ديمقراطي أم جمهوري... آليات مختلفة لهدف واحد

أميركا ذاتها مهددة، ونظامها العالمي أيضاً، فلا نضيّع وقتنا بتقفي نتائج الانتخابات الأميركية التي باتت إلى حدّ كبير معلومة النتائج، بل التركيز يجب أن يكون هل لنا دور في المرحلة القادمة أم لا؟

  • هل سنكون جزءاً من النظام الجديد، ضمن الكباش الذي سيحدث لأجله؟
    هل سنكون جزءاً من النظام الجديد، ضمن الكباش الذي سيحدث لأجله؟

لقد شغل انسحاب جو بايدن الرئيس الأميركي الحالي – الديمقراطي، الرأي العام، وقبل انسحابه كانت الانتخابات بحدّ ذاتها، شاغلة العالم. موت سريري تعيشه الأرض، بانتظار خروج الدخان الأبيض من واشنطن مؤذناً بفوز أحد المرشحين الأساسيين.

العالم ورؤساؤه ووسائل الإعلام والمراقبون والمحللون وأهل السياسّة، يبنون كلّ تكتيكاتهم على شخصيّة الفائز! إنها حقيقة لمبالغة كبيرة! وكأن الرئيس في هذه الإمبراطوريّة "القارية" حاكم!

أميركا – الولايات المتحدة!

نتحدث هنا عن إمبراطوريّة تتسيّد، لغاية اللحظة، العالم، علماً أنها معلومة النشأة الإحلالية؛ الأكثر أنها إمبراطوريّة هجينة، سكانها من كل حدب وصوب، ثقافات متعددة، إثنيات مختلفة، أعراق كثيرة، أديان... إلخ من تناقضات في شخصية أي دولة قوية تستطيع التحكّم بجملة من الأسباب التفتيتية التي لم يكن آخرها أحداث تكساس «التي لا نعلم كيف انتهت، وهل انتهت فعلًا؟»، عمر أميركا الاستقلالي 248 عاماً، ومن أسباب ما ذكرناه حرب أهلية أميركية 1861- 1865، بين اتحاديين وانفصاليين، الولايات المتحدة تشكّل حضورها الدولي بعد الحرب العالمية الأولى، لتصبح فعلياً أهم اللاعبين الدوليين بعد الحرب العالميّة الثانية، والقطب الأوحد، بعد سقوط جدار برلين – تفكك الاتحاد السوفياتي، تمرحل صعود أميركا مع تناقضاتها، غير المتماسكة لتكوين الدول القوية، يعدّ في عمر هذا الإفراز «الجيوعالمي» سريعاً للغاية!

كانت تلك لمحة بسيطة عن تاريخ أميركا، البسيطة في هذا المقال، ليس على الحال نفسها مع أقلام كثيرة شرحت تفاصيل التفاصيل، بمنهج استقرائي نقدي ذهب إلى المؤلفات والمقالات والأبحاث، حتى إلى دور المسلسلات والسينما.

لكننا نتحدث عن أميركا اليوم، وليس أميركا "حفلة شاي بوسطن"، الإمبراطورية التي نتحدث عنها اليوم، تعلم دبيب النملة في العالم، لكن إذا نظرنا إلى ما قدمت بعد اغتيال أربعة رؤساء لها «الرئيس الـ 16 أبراهام لينكولن، الرئيس الـ 20 جيمس غارفيلد، الرئيس الـ 25 ويليام ماكينلي، الرئيس الـ 35 جون كينيدي» نرى أسباب الاغتيالات المعلنة مضحكة! طبعاً، من دون ذكر محاولات الاغتيالات الوظيفية لرؤساء آخرين! آخرها محاولة اغتيال الرئيس السابق المرشح (الفائز الحالي) دونالد ترامب، فسبب محاولة اغتياله هو أن توماس كروكس وكما خلص المحققون "تصرّف بمفرده ولم يتمكنوا من تحديد أي توجّهات فكرية أو سياسية قوية له! " يا للعجب! أبهذا القدر؟

ما نستطيع فهمه أن للاغتيالات وظيفة تدل على أن الأجندّة محددة، والمدير التنفيذي أي الرئيس، لا يستطيع الاجتهاد بالمحددات، فقط بالهوامش، لذا وعلى سبيل المثل لا الحصر، نرى بحسب الباحثين أن عمليتي اغتيال لينكولن وكينيدي متشابهتان بالأسباب إلى حد م.ا وعلى سبيل المثل أيضاً، تدخلهما بعمل المركزي الفيدرالي الأميركي، لأن من محاولاتهما الجادّة كان إخضاع الدولار والمصرف المركزي لوزارة المالية الأميركية وهذا كان وما زال من المحرمات. هذا سبب من أسباب لا يتسع المقال لشرحها، لكن بإمكاننا القياس على ذلك.

الانتخابات الأميركية الحالية

لا شك في أن كروكس قدم ما لم تستطع ماكينة الحملة الانتخابية لترامب تقديمه، كروكس قضى بعد 36 ثانية من إطلاقه النار على المرشح دونالد ترامب! 

السباق الانتخابي في الإمبراطورية الأميركية، ليس على رعاية الأطفال أو الحفاظ على التنوع، أو خفض الفائدة... إلخ ؛ هذا في مدار وزراء الحكومة، نحن لا نسمع حتى بأسمائهم، إلّا من يتابع الداخل الأميركي من كثب، من نعرف أسماءهم هم، رئيس الولايات المتحدة ووزيرا دفاعها وخارجيتها، الذين ستوكل إليهم مهمة "مواجهة الصين" – المصنفة عدواً وجودياً لأميركا، حسب مستشارية الأمن القومي الأميركي، وذاك التحدي يتردد على ألسن أولئك الذين يعرفون بعلماء السياسة في أميركا، ترامب مثلاً زار كوريا الشمالية والتقى زعيمها كيم جون اون، كما إنه صاحب رؤية عدم معاداة روسيا واحتوائها، وهو أوّل من بادر إلى الانسحاب من الشرق الأوسط ولو جزئياً، الإدارة الفعلية أو ما يعرف بـ «الدولة العميقة» لأميركا والتي تسعى من خلال الشخصية الأميركية العالمية الأولى، الاستمرار في التحكّم بالعالم والقضاء على الأعداء المهددين لمصالحهم. من يستطع التكيّف مع هذا التكليف ينجح، يفز، يصبح الرئيس، من يخرج عن الأجندة، أو لا يستطيع ينسحب كجو بايدن او يُغتال إذا ارتجل خارج محددات السياق الحمر.

المسألة هي الأهداف، لا الأشخاص؛ من دون أدنى شك أنّ العالم في إعادة تشكل، وسنكون أمام مرحلة حامية الوطيس، ولن يكون الجو العام مؤاتياً مثلاً لما سميّ "صفقة القرن" أو التركيز على الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ذاك زمن ولىَّ وذهب معه بايدن، إذ في عهد سيئ الذكر حصلت تغيرات إقليمية وعالمية كبرى، وفرضت توازنات جديدة، لا يمكن للولايات المتحدة مهما كان اسم رئيسها تخطيها، وليس في الأمر مبالغة.

فاليوم حتى أميركا ذاتها مهددة، ونظامها العالمي أيضاً، فلا نضيّع وقتنا بتقفي نتائج الانتخابات الأميركية التي باتت إلى حدّ كبير معلومة النتائج، بل التركيز يجب أن يكون هل لنا دور في المرحلة القادمة أم لا؟

وهل سنكون جزءاً من النظام الجديد، ضمن الكباش الذي سيحدث لأجله، هنا تتمحور الأسئلة المركزية، عن الأداء والكيفية والنيّة والتموضع. أما بالنسبة إلى الكيان الغاصب، فالأمر متوقف على ما ذكرناه، وإلّا نحن لا نستعجل القريب.