المصالح تفرض سطوتها ... مسألة "قسد" سورية أم تركية؟

دمشق مصرة على أن حلّ الملفات المفتعلة من تركيا يقع على عاتق أنقرة، وفق قاعدة ثابتة، وهي أنّ سوريا في سوريا وتركيا في تركيا.

  • مشاكل
    مشاكل "قسد" كثيرة، ولاسيما في ظل التقارب السوري التركي.

في الشأن السوري، الأنظار شاخصة إلى الجهود الحثيثة لإعادة تطبيع العلاقات السورية – التركية؟ الموضوع ذو أهميّة بالغة، بسبب ما ينتج منه من تغيرات جيوسياسية، تنعكس إيجاباً على البلدين والمحيط، على رغم تعقيدات هذا الملف، الذي يعمل عليه الروسي بجدّ وتأنّ، ولا يمكن إخفاء أدوار إقليمية أخرى عملت على المساعدة على إعادة العلاقات بين البلدين.

تقاطع المصالح

عندما نتحدث عن قاعدة سياسية ثابتة كـ «تقاطع المصالح»، ولاسيما أن المستهدف من هذا التوصيف هو دول لها باع تاريخي سياسي قديم، نخرج بذلك من منطلقات القواعد إلى منطوق الحاكميّة، أي تعريف للمصطلحات ذات البعد القاعدي، خضعت بدورها للتتفيه (سياسة التوك شو أصبحت سمة ملازمة للساسّة والمتمنطقين سياسياً). لكن ما هكذا تورد إبل السياسة، ولا هكذا تقوّمُ الدول ذات النشأة السياسية مصالحها، بحيث لا ارتجال بل تحديد دقيق لكيفية التناغم مع المتغيرات من دون المساس بالثوابت المشكّلة لهوية الدول السياسية، وبالتالي مصالحها.

عموماً، وفقاً للمتغيرات، هناك حاجة تزداد إلحاحاً من أجل إعادة العلاقات السورية – التركية، كمصلحة للطرفين، لكن من دون تخطي المصالح السيادية، ومن دون الغفلة عن الأسباب. هنا، في هذه الحالة، التفاصيل مهمّة جداً، لأنّ أبعادها قد يصح القول إنها ضرب لمصالح دول أخرى، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

الدور الروسي.. لماذا؟

بإيجاز، يهدف الدور الروسي إلى أمرين أساسيين: 

• أولاً: إعادة الاستقرار إلى المنطقة، عبر نفوذ ودور روسيين بارزين، بالإضافة إلى ما ينتج من ذلك من تداعيات إقليمية، لأن الحديث هنا، عن دولتين محوريتين في المنطقة، بالبعد الاستراتيجي، كله يأتي إلى السلّة الروسية. وما تستفيد منه روسيا في هذا السياق تحديداً، يضر أميركا حتماً.

• ثانياً: ضرب مصالح أميركا في المنطقة التي ناحرت الدول بعضها بعضاً من أجل تبرير وجودها، المتغذّي على الشقاق واللعب على التناقضات. في هذه الجزئية، روسيا تفكك التناقضات وترمم الشقاق.

هنا تقاطعت المصالح الروسية وبُرّر سعيها لإعادة العلاقات السورية – التركية، مع مصالح البلدين اللذين هما في حاجة إلى ذلك التقارب، كل وفق منطوقه المصلحي، والذي من الممكن أن يُنتج اتفاقاً يساعد البلدين.

شمالي شرقي سوريا

”لم يكن الاستهلال التعريفي أعلاه، لهذه الحالة، سوى من أجل شرح كيفيّة إعادة تشكيل السياسات واقتناص فرص تقاطع المصالح، بعيداً عن تشويش المنظرين والمتمنطقين خارج إطار القواعد العلمية، والذين يؤدون دوراً وظيفياً أميركياً على الدوام“.

إذا نظرنا إلى ما يحدث في الشمال السوري كتدابير تركية، نرى أنها تخطو إلى الأمام في اتجاه سوريا، وخصوصاً فيما خصّ إدلب، وصولاً إلى الحدود معها. مؤشرات هذه التدابير توحي في أنّ أنقرة تنحو نحو حلّ الملفات العالقة مع دمشق، ليبقى الموضوع الأهم، هو كيفيّة معالجة وجود "قوات سوريا الديمقراطية"، "قسد".

المكوّن الكردي في سوريا ليس كلّه انفصالي النزعة. من الكرد المعارضون والوطنيون والسوريون. لذا، من الخطأ اختصار الأكراد في "قوات سوريا الديمقراطية"، " قسد"، التي هي امتداد لحزب العمال الكردستاني، أساساً هي نفسها على اتصال بدمشق، وفي أحيان أخرى على تنسيق معها. ومرات تلقّت منها الدعم على مدار أعوام الأزمة. حتى الروسي لديه معها قنوات تواصل، لكن المشكلّة الدائمة لدى "قسد" هي الركون تحت جناح أميركا، كما ازداد نفوذها بحضور القوات الأميركية في الشمال الشرقي السوري، وذاك ليس بالعجيبة. فأينما تجد نزعة انفصالية ترَ أميركا.

 وضع "قسد" ليس على ما يرام. القوات الأميركية ليست موجودة لسوريا حصراً. قلة تعلم بأنّ هذه القوات هي ضمن ملاك القوات المتعاقدة مع الحكومة العراقية، لحماية المنطقة الخضراء والمطار وغيرهما، بحسب الاتفاق الأميركي العراقي، أي أنّه ليس للقوات الأميركية في سوريا حتى ميزانيّة خاصة منفصلة!

هي تتقاضى أجورها من الحكومة العراقية، بطبيعة الحال، وذاك يدل على الجديّة الأميركية في الوجود في سوريا! كما ينفع التذكير بأن القوام العسكري لـ "قسد" هو عربي بأكثر من ثمانين في المئة منه، نتيجة الدولار، أي أيضاً حالة وظيفية وليس ارتباطاً بفكر له علاقة بمشروع حزب العمال. كما أن للجغرافيا والتضاريس دوراً بارزاً، لأن "قسد" ليست لديها جبال قنديل كما في تركيا. هي أمام مساحات مفتوحة عكس وجود حزب العمال في تركيا القابع في الجبال.

اليوم، مشاكل "قسد" كثيرة، ولاسيما في ظل التقارب السوري التركي، فلديها مشكلة مع العشائر العربية، ومع سوريا، بحكم التمرد وازدياد الرغبة في "الحكم الذاتي" والارتماء في الحضن الأميركي، ومشكلة جوهرية تاريخية لدى "قسد" ولدى تركيا، انطلاقاً من أنها ألدُّ أعداء أنقرة من جهة، ومن جهة أخرى يَعُدّ حزب العمال الكردستاني أن جوهر قضيته تركية.

المقاربات وترتيب الأولويات

من الجهة السورية وعلى خط التقارب السوري التركي، ترى سوريا أن الأولوية للشمال، من أجل حلّ أزمة وجود النصرة وتوابعها وشبيهاتها من فصائل كثيرة، ذات النشأة التكفيرية، أو تركية الهوى، والموجودة بحكم الدعم التركي، وذاك لن يتحقق كما يجب من دون التقارب، فلتركيا دور ولسوريا مهمّة تنظيف تلك المنطقة الحيوية.

الأهم لدى التركي هو الملف الكردي، بمقاربة قد تتباين فيها مع دمشق. الأتراك يقاربون الملف من جهة الأمن القومي، والسوريون يعدّونه ملفاً سورياً سيادياً، له علاقة بمكوّن من مكونات النسيج السوري.

وما إن يحلّ الوضع شمالاً حتى يصبح تحقيق تقدم على مستوى الاكراد هيناً ويمكن لدمشق حل عقده. في الغالب، ترفض دمشق الحلّ التركي وتولي الملف على طريقة وجود قواتها في سوريا، وهي أساساً مطالَبة من الجانب السوري بالانسحاب. وإن لم ترضَ "قسد" المتغيرات وتستسلم للحل السياسي، فدمشق ستحله بالطريقة اللازمة، وفق مفهوم أنهم انفصاليون ضدّ دولة.

في الخاتمة، دمشق مصرة على أن حلّ الملفات المفتعلة من تركيا يقع على عاتق أنقرة، وفق قاعدة ثابتة، وهي أنّ سوريا في سوريا وتركيا في تركيا.