نتنياهو ومعركة الجبهات السبع: بين الشك في "الجيش" وتكرار الصدمة
التكرار المستمر لفكرة أن "إسرائيل" تخوض معركة على عدة جبهات – سبع تحديداً – وكأنها معجزة أو مفاجأة، يكشف عن حالة من الدهشة غير المنطقية، إن لم نقل عدم التصديق، لما يحدث.
-
تصريح نتنياهو لا يُقرأ كرسالة ردع، بل كمؤشر على قلق داخلي (أرشيف).
في تصريح جديد، قال رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن "أعداءنا لم يصدقوا أن إسرائيل ستخوض معركة على سبع جبهات".
هذا التصريح الذي يبدو للوهلة الأولى كنوع من الاستعراض العسكري والسياسي، يخفي في طياته مؤشرات أعمق تتعلق بالثقة، لا فقط تجاه "الأعداء"، بل تجاه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ذاتها، بل وربما حتى تجاه قدراته القيادية في ظل أزمة ممتدة.
من يتأمل في تكرار نتنياهو لهذا النوع من التصريحات، يلاحظ أن الرجل لا يخاطب “أعداءه” فحسب، بل كأنه يخاطب نفسه قبل الآخرين.
التكرار المستمر لفكرة أن "إسرائيل" تخوض معركة على عدة جبهات – سبع تحديداً – وكأنها معجزة أو مفاجأة، يكشف عن حالة من الدهشة غير المنطقية، إن لم نقل عدم التصديق، لما يحدث. فهل هو غير واثق من قدرة "الجيش" الإسرائيلي على ذلك؟ أم أن هذه المعركة فُرضت عليه وهو لم يكن مستعدًا لها أصلًا؟
بنيامين نتنياهو لطالما روّج لصورة "إسرائيل" كقوة ردع حاسمة في المنطقة، قائمة على "جيش" شديد التنظيم والتسليح والاستخبارات.
فكيف يمكن لزعيم هذا الكيان أن يظهر بهذا الشكل من الدهشة؟ الحقيقة أن هذا التناقض قد يكون انعكاسًا لحالة التصدع الداخلي التي يعاني منها النظام السياسي والعسكري في إسرائيل. الهجوم المفاجئ الذي شنّته حماس في السابع من أكتوبر، وما تبعه من تخبط عسكري واستخباري، ترك أثرًا لا يُمحى على القيادة الإسرائيلية. وربما منذ ذلك اليوم، لم يستعد نتنياهو ثقته الكاملة بالمؤسسة العسكرية التي كانت تُعتبر “الأكثر تطورًا” في الشرق الأوسط.
كما أن تكرار نتنياهو لعباراته النمطية، التي تتحدث عن حجم التحدي وعن المعارك المتزامنة، يظهر وكأنه يحاول إقناع الجمهور – وربما نفسه – بأن السيطرة ما زالت بيده، وأن الأمور تحت السيطرة رغم مؤشرات واضحة عكس ذلك: الاستنزاف العسكري، والانتقادات الداخلية المتصاعدة، وعدم تحقيق أهداف معلنة في غزة، فضلًا عن الفشل في إدارة الوضع على الجبهات الأخرى.
إن وصف “المعركة على سبع جبهات” لا يوحي بالقوة فقط، بل يكشف حجم المأزق. فهذا العدد من الجبهات يعني أن "إسرائيل" دخلت في صراع مفتوح غير مسبوق منذ عقود، وربما من دون استراتيجية خروج واضحة. وإذا كان “أعداؤها” لم يصدقوا، فربما لأنهم، مثل نتنياهو، فوجئوا بأن الكيان الذي لطالما روّج لقدرته على الحسم السريع، يجد نفسه الآن في حالة دفاع واستنزاف.
في النهاية، تصريح نتنياهو لا يُقرأ كرسالة ردع، بل كمؤشر على قلق داخلي، وربما انعدام ثقة متصاعد. وعندما يتحدث قائد عن "عدم تصديق" الآخرين، وهو يكرر عباراته بشكل آلي، فهو في الواقع يعكس ما يشعر به هو: أنه لم يعد يصدق ما آلت إليه الأمور.