المرأة والشباب يصنعون الفارق في انتخابات العراق: أصواتٌ ضد البطالة والفساد
شهدت الانتخابات البرلمانية العراقية مشاركة لافتة من فئتي الشباب والنساء وسط مطالباتٍ بإصلاحات معيشية عاجلة ومكافحة الفساد، في مشهد يعكس تطلع العراقيين إلى برلمانٍ أكثر تمثيلاً وقدرة على مواجهة التحديات.
-
المرأة والشباب يصنعون الفارق في انتخابات العراق: أصواتٌ ضد البطالة والفساد
داخل إعدادية "كربلاء للبنين" في حي البلدية بمدينة كربلاء العراقية، أدلى مسلم رضا (27 عاماً) بصوته في الانتخابات البرلمانية أمس مع مجموعة من أصدقائه، تأكيداً منهم دور الشباب المحوري في صنع القرار الوطني، وقدرتهم على التأثير في المستقبل السياسي، من خلال اختيار المرشحين الذين تتناسب أفكارهم مع تطلعات فئة الشباب وهمومها.
"البطالة مشكلة الشباب الأبرز"؛ هذا ما قاله رضا في بداية حديثه للميادين نت، وتابع: "تعاني فئة الشباب من قلة فرص العمل، نتيجة الفساد وسوء الإدارة، وهذا الأمر يفرض على مجلس النواب المقبل إيجاد الحلول الواقعية والسريعة لمعالجة هذه المشكلة، التي لا تعتبر مشكلة اقتصادية فقط، بل إنها أزمة اجتماعية تؤثر على الحياة اليومية للشباب".
ويرى رضا أن ملفي الكهرباء والمياه يجب أن يكونا في صلب أولويات عمل البرلمان الجديد والحكومة المقبلة، لأنهما يمسّان الحياة اليومية لجميع العراقيين، بدون إغفال أهمية الحفاظ على حالة الأمن والاستقرار التي تعززت بشكلٍ ملحوظ خلال الأعوام القليلة الماضية، كما دعا رضا إلى ضرورة إشراك الشباب في صناعة القرار وعدم إقصائهم عن المشهد السياسي والاقتصادي الوطني.
لا يختلف المشهد في إعدادية "كربلاء للبنين" عن باقي المراكز الانتخابية في كربلاء ومختلف المحافظات العراقية، فالزخم الشعبي بلغ ذروته في اليوم الانتخابي، حيث وصلت المشاركة الشعبية إلى مستويات مقبولة نسبياً.
وربما جاء الزخم الشعبي في الاقتراع العام يوم أمس مدفوعاً بالمشاركة القياسية في الاقتراع الخاص الذي جرى قبل يومين، وكان مخصصاً للقوى الأمنية من منتسبي هيئة المنافذ الحدودية ووزارات الداخلية والدفاع وجهاز مكافحة الإرهاب وهيئة الحشد الشعبي، حيث بلغت نسبة المشاركة 82.42% بعدد تجاوز عدد المقترعين 1.1 مليون ناخب.
نسق تصاعدي
مراكز الاقتراع فتحت أبوابها عند الساعة السابعة صباحاً بالتوقيت المحلي في مختلف المحافظات، وبدى أن الإقبال يأخذ نسقاً تصاعدياً، فبينما كان الإقبال ضعيفاً في الساعات الأولى، بدأ الزخم الشعبي يرتفع تدريجياً مع مرور الوقت، حيث شهدت المراكز الانتخابية إقبالاً لافتاً من فئتي الشباب وكبار السن.
وحددت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عدد مراكز التصويت العام بـ 8703 مراكز انتخابية، تضم 39285 محطة انتخابية، لاستقبال الناخبين في 18 محافظة عراقية بما فيها مدن إقليم كردستان.
كما ذكرت المفوضية أن إجمالي عدد الناخبين للدورة السادسة للبرلمان العراقي يبلغ 21 مليوناً و404 آلاف و291 ناخباً يمثلون أصوات الاقتراع الخاص والعام والنازحين.
وبحسب المفوضية أيضاً، فقد بلغ عدد المراقبين الدوليين أكثر من 300 ممثل عن منظمات دولية معنية بمتابعة الانتخابات، إلى جانب أكثر من ألف منظمة محلية حاصلة على تراخيص رسمية من دائرة المنظمات غير الحكومية، في حين يشارك ممثلو الأحزاب السياسية أو ما يُعرفون بـ"وكلاء الأحزاب" في مراقبة سير العملية الانتخابية بشكل مستقل عن المنظمات المدنية.
وتحتوي كل محطة اقتراع على كاميرتين للمراقبة، كما تم نصب ثلاث كاميرات في كل مركز انتخابي، بهدف توثيق مجريات العملية الانتخابية وتعزيز الشفافية.
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وصف أجواء الاقتراع البرلماني بالآمنة والمستقرة، وقال في تصريح للصحافيين بُعيد إدلائه بصوته في مركز اقتراع بحي الكرادة في بغداد: "إن هذه الانتخابات تجري بحضور مراقبين دوليين، وتؤكد التداول السلمي للسلطة، ونُشيد بدور القوات الأمنية في تأمينها".
هموم شعبية بالجملة
طوال الأسابيع الماضية، غصّت الشوارع العراقية بصور المرشحين وشعاراتهم وبرامجهم الانتخابية، في محاولة للتأثير على قرار الناخبين واستمالتهم، بالمقابل لا يخفى على أحد ما يريده العراقيون من حلول لمشاكلهم المعيشية والخدمية المتفاقمة.
المياه والكهرباء والبطالة باتت أزمات متفاقمة تؤرق الشارع العراقي، وهي كحقل ألغام يتنقل الناس فوقه يومياً، ما يفرض على البرلمان المقبل ضرورة التحرك سريعاً لمواجهة المشاكل المعيشية المتراكمة وسَنّ القوانين والقرارات اللازمة لمعالجتها.
يقول الناخب من محافظة الأنبار أسامة جبوري (42 عاماً) للميادين نت: "يجب على البرلمان المقبل أن يكون قريباً من الشارع ويسمع صوت الناس، فلا يمكن بعد اليوم القبول ببقاء أزمة الكهرباء التي تؤثر على كافة القطاعات الحيوية، أو السكوت عن مشكلة تلوث المياه التي تؤثر على حياة الناس وصحتهم".
وتابع جبوري: "مشكلة ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة هي أيضاً مشكلة يعاني منها الجميع، خاصّة مع انعدام فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة، لذلك يجب على المرشحين تنفيذ وعودهم وإطلاق مسار العدالة الاجتماعية انطلاقاً من تأمين الخدمات المعيشية الأساسية".
ويؤكد مراقبون أن البرلمان العراقي المقبل تنتظره جُملة من التحديات الجادّة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، بداية من الأزمات المعيشية المتراكمة، وتثبيت حالة الاستقرار الأمني، وشكل العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان، وصولاً إلى حل أزمة المياه مع تركيا، وتأمين الحدود مع سوريا، إضافة إلى المساهمة في عودة العراق ليمارس دوره الإقليمي والدولي باعتباره ركيزة سياسية أساسية، وهو أيضاً مصدّر رئيسي للنفط والغاز على مستوى العالم.
المرأة العراقية حاضرة بقوة
في زحمة المشهد السياسي العراقي، يبرز نظام "الكوتا" كنقطة مضيئة وعلامة فارقة تُتيح وصول قوة نسائية فاعلة إلى البرلمان، حيث يفرض القانون الانتخابي تخصيص 83 مقعداً داخل مجلس النواب للنساء.
وتتنافس في الدورة الانتخابية الحالية 2248 مرشحة من مختلف المحافظات للوصول إلى البرلمان، في مشهد يعكس تزايد رغبة النساء في خوض غمار العمل السياسي، والمنافسة على المقاعد النيابية جنباً إلى جنب مع الرجال.
بالمقابل، لا يخلو الحضور النسائي اللافت من التساؤلات حول مدى قدرته على ترجمة هموم ومشاكل المرأة العراقية، التي لا تزال تواجه عوائق اجتماعية وثقافية وسياسية تحدّ من فرصها في الوصول إلى مواقع صنع القرار.
وفي هذا السياق، تشير الناشطة العراقية فاطمة فلاح للميادين نت إلى أن العدد الكبير من المرشحات خلال الدورة الانتخابية الحالية يُعتبر خطوة إيجابية على طريق تمكين المرأة من المشاركة والحضور الفاعل في الحياة السياسية، لكن هذا الحضور يجب أن يكون مقترناً ببرامج انتخابية واضحة وواقعية تعكس هموم المرأة ومشاكلها.
وتضيف فلاح: "الفاعلية النسائية في العملية السياسية لا يجب أن تُقاس بعدد المرشحات أو حصتهن داخل المجلس، بل بقدرة الكتلة النسائية على نقل مشاكل المرأة العراقية إلى البرلمان، والتأثير في صياغة القوانين والقرارات التي تساهم في دعم المرأة وتمكينها على المستوى الوطني في جميع المجالات".
وتشير الوقائع إلى أنّ النساء في العراق يواجهن تحديات مضاعفة خلال الحملات الانتخابية، أو لاحقاً عند دخولهن إلى المجلس النيابي، ولعلّ أبرز تلك التحديات هي: ضعف التمويل الانتخابي، والضغوط الاجتماعية، وهيمنة الخطاب الذكوري على البيئة السياسية في البلاد.
ويتكون مجلس النواب العراقي من 329 مقعداً، وحصة النساء فيه 25% من المقاعد، وفقاً للقانون الانتخابي الحالي.
وتتوزع المقاعد النسائية على مختلف المحافظات، حيث تملك العاصمة بغداد نصيب الأسد من مقاعد البرلمان وهي 69 مقعداً منها 17 للنساء، أما نينوى فلها 31 مقعداً منها 8 للنساء، والبصرة 25 مقعداً منها 6 للنساء، وذي قار 19 مقعداً منها 5 للنساء، وبابل 17 مقعداً منها 4 للنساء، والسليمانية 18 مقعداً منها 5 للنساء، أما الأنبار وأربيل فلكل منهما 15 مقعداً منها 4 للنساء.
أما ديالى فلها 14 مقعداً نيابياً منها 4 للنساء، وكركوك وصلاح الدين والنجف لكل منها 12 مقعداً منها 3 للنساء، وواسط والديوانية 11 مقعداً منها 3 للنساء، وميسان 10 مقاعد منها 3 للنساء، ودهوك وكربلاء 11 مقعداً لكل منهما منها 3 للنساء، والمثنى 7 مقاعد منها مقعدان للنساء.
إن حجم المشكلات التي يعيشها العراقيون في الوقت الحالي تتطلب تشكيل برلمان قوي يكون قادراً على مواجهة التحديات الداخلية والضغوط الخارجية، وهذا ما يفرض على الناخبين ضرورة اختيار المرشحين الأكثر قدرة على نقل همومهم ومعالجة مشاكلهم تحت قبة البرلمان المقبل.