عملية "نيلي": الموساد يطارد قادة حماس

هل ستنجح عملية "نيلى" في مهمتها مثل عملية "غضب الرب" أم أن قادة حماس تعلموا الدرس جيداً من الماضي، وأصبحوا هاجس رعب حقيقي للكيان؟

  • هل ستنجح عملية
    هل ستنجح عملية "نيلي" في مهمتها؟

أعلنت "إسرائيل" في الآونة الأخيرة عن تشكيل فرقة اغتيالات جديدة بهدف تنفيذ عملية عسكرية عُرفت بـ "نيلي". سينفذها الموساد بالاشتراك مع جهاز الشاباك ومهمتها الأساسية هي اغتيال قادة حماس. 

المفاجأة في هذه العملية عدم اقتصار رقعتها الاستهدافية على القيادات الموجودين في غزة، بل تتوسع لتستهدف القيادات في قطر، مصر، لبنان وتركيا أو حتى أولئك الموجودين في عواصم أوروبية.

وبطبيعة الحال، الهدف الرئيسي والمطلوب رقم واحد على رأس القائمة مهندس "طوفان الأقصى" يحيى السنوار الموجود في غزة، بالإضافة إلى خالد مشعل، إسماعيل هنية قائدَي حركة حماس الموجوديْن في قطر، محمد ضيف قائد كتيبة عز الدين القسام، ومروان عيسى نائب القائد الأعلى في كتائب عز الدين القسام. 

أيلول الأسود 1972

ليست المرة الأولى التي تؤسس "إسرائيل" فيها فرقة كهذه، فسنة 1972 تشكّلت فرقة بعد عملية أيلول الأسود، عندما استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تغتال 11 لاعباً إسرائيلياً شاركوا في أولمبياد برلين. حينها، كلفت "إسرائيل" جهاز الموساد تنفيذ عملية أطلق عليها "غضب الرب"، وتم رصد أهداف عدة تحت مسمى قائمة "غولدا" (غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان).

حددت "إسرائيل" فيها 35 هدفاً من عناصر المقاومة الفلسطينية المرتبطة أسماؤهم بشكل مباشر أو غير مباشر بتنفيذ عملية "أيلول الأسود". وقد نفذت "إسرائيل" عمليات عدة وصلت إلى عواصم أوروبية منها روما، باريس وقبرص.

وبعد تنفيذ عملية "غضب الرب"، قررت "إسرائيل" أن تشكّل فرقة اغتيالات خاصة بتنفيذ هذا النوع من العمليات، خاصة أن أغلب عمليات الاغتيالات تنفذ خارج نطاق الأراضي المحتلة، ولا سيما عواصم الدول الأوروبية. وحتى أنها وصلت إلى الدول العربية المتحالفة مع منظمة التحرير الفلسطينية، عبر خرقها وإتمام عملية الاغتيال.

 وبالفعل، شكّل الكيان هذه الفرقة المؤلفة من قوات النخبة، وأُطلق عليها اسم "قوات الحربة". نجحت الفرقة في اغتيال جميع الأسماء التي أوكلت إليها، ولكنها فشلت في الوصول إلى اسم شخص واحد هو عاطف بسيسو، مدير مخابرات منظمة التحرير الفلسطينية. استمرت الفرقة في البحث عنه نحو عشرين عاماً إلى أن عثرت عليه في باريس واغتالته.

بالطبع، الهدف ليس التخويف من الماضي، بل الإضاءة على تكرار فكرة فرقة "قوات الحربة" عبر تشكيل فرقة جديدة لتنفيذ عملية مشابهة للعملية ذاتها التي حدثت في 1972. من الواضح أن هدف "إسرائيل" الأول والأخير هو تصفية قادة حماس بعد نجاح عملية "طوفان الأقصى" واستمرار المقاومة في التحكم بسير العمليات العسكرية التي أوصلت إلى فكرة الهدنة وتبادل الأسرى. 

عمليات "قوات الحربة"

اعتمد الكيان على سياسة الترهيب منذ زمن، قبل حرب غزة و"طوفان الأقصى". لو سألنا أي مستوطن إسرائيلي ما الذي ممكن أن يفعله بأي شخص يشارك أو يخطط أو ينفذ عملية فدائية ضد "جيش" الاحتلال أو ضد المستوطنين الإسرائيليين، فالجواب الأول سيكون أنه سيتم هدم منزله لكي تتشرد عائلته. ما ذنب عائلته؟ الجواب واضح، لكي يكون عبرة لأي فدائي آخر.

قررت الفرقة قبل تنفيذ أي عملية اغتيال أن تنشر أخباراً عدة في الصحف الأوروبية تنعى فيها أسماء قيادات منظمة التحرير الفلسطينية المقرر اغتيالهم. لم يكن الهدف من هذا النعي التحذير ما قبل الاغتيال، بل على العكس، الهدف الأساسي هو ترهيب هذه الشخصيات قبل تنفيذ الاغتيال بحقهم. في ذلك الوقت، علّق نائب رئيس الموساد ديفيد كمحي بأن الاغتيال لم يكن الهدف الأول من تنفيذ عملية "غضب الرب" بل الشعور بالرعب، بالنسبة إلى "إسرائيل" الرعب هو أهم من القتل بحد ذاته. فبحسب كمحي، الرعب الذي عاشه الكيان في عملية "أيلول الأسود"، يجب أن يعيشه كل فلسطيني شارك وخطط لهذه العملية.

 نُفذت العملية على محورين، الأول نشر نعي بأسماء القيادات المستهدفة، أما المحور الثاني فهو تنفيذ عملية الاغتيال بشكل متتال أي واحداً تلو الآخر وليس دفعة واحدة. حينها، تم تنفيذ هذه العمليات عبر قوات كومندوس إسرائيلية وليس فقط قوات النخبة كما ذكرت سابقاً.

عمليات قوات الحربة لم تكن سرية بل على العكس، جزء أساسي من فلسفة فرق الاغتيالات الإسرائيلية كان مبنياً على سياسة التخويف الذي ينتج عبر الصدمة. تنوعت الأسلحة التي كانت تستخدم في عمليات الاغتيال من عبوات ناسفة، إلى عملية اقتحام مسلح عبر قوات كومندوس. وكان هدف استعمال هذه الأسلحة، هو تعمد رمي أجساد القادة في الشوارع بهدف ترهيب وتخويف كل من يشاهد هذه الجثث، ودفعه إلى التفكير جيداً قبل أن يخطط لإيذاء الشعب الإسرائيلي، بحسب زعمهم.

أخطبوط المقاومة الفلسطينية وقاهر الموساد

بين أكتوبر 1972 إلى عام 1973 اغتال الموساد شخصيات مثل وائل زعيتر ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في إيطاليا، محمود الهمشري ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا، حسين أبو الخير ممثل حركة فتح في قبرص.

لم يكتفِ الكيان بهذا، بل استمر في عملياته إلى حين وصول دور القادة الفعليين الذين خططوا ونفذوا عملية "أيلول الأسود". يمكن وصف هؤلاء القادة بقوات النخبة، مثل محمود يوسف النجار قائد عمليات "أيلول الأسود"، كمال عدوان رئيس العمليات في المنظمة، وآخرهم، علي حسن سلامة رئيس منظمة "أيلول الأسود". 

لم يجد الموساد أمامه سوى حل تنفيذ عملية عسكرية فرعية من عملية "غضب الرب" بعد أن واجه مشكلة تحصينات قادة المقاومة في الداخل اللبناني، بينما كان السابقون يتوزعون على عواصم أوروبية مختلفة ومن دون حراسة، وتم إطلاق اسم "الفردان" عليها.

تمثلت العملية بإعلان حرب على الأراضي اللبنانية، والسبب هو وجود القادة الفلسطينيين في مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيروت. خرق الموساد سيادة لبنان واستطاع اغتيال القادة الثلاثة، الأمر الذي دفع صائب سلام رئيس الحكومة حينها إلى تقديم استقالته.

لم يبق أمامهم سوى القائد أبو حسن سلامة، العقل المدبر لـ"أيلول الأسود" الذي كان الصيد الأصعب. كان الكيان أمام خيارين، إما التقرب منه أو تفخيخ سيارته، حينها قرر الموساد أن يخطط لاغتيال سلامة، عبر اختراق دوائره الأمنية المحيطة به للتأكد من شخصيته. 

كان العدو يحاول منذ فترة طويلة تعقب الأمير الأحمر في بلدان عدة عاش فيها ومنها لبنان، حتى استطاع في النهاية الحصول على بعض المعلومات من شخص فلسطيني عاش في بيروت، وهو منخرط في إحدى المنظمات الفلسطينية وأطلعهم على بعض المعلومات المتعلقة بحياة سلامة في بيروت.

أُبلغ علي سلامة بأن ملف اغتياله قد تم سحبه من الدرج، وذلك يعني أن خطة اغتياله أصبحت جاهزة، وأن التنفيذ على وشك أن تدق ساعته، فأجاب "فليصنعوا ما أرادوا". وفي الثاني والعشرين من كانون الثاني/ يناير 1979 نزل من منزله متوجهاً إلى احتفال بعيد ميلاد ابنة أخته، تم تسليم الرسالة إليه وهو في السيارة، وحين طأطأ رأسه ليقرأها وقع الانفجار، واستشهد هو وجميع من معه.

السنوار هاجسهم الأول والأخير

دخلت حرب غزة في مرحلة الجدية، فالكيان لا يخطط فقط للانتقام من حماس على صعيد المدنيين في غزة بل هدفهم من اليوم الأول الانتقام من قادة حركة حماس.

 وستتورط في ذلك أجهزة مخابرات كل الدول التي يوجد فيها هذا النوع من القادة، من قطر، تركيا، مصر، لبنان وغيرها. هل يجدر بنا أن نخاف؟ طبعاً لا، فعمليات اغتيال الكيان لمنظمة "أيلول الأسود" هي أكبر دليل على أنها عمليات لم تحمِ الكيان، ولم تمنع حركات المقاومة الفلسطينية من تقديم قادة مثل يحيى السنوار الذي يُعدّ كابوسهم الأول والأخير.

 الكيان حكم السنوار 400 سنة سجن، وبقي تحت أعينهم 24 سنة، وعندما خرج من السجن، نفذ أعظم عملية في التاريخ الفلسطيني القديم والحديث، أدت إلى زعزعة الكيان وزرعت الرعب في نفوسهم من 7 أكتوبر إلى يومنا هذا.

"إسرائيل" فشلت في اغتيال السنوار، وفشلت في اغتيال حركة حماس ككل، وحتى أنها فشلت في تنفيذ الاجتياح البري. ويبقى السؤال، هل ستنجح عملية "نيلي" في مهمتها مثل عملية "غضب الرب" أم أن قادة حماس تعلموا الدرس جيداً من الماضي، وأصبحوا هاجس رعب حقيقي للكيان؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.