذه الاتهامات روايات شهود عيان وصور فضائية تُظهر اختفاء كميات كبيرة من الأنقاض، ما يشير إلى عملية نهب مُنظّمة تهدف إلى طمس آثار الدمار والجرائم.

ووفقًا لصحيفة "هآرتس" العبرية، فإنّ مقاولي الهدم المتعاقدين مع جيش الاحتلال يتقاضون نحو 1500 دولار عن كل منزل يُزال، ويعتبر بعضهم استمرار الحرب "فرصة تجارية"، ما يفضح التواطؤ بين الجيش والقطاع الاقتصادي في تحويل الدمار إلى مصدر ربح. 

تهجير السكان وطمس آثار الجرائم 

رجل الإنقاذ الفلسطيني نوح الشنغوبي يؤكد للميادين نت، أنّ "جرافات وشاحنات عسكرية إسرائيلية تقوم يوميًا بنقل كميات ضخمة من ركام منازل الفلسطينيين إلى الداخل المحتل، حيث تُفرز هذه المواد وتُعاد معالجتها في مصانع إسرائيلية قبل بيعها لشركات البناء، فيما يُعدّ مشروعًا ربحيًا ضخمًا يدرّ عشرات ملايين الدولارات".

ويبين الشنغوبي، أنّ "ما يحدث هو جريمة منظمة، حيث يبدأ الاحتلال بتهجير السكان من أحياء كاملة، ثم يتوغّل فيها ويدمّرها بشكل كامل، سواء عبر القصف الجوي أو عمليات النسف، وبعدها تدخل الجرافات لتزيل كل شيء، وتُترك الأرض قاحلة، كأنها لم تكن يومًا مأهولة بالبشر"، مشيراً إلى أنّنا "في منطقة تبعد 20 كيلومترًا فقط عن المكان، ومع ذلك، الطيران الحربي يراقبنا ويعرف تمامًا ما نقوم به، والمشكلة أن لا أحد يتحدث عما يجري، لأنه لم يبق أحد هناك ليرى أو يوثّق".

بدوره، الصحافي وائل أبو عمر يقول: "في الآونة الأخيرة، بدأنا نرى الكسّارات تعمل بوضوح، حيث الآليات الثقيلة تُدخل الركام فيها، ويتم تفتيته بشكل نهائي، وكل شيء يدخل هذه الكسارات يتحول إلى رماد أو بودرة، في ظل غياب كامل لأي رقابة أو قدرة على التوثيق".

ويضيف أبو عمر في حديثه إلى الميادين نت: "المواطنون في غزة يحاولون فعل المستحيل، في ظل انعدام مواد البناء والحديد، يُجمع ما تبقى من الحجارة من تحت الركام، في محاولة لترميم غرفة أو إعادة بناء جزء بسيط من بيت، وهناك من يحاول حرفياً إعادة تدوير بيته المهدّم لصناعة أمل جديد وسط الركام"، مشدداً على أنّ "الاحتلال لا يسرق الركام لمجرد الربح، بل في إطار محاولة منظمة لطمس معالم الجريمة، ومنع أي عودة أو إصلاح، وتوسيع سيطرته العسكرية".

ويلفت أبو عمر إلى أنّ "هذا الركام بالنسبة لنا حياة، وللاحتلال أداة، فهو يعيد تدويره ليبني به مستوطنات، ويستخدمه أيضًا لإزالة العوائق الميدانية، بما يساعده على منع المقاومين من الاختباء خلف الأبنية المهدمة لتنفيذ عمليات ضده، وتوسيع مجال الرؤية أمام جنوده".

بيئة طاردة للحياة ومحو الأدلة الميدانية

من جهته، يشير الناطق باسم الدفاع المدني في رفح محمد الحاج يوسف، للميادين نت، أنّ "الاحتلال يسعى إلى جعل بيئة غزة طاردة للحياة لدفع الناس لترك وطنهم قسرًا"، مؤكداً أنّه "في ظل الحصار ونقص الموارد، تستخدم بعض العائلات الخشب والبلاستيك من أنقاض منازلها كوقود بديل لتدفئة أطفالها أو الطبخ، فالرّكام أصبح وسيلة مقاومة للبقاء".

ويلفت الحاج يوسف إلى نقطة شديدة الأهمية، قائلاً: "بقايا الردم، خصوصًا شظايا الصواريخ والقنابل، قد تشكّل أدلة ميدانية أمام المحققين الدوليين على نوعية الأسلحة التي استخدمتها "إسرائيل"، وهذا ما يجعل الاحتلال حريصًا على إزالة كل شيء، ليس فقط لأسباب عسكرية، بل لطمس أي أثر قد يُحرجه أمام الصحافة الدولية والجهات القضائية التي بدأت بالفعل إعداد ملفات حول حربه الوحشية في غزة".

سرقة الركام تضاعف تكلفة الإعمار

المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، يرى أنّ "ركام غزة يشكل جزءًا من الاقتصاد الدائري، إذ يمكن إعادة تدويره واستخدامه في عمليات الإعمار، نظرًا لاحتوائه على مواد قيّمة مثل الأسمنت والحديد وأسلاك الكهرباء، ولا يُنظر إليه كنفايات تقليدية".

ويشير أبو قمر، استنادًا إلى تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، إلى أن كمية الركام في القطاع تبلغ نحو 50 مليون طن، وهي كمية ضخمة كان بالإمكان استغلالها في مشاريع حيوية مثل الموانئ وعمليات الردم الساحلية.

ويؤكد المحلل الاقتصادي، في حديثه إلى الميادين نت، أنّ ما قامت به "إسرائيل" يُعد جريمة مزدوجة، إذ لم تكتفِ بتدمير البنية التحتية والاقتصاد الفلسطيني، بل حولت ركام الدمار إلى مصدر ازدهار اقتصادي لها، من خلال إنشاء مصانع إعادة تدوير داخل الأراضي المحتلة، واستخدام المواد في مشاريع بنية تحتية تُدر أرباحًا ضخمة للمقاولين الإسرائيليين.

ويلفت أبو قمر، إلى أنّ "سرقة الركام ستؤدي إلى مضاعفة تكلفة إعادة الإعمار بنسبة تزيد عن 20%"، مشددًا على أنّ "الاحتفاظ بهذه المواد كان سيقلل كثيرًا من فاتورة الإعمار، خصوصًا في ظل الحاجة الماسة لمواد البناء وإمكانيات التدوير المحلي".

اخترنا لك