ثلاث سنوات من الحرب مع روسيا.. ماذا جنى الأوكرانيون؟
النظام الأوكراني وضع نفسه بين مطرقة روسيا وسندان الغرب ومصيره الخروج المُتَوَقَّع بحصيلة صفرية في الحرب، ويبقى السؤال المطروح أيّ مصير ينتظر أوكرانيا في الأيام المقبلة؟
-
ما الذي جناه الأوكرانيون بعد ثلاث سنوات من الحرب ضدّ روسيا؟
مرّت ثلاث سنوات على الحرب الروسية الأوكرانية، التي اشتعل أوارها في 22 شباط/فبراير من العام 2022، من دون أن يبرز أيّ أفق للحلّ السياسي إلى حدّ الساعة، في الوقت الذي تتكبّد فيه أوكرانيا المزيد من الخسائر الفادحة في الأفراد والعتاد ما أدّى إلى فقدان المزيد من الأراضي لصالح موسكو.
تعتبر الصراعات الدولية ساحة تنافس بين طرفين تتعارض مصالحهما. يكون المحدّد الرئيسي فيها هو النتائج التي تُفرز لصالح أحد الطرفين أو الآخر، تبعاً لموازين القوة في ميدان المعركة. ولكن في حالة التساوي في القوة، تكون النتائج بلا غالب ولا مغلوب، ما يطرح السؤال الأبرز: ما الذي جناه الأوكرانيون بعد ثلاث سنوات من هذه الحرب ضدّ روسيا؟
أولاً، عندما قرّر نظام كييف خوض الحرب بالوكالة عن الغرب مدفوعاً بحماسة هوجاء صَوَّرَتْ له أنه يستطيع هزم روسيا الطامحة إلى تأدية دور محوري في الساحة الدولية، رغم إدراكه المسبق بفارق القوة بينه وبينها، ظناً منه أنه سيشفع له بالحصول على العضوية في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وأنّ الدعم الغربي غير المحدود سيمكّنه من تحقيق الانتصار على روسيا، غير أنه لم يضع في حسبانه النتائج التي قد تتمخّض عن هذه الحرب والتكلفة الباهظة التي قد يدفعها. وأنه فقط مجرّد بيدق في لعبة الشطرنج الغربية في صراعها مع الكرملين.
واليوم، بعد مرور نحو ثلاث سنوات من الحرب فقدت أوكرانيا آلاف الجنود من قوّاتها، ومن الصعوبة التعويض مع فشل التعبئة العامّة في صفوف الشعب الأوكراني، يُضاف إلى هذا فقدانها لنحو 20 بالمئة من الأراضي التي كانت تشكّل في يوم ما عصب الاقتصاد الأوكراني، والنسبة مرشّحة للارتفاع مع تواصل المعارك، أضف إلى ذلك تراكم الديون التي تقدّر بالتريليونات من الدولارات التي تلقّتها كمساعدات مختلفة من الدول الغربية وصندوق النقد الدولي من دون تحقيق أيّ مكسب سياسي أو استراتيجي يذكر. ما يرهن مستقبل البلاد لعقود طويلة.
والأسوأ من ذلك، فقد خسر نظام كييف الرهان في الانضمام إلى حلف الناتو، بعد التصريح الحاسم في الموضوع لوزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث، وهذا الأمر كان جليّاً منذ مدة من خلال تلميحات العديد من القادة الغربيين باستحالة ذلك لأنّ الغرض الرئيسي لهم أن تحارب أوكرانيا بالوكالة روسيا حتى آخر جندي.
كان بإمكان الأوكرانيين تفادي هذه الحرب منذ البداية، لو أنهم تحلّوا بمنطق الحكمة والتعقّل وتغليب مصلحة البلاد عبر الدخول في حوار مع روسيا، التي دعت غير ما مرّة إلى الحوار وحاولت الالتزام بمخرجات اتفاق إسطنبول في آذار/مارس 2022 لما فيه مصلحة البلدين الجارين، اللذين تربطهما روابط الجوار والدم والتاريخ والدين، لكنّ نظام كييف آثر التنصّل من الاتفاق بتعليمات غربية، واختار بدل ذلك الانجرار وراء المخطّطات الغربية الرامية إلى احتواء موسكو بالدخول في مواجهة عسكرية والتي جرّت على البلاد الويلات.
إنّ بداية تفكيك أوكرانيا لم يكن بسبب الحرب الدائرة حالياً كما قد يعتقد البعض، بل كانت إرهاصاته تلوح منذ العام 2014 عندما قامت القوى اليمينية المتطرّفة والنازية المدعومة من الغرب بالثورة على الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش في أحداث ما يسمّى "الثورة البرتقالية"، من دون أن يَدْرُوا أنهم بذلك أدخلوا بلادهم في لعبة الكبار التي تفضي إلى سحق الطرف الأضعف في معادلة الصراع، فكانت النتيجة انفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا والتحاقها بروسيا في استفتاء دستوري.
وزاد من تعقيد الموقف، عندما قرّر الأوكرانيون الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ما يعني التخلّي عن الحياد الذي ساد بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي عقب الثورة البرتقالية. وقد رأت روسيا في السلوك الأوكراني تهديداً لأمنها القومي، الذي كان يهدف إلى تقويض الصعود الاستراتيجي الروسي عبر خنقه داخل حدود جغرافيّته وإضعافه من خلال تطويق موسكو.
لم يستوعب نظام كييف الدرس القاسي الذي تلقّته دول الجوار التي شهدت ثورات ملوّنة بدعم غربي، مثل جورجيا وأرمينيا. ففي جورجيا، قاد الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي "الثورة الوردية" ضدّ الرئيس إدوارد شيفرنادزه في العام 2003، ثم خاض بعدها بخمس سنوات حرباً مع روسيا بتشجيع من الغرب، ما أسفر عن فقدان جمهورية أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. أما في أرمينيا، فقد تزعّم نيكول باشينيان، زعيم حزب العقد المدني، "الثورة المخمليّة" ضدّ رئيس الوزراء السابق سيرج سركسيان في العام 2018، وكانت النتيجة فقدان إقليم ناغورنو كاراباخ لصالح أذربيجان بعد حرب طاحنة بينهما، انتهت بتوقيع اتفاق سلام مذلّ أسفر عن انضمام الإقليم إلى أذربيجان.
ومع ذلك، يواصل المسؤولون الأوكرانيون ارتكاب الأخطاء من خلال الاعتماد على التضامن الذي أبداه القادة الأوروبيون مع بلادهم، الذي لن يكون له تأثير كبير نظراً لمحدودية نفوذ أوروبا على الساحة الدولية وتبعيّتها للولايات المتحدة الأميركية. هذا التضامن وإنْ يبدو في ظاهره يتعلّق بالإهانة التي تعرّض لها الرئيس فولوديمير زيلينسكي من الرئيس دونالد ترامب ونائبه مايك بنس، وبمسألة الضمانات الأمنية، بيد أنه يعود في رأيي إلى استياء أوروبا من رغبة الولايات المتحدة الاستحواذ على الثروات الطبيعية النادرة التي تمتلكها أوكرانيا، من دون أن يكون لأوروبا نصيب منها رغم كونها الشريك الثاني الداعم لنظام كييف.
في المحصّلة، النظام الأوكراني وضع نفسه بين مطرقة روسيا وسندان الغرب ومصيره الخروج المُتَوَقَّع بحصيلة صفرية في الحرب، ويبقى السؤال المطروح أيّ مصير ينتظر أوكرانيا في الأيام المقبلة؟ لننتظرْ ونرَ.