تحولات إقليمية في مفترق: 3 معطيات سياسية جديدة في المنطقة

الأيام الأخيرة كشفت أن المنطقة باتت مزيجاً من الاندفاع السياسي لردع تهديدات فورية، والرغبة الدبلوماسية في فتح قنوات لتقليل مخاطر الانزلاق إلى حرب أوسع. 

  • السيناريوهات المحتملة في القادم من الأيام (وسائل التواصل الاجتماعي).
    السيناريوهات المحتملة في المقبل من الأيام (وسائل التواصل الاجتماعي).

خلال أيام قليلة، تجمعت ثلاثة معطيات سياسية وأمنية قد تحمل في طياتها إشارات إلى تحوّل في معادلات المنطقة: توقيع الرياض ومعها باكستان اتفاقية دفاع مشترك أثارت الحديث عن مظلة رادعة، وزيارة نادرة ولافتة لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني للمملكة العربية السعودية، ودعوة علنية من الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى  فتح «صفحة جديدة» مع السعودية.

 هذه التطورات لم تأتِ من فراغ؛ بل نتيجة تفاعل مع صدمة عسكرية حديثة — الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حماس في الدوحة — وتعيد ترتيب أولويات اللاعبين الإقليميين. 

الخلفية المباشرة هي صدمة الاعتداء على قطر وتأثيرها السريع، فالهجوم الإسرائيلي على أهداف في العاصمة القطرية شكّل صدمة في المحيط الخليجي وأعاد اختبار فرضيات الحماية والردع. قرار السعودية السريع بالتقارب الأمني مع باكستان، وإعلان بند «أي عدوان على أحدهما عدوان على الآخر»، يظهر رداً سياسياً واستراتيجياً على فقدان اليقين تجاه قواعد اللعبة السابقة. 

ماذا يعني التحالف السعودي - الباكستاني؟

البيان السعودي-الباكستاني عن اتفاق دفاعي استراتيجي يحمل بعدين أساسيين:

 أولاً، رسالة ردع واضحة موجهة إلى أي طرف يهدد أمن دول الخليج، وخصوصاً في ضوء التحركات الإسرائيلية الأخيرة.

 ثانياً، فتح نقاش حول نقل عناصر امتيازية من باكستان (حتى تصريحات عن «مظلة نووية» أو تعاون تقني) باعتبارها قوة مسلحة وذات قدرة صاروخية نووية، ما يغيّر من قواعد حساسية التوازن التقليدي في المنطقة ويثير قلقاً لدى دول إقليمية مثل الهند و"إسرائيل" والولايات المتحدة.

 لكن من الناحية العملية، يبقى تنفيذ التزامات دفاعية متبادلة معقداً ويتطلب آليات ضمان ونوايا مستدامة لا تقتصر على «رغبة سياسية» لحظية. 

زيارة لاريجاني للسعودية: إشارات تفاوض أم مدخل لتنسيق جديد؟

استقبال الرياض لأعلى مسؤول أمني إيراني، واجتماعه بمسؤولين كبار بما في ذلك ولي العهد، ليس حدثاً بروتوكولياً اعتيادياً.

 خطاب لاريجاني وبيانات الجانبين تركزت على «مناقشة التعاون الاقتصادي وسبل تحقيق الاستقرار الإقليمي»، لكن الزيارة تُقرأ أيضاً كتحرك لإطلاع الطرفين على خطط إدارة التصعيد بعد هزّات أمنية ومحاولة بناء «قنوات احتواء» أو آليات لتقاسم المعلومات لمنع انجرار الصراع. 

كما يمكن قراءتها ‏‏كمحاولة لإعادة إحياء اتفاق الصين بين إيران والسعودية الذي  تناول لبنان حينها باتفاق عدم تدخل متبادل، وما حصل هو أن السعودي مسح الأرض بالاتفاق،  ولا شك في أن لاريجاني ذكّر السعودي بالاتفاق، ما يفسّر وبشكل واضح أن الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله أراد التقدم خطوة، لكن على ما يبدو أن الامور ليست ناضجة للتقارب في المدى المنظور. لهذا، يمكن تفسير دعوة الشيخ نعيم قاسم: هل هي استجابة تكتيكية أم استحقاق استراتيجي؟

فخطاب الأمين العام لحزب الله الذي دعا فيه إلى «فتح صفحة جديدة» مع السعودية، يعكس قراءة داخل محور المقاومة بأن ظروف الضغوط والحسابات الحالية توجب إعادة ترتيب الأولويات. 

من منظور حزب الله، تقديم مبادرة حوار أو على الأقل إظهار رغبة بالانخراط يُعدّ مناورة سياسية داخل لبنان وخارجه، تحرج كل من يطالب بتضييق الخناق عليه.

 ومع ذلك، فالدعوة لا تعني أبداً تخليه عن ترسانته العسكرية أو خطه الاستراتيجي؛ بل هي مسعى لخفض مستوى العداء بين الرياض وحلفاء طهران أمام تحديات أكبر. 

السيناريوهات المحتملة في المقبل من الأيام

1. تواصل الردع السعودي مع مظلة باكستانية يردع ضربات خارجية مباشرة، بينما تستمر قنوات التفاوض بين الرياض وطهران لمنع انزلاق عسكري أوسع. هذا السيناريو يفضي إلى «تهدئة متذبذبة». 

2. تنسيق إقليمي ضد "إسرائيل" فعلياً: هو احتمال أضيق نطاقاً لكن وارد سياسياً — محادثات عسكرية استخبارية أو حتى غرف عمليات منسقة ضد تحركات إسرائيلية تُعدّ استفزازية. هذا يتطلب ثقة نادرة بين أقطاب متباينة المصالح.

3. سباق تسليحي ودبلوماسي إقليمي: إعلان تحالفات أمنية جديدة قد يفتح باب تسابق إقليمي (دبلوماسي، تسليحي، حتى تقني نووي إن خرجت الأمور عن السيطرة)، ما يعيد المنطقة إلى مناخ توتر طويل الأمد يذكرنا بايام الحرب الباردة. 

وبالتأكيد لكل طرف منافع ومخاطر:

السعودية: تربح هامش ردع وسياسة خارجية نشطة، لكنها تواجه مخاطرة وقوعها في عزلة دبلوماسية إذا فسّر العدو أو الحلفاء خطواتها كاستفزاز.

باكستان: تكسب دوراً إقليمياً إلى جانب محفوف بضغط داخلي ودولي بسبب تبعات أي استخدام لميزات نووية أو تسليحية.

إيران: تؤمن قناة للتأثير والنفوذ وتقليل احتمالات المواجهة المباشرة مع السعودية، لكنها تدير أيضاً وضعاً داخلياً مرتبطاً بقدرات حلفائها الإقليميين.

حزب الله ولبنان: قد يستغل الطرفان السياق لتحسين موقع تفاوضي داخلي؛ لكن احتمال اختبار ثقة الرياض يبقى عالياً. 

كل ما تم ذكره سيحتاح لاتخاذ خطوات سياسية قصيرة المدى بغية تمتين وحماية المكتسبات. 

1. توثيق قنوات الاتصال العسكرية بين الأطراف الإقليميين والدول الكبرى لمنع تفسيرات خاطئة للعملية العسكرية.

2. دفع جهود دبلوماسية متعددة الأطراف  لاحتواء أي تصعيد وتوفير منصات تفاوضية بديلة.

3. مراقبة ملف الدعم العسكري والنووي بالتفصيل من المجتمع الدولي لتجنب تداعيات انتهاك معايير عدم الانتشار. 

في الخلاصة كشفت الأيام الأخيرة أن المنطقة باتت مزيجاً من الاندفاع السياسي لردع تهديدات فورية، والرغبة الدبلوماسية في فتح قنوات لتقليل مخاطر الانزلاق إلى حرب أوسع. 

ما يجري ليس تحالفاً أحادياً بل هو عملية إعادة ترتيب شاملة: ردع من جهة، وحوار تكتيكي من جهة أخرى.

 مدى ثبات هذا التوازن يعتمد على قدرة اللاعبين على الفصل بين رسائل الردع والبوابات الدبلوماسية، وعلى حكمة الأطراف الخارجيين في دعم آليات منع التصعيد.