"مركبات النار" و"عقيدة الضاحية" على تخوم ترسيم الحدود البحرية

يبقى حزب الله الكابوس الأكبر للكيان الصهيوني في هذه الأيام، وخصوصاً أنه، ومنذ اليوم التالي لتوقف الحرب في العام 2006، بدأ فوراً بمراجعة شاملة لها، مقيّماً كل نقاط ضعفه فيها، ومثيلاتها لدى العدو، ناهيك بنقاط القوة، وفي المقلبين أيضاً.

  • حزب الله في ذكرى استشهاد كرامي: كل عام تزداد الحاجة إلى دوره الوطني
    "مركبات النار" و"عقيدة الضاحية" والاستراتيجيات المضادة على تخوم ترسيم الحدود البحرية

يكاد لا يمر يوم تقريباً من دون أن تتناقل وكالات الأنباء خبراً من الكيان الصهيوني عن مناورات عسكرية تجريها القوات العسكرية في الشمال الفلسطيني، وذلك تحت عناوين ومسميات مختلفة، وبمشاركة كل القطاعات الداخلية والقتالية، في عملية يمكن تسميتها "تشابك الأذرع في مواجهة تهديدات الأذرع المقابلة"، انطلاقاً من لبنان، فسوريا، وصولاً إلى حماس وقوى المقاومة الأخرى في فلسطين، والتي كان آخرها مناورة "مركبات النار".

يتحسب الكيان هذه الأيام لحرب محتملة على خلفية قضية ترسيم الحدود، وتفعيل نفتالي بينت استراتيجيته الجديدة ضد إيران فيما أسماها "الموت بألف طعنة وطعنة"، والتي ستكون مختلفة في الشكل والمضمون عن كل تلك الحروب التي خاضتها "إسرائيل".

يبقى حزب الله الكابوس الأكبر للكيان الصهيوني في هذه الأيام، وخصوصاً أنه، ومنذ اليوم التالي لتوقف الحرب في العام 2006، بدأ فوراً بمراجعة شاملة لها، مقيّماً كل نقاط ضعفه فيها، ومثيلاتها لدى العدو، ناهيك بنقاط القوة، وفي المقلبين أيضاً.

في هذه المناورة، عملت "إسرائيل" على تفادي كل نقاط ضعفها، انطلاقاً من ضرورة التنسيق بين كل أجنحة جيشها القتالي، من احتياطيين ووحدات نخبة، إلى العمل على إشراك الفرق غير المقاتلة، وخصوصاً في جبهتها الداخلية، والتي يعتبر تماسكها شرياناً حيوياً لإطالة أمد الحرب وتحقيق أهدافها، والتي تتجنب الحرب المُقسّطة جواً، ثم براً، واستبدالها بنظرية القوة الضاربة والمدمرة (نظرية الضاحية وغيرها) على كل الصعد، في عملية إنهاك شاملة لكل قطاعات العدو، وذلك في محاولة للقضاء على الصواريخ ومطلقيها وخازنيها وموزعيها وحماتها، وصولاً إلى السيطرة على أماكن إطلاقها ومجالها الحيوي أيضاً، فهذه الصواريخ هي لعنة الكيان السرمدية التي لا تنفك أدمغة الصهاينة تبحث عن وضع نظام مضاد لها، وذلك لتعطيل مفاعيلها الجسيمة على الداخل الصهيوني، والتي تشكّل له هاجساً محورياً على الصعيدين النفسي والمادي.

استحضار العقيدة الأزينكوتية أمس في الاجتماع الذي عقده بينت مع صاحبها غادي أيزنكوت يؤكّد أن المسح الشامل هو الذي سيعتمد في هذه الحرب المقبلة، سواء للمدن والقرى والمزارع، وللبشر والحجر في كل موقعٍ يمكن أن يكون تهديداً له، وذلك في عملية يُراد منها صهيونياً أن تكون الفيصل لكلِّ الصولات والجولات مع منظمة زرعت الأمل من جديد في الشارعين العربي والإسلامي بتحقق فرضيتين أساسيتين كانتا حتى الأمس البعيد وهميتين:

-  واقعية النصر العربي والإسلامي.

-  واقعية الهزيمة الصهيونية.

يدرك حزب الله أن أية حرب لاحقة عليه لن يكون شعارها أقل من إطاحة رأسه، ونهائياً هذه المرة. وبناءً عليه، لا بد له من أنَّه تحضر لأي حرب جيداً، وبطريقة مختلفة ومتناسبة مع حجم الأعباء الملقاة على عاتقه، وليس آخرها احتمال وصول التفاوض غير المباشر على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان إلى حائط مسدود.

أقصى ما يمكن أن يؤذي الحزب في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان هو البيئة اللصيقة والوطنية معاً، وخصوصاً في مواجهة عقيدة أيزنكوت هذه، فهل يمكن القول - وبحسب ما نعلمه عن المقاومة - إنَّها أعدت لوأدها في مهدها؟ ماذا لو تم تبني الاستراتيجيات الآتية؟

1 - استراتيجية "أنا ونفسه عليه"

يقول بعض العارفين، ومن اللحظات الأولى لاشتعال الجبهات: ربما يعمل حزب الله على اختراق أنظمة الاتصالات الصهيونية العسكرية، وذلك وفق تقنية عالية، لإحداث عملية تضليلٍ واسعة بين مختلف القطاعات العسكرية، ليصل إلى مرحلة في حربه الإلكترونية تلك إلى أن يصبح وبعض تشكيلات "جيش" العدو على العدو نفسه، وذلك في عملية منسقة لإرباك الكيان في الداخل والميدان على حدٍ سواء، وزيادة شعوره بالإحباط واليأس من إمكانية المباغتة والنصر، فضلاً عن تكريس وتثبيت نظرية الصهاينة في "محاربة الأشباح"، سواء في عقول عسكرييه أو مدنييه على حد سواء.

2 - استراتيجية الاكتفاء العتادية

يعمل حزب الله منذ فترة طويلة على نظرية الاكتفاء الذاتي المناطقي، وذلك تفادياً لأي نقص قد يحصل نتيجة القطع المحسوم لأوصال المدن والبلدات والقرى والمزارع، وحتى الأحياء، بعضها عن بعض، ولفترات طويلة، أثناء أية حرب مقبلة. 

هذا الاكتفاء يشمل العديد والأعتدة معاً. وما يدعم ذلك أن انتقال أفراده من قطاع إلى آخر، ومن بلدة إلى أخرى، يحتاج إلى إذن مسبق، بحسب بعض عارفيه، وذلك لتكريس استراتيجية التكامل والشمولية معاً.

يعطف على الاستراتيجية أعلاها استراتيجية أخرى تعتمد على الاكتفاء العسكري عند العديد، فيقول البعض إنّ إطلاق الصواريخ لم يعد حكراً على رجال الوحدات الصاروخية، وعمليات الاستطلاع لم تعد حكراً على فرق تقصي الأثر مثلاً، إنما أضحى الكل متخصصاً في الكل.

ووفقاً لهذه الرؤية، يتحقق منع حدوث أي نقص في مجال الخبرات العسكرية المناطقية في المعارك المقبلة. وبصرف النظر عن عدد الشهداء والاختصاصيين الذين سيسقطون فيها، ومهما امتدت فترة الحرب أيضاً، فالخطة تقتضي - كما يقول هؤلاء - إبقاء كل الاسلحة قيد الاستعمال، وبالفعالية نفسها، حتى اللحظة الأخيرة من الحرب .

3 -استراتيجية الوأد والإطباق

يصل القياديون في الحزب وواضعو الخطط الحربية فيه إلى النقطة الأساس التي تهدد بها عقيدة أيزنكوت، وهي عمليات التدمير والمسح الشامل للمدن والبلدات والقرى اللبنانية، بحجرها وبشرها، وبشكل عنيف وخاطف، لتشكيل ضغط هائل على الحزب، وذلك لهول ما سيحل بشعبه وطائفته وكل من يتعاطف معه في كل لبنان من دمار وقتل شاملين، من دون أن يحسب العدو حساباً لعدد الصواريخ التي ستتساقط حينها على كيانه أو عدد الطائرات التي يمكن أن تسقط في حينه، فربما تكون "عوائد" غزارة الإغارة وفداحتها أكبر بكثير لدى العدو من عديد المتساقطات من طائراته، لكونه ينظر إلى هذه الحرب على أنها يجب أن تكون "خاتمة الأحزان" لديه، وبالتالي لا مجال ساعتئذٍ للحديث عن الخسائر وحجمها في تلك الموقعة المفصلية.

انطلاقاً من كلّ ذلك، كيف يمكن للحزب أن يتصرّف مقابل هذه العقيدة الصهيونية "المتقدمة"؟

يسمع كلّ من في الكيان الصهيوني وخارجه منذ العام 2010 الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وهو يهدد بأنَّ الحزب أصبح لديه عشرات الآلاف من المقاتلين المجهزين والمدربين على القتال، ملمحاً أحياناً إلى السبب في زيادة العديد هذه، فأين القطبة المخفية في ذلك؟ وما علاقتها بنظرية الضاحية الأيزنكوتية؟ وما الدور المتوقع والمحتمل لكل هذه الفرق؟ وكيف سيكون دورها المركزي في كسر نظرية الضاحية ووأدها في مهدها؟

ربما سيعمل الحزب، ومع الرصاصات الأولى للمعركة، على إدخال القسم الأكبر من هذه الفرق - وبطرقٍ شتى - إلى الداخل الصهيوني، وإلى ما هو أبعد من الشمال، نحو عمق "غوش دان"، مستبقاً أي إجراءات سريعة لعمليات إجلاء المستوطنين، وخصوصاً مستوطني تلك المنطقة، نحو الوحدات الاستيعابية الاستيطانية المشيدة بكثرة في العمق الفلسطيني المحتل، وتحديداً شرق القدس والضفة الغربية، وذلك لإحراج الصواريخ المقاوِمة، ولتكون مهمة هذه الفرق المندفعة سريعاً، منحصرة في هدفين رئيسيين: أحدهما يتمثل بعملية وضع يدٍ جماعية لأعداد وافية من المستوطنين داخل مستوطناتهم، والإعلان مباشرةً عن طرحٍ يُفضي إلى تحييد المدنيين عن المعركة لدى المقلبين، وذلك في عودة لإحياء تفاهم مشابه لتفاهم نيسان 1996، مع التهديد هذه المرة بأن قصف المدن والبلدات اللبنانية وقتل المدنيين وتهجيرهم من مدنهم وقراهم لن يقابله قصف مماثل! إنما سيكون الرد عليه، وفقاً لمبدأ العين بالعين، والسن بالسن، والبادئ أظلم، والتهديد بأنه لن يثني هذه الفرق عن عملها هذا إلا أمرٌ واحدٌ فقط، والذي ينحصر بتحييد المدنيين من الجانبين، وترك العسكر "يتطاحن!

وهكذا - بحسب ما يقول العارفون - إنَّ الحزب سيضمن تعطيلاً مفترضاً للطائرات والقنابل المتوحشة في تدميرها وفتكها بالحجر والبشر على حد سواء. وهكذا فقط، تسقط نظرية الضاحية وواضعيها بالضربة القاضية، لتنطلق عندها الحرب العسكرية، والتي يعوّل حزب الله فيها كثيراً على جبن الجندي الصهيوني في المواجهات المباشرة، وهذا ما اختبرته المقاومة لسنوات طويلة في ميادين حربها مع الصهاينة.

أما الهدف الآخر لهذه الفرق، فسيكون من مهماتها - بلا شك - بأن تُشكّل فرعاً خلفياً لكماشة المقاومة في التحامها مع القوات الصهيونية الغازية للأراضي اللبنانية، ما سيجعل هذه القوات في حالة من التشتت الناري، وخصوصاً مع الالتحام الميداني شبه المباشر مع الفرق المقاومة في فكي الكماشة على حد سواء.

خلاصة القول إنَّ المنطقة والعالم بأسره يقف على مفترق طرق جديد، وعلى أعتاب 3 من براميل البارود، اشتعل أحدها في أوكرانيا، واقترب فتيل النار من ثانيها في تايوان. أما ثالثها الشرق أوسطي، فهو قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، وفي أية لحظة!

السؤال الذي يعنينا مباشرة: هل سينجح آموس هوكستين في سكب مياه البحر على منصة عائمة قد تلهب معها البر والبحر معاً أم أننا ذاهبون إلى حرب فيصل يجري السباق فيها نحو النهاية؟

الأسابيع المقبلة كفيلة بالإجابة.