إيران والتحالفات الجديدة: رحلة نحو استقرار الشرق الأوسط أم صراع جديد؟

من الثابت تاريخياً أنَّ انتصار الثورة الإيرانية شكّل، ولا يزال يُشكّل، مفصلاً مهماً في السياسة والسلوك الخارجي الإيراني في علاقاتها الدولية.

  • التقارب بين السعودية وإيران هو عامل هام في تَغيير الاستراتيجيات السياسية في الشرق الأوسط.
    التقارب بين السعودية وإيران هو عامل هام في تَغيير الاستراتيجيات السياسية في الشرق الأوسط.

تُشكل منطقة الشرق الأوسط بؤرةً للصراعات التاريخية والتحالفات المتقلبة، وتُعدُّ الحروب والتغيرات السياسية جزءاً أساسياً من هذه المُعادلة المُعقدة. في السنوات الأخيرة، برزت إيران كقوة إقليمية مُؤثرة، وبرز التقارب بين السعودية وإيران كاحتمالٍ يُغير من وجه المنطقة.

تغير الحروب التحالفات بين الدول، وتؤثر في العلاقات الدولية بِشكل مُباشر، وتُصبح بعض الدول أكثر تقارباً، فيما تُصبح العلاقات أكثر توتراً بين دول أخرى، فالحروب تساعد الدول القوية على توسيع نفوذها ومُحاولة السيطرة على المنطقة، وهذا سيُؤثر في السياسة الخارجية للأطراف المُختلفة، ويزيد التوتر السياسي والخوف من التصعيد. تُؤدي الحروب إلى عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتُشكل تهديداً للسلام والأمن، وتؤدي إلى زيادة الهجرة والنزوح والتطرّف والإرهاب والنزاعات العِرقية والدينية.

من الثابت تاريخياً أنَّ انتصار الثورة الإيرانية شكّل، ولا يزال يُشكّل، مفصلاً مهماً في السياسة والسلوك الخارجي الإيراني في علاقاتها الدولية، النقطة المركزية فيه لا البعد الأيديولوجي الراديكالي فقط، وإنما كذلك التداعيات المرتبطة بهذه السياسة، وذلك السلوك على محيطها الإقليمي. طبيعة ونمطية سياق علاقاتها مع المملكة العربية السعودية قد تصلح لأن تكون النموذج الأكثر تعبيراً عن التأثيرات المرتبطة بهذه التداعيات على العلاقات الإيرانية السعودية.

الاحتكاك السلبي والتمايز السلوكي كان ظاهراً ومبكراً جداً. قد يكون التباين الأيديولوجي هو السبب الرئيس في حالة التنافر ما بين الدولتين، لكن لا شكّ في أن الحرب الإيرانية العراقية والموقف السعودي منها هو ما عزز هذا التباين، ولم يسمح بحدوث أي نوع من التقارب ذي القيمة ما بين الدولتين طوال السنوات الخمس والأربعين الماضية، اللهم إلا بعض المحطات الخجولة التي يبدو أنها حتى الآن لم تحدث النقلة الاستراتيجية التي تسمح بالقول إن هناك تغييرات ذات قيمة حدثت أو ستحدث في بنية ونمطية العلاقات السعودية الإيرانية.

البحث في مسببات هذه الحالة العلائقية بلا شك سيجعل من الطبيعة الحاكمة في التحالفات الإقليمية والدولية للبلدين المحدد الرئيس في فهم أسبابه. لماذا التوتر هو العامل الحاكم دائماً في نمطية العلاقات الإيرانية السعودية طوال العقود الأربعة الماضية؟ وهنا يبرز التمايز في علاقات الدولتين مع الولايات المتحدة الأميركية بكونه المحدد الأول والرئيس المتحكم. 

الموقف الأميركي من الحرب الإيرانية العراقية والعلاقات الاستراتيجية ما بين الولايات المتحدة والسعودية جعل من العلاقات الإيرانية السعودية أكثر توتراً أثناء سنوات الحرب الثماني، ولكنها أيضاً أصبحت أشد توتراً وعدائية، وأكثر تُقارباً مع الولايات المتحدة، وأصبحت علاقات إيران مع الولايات المتحدة أكثر توتراً وأكثر تقارباً مع بعض الدول التي تُعارض الولايات المتحدة، مثل روسيا والصين.

في المقابل، وفي ضوء الفهم السابق، يمكن القول إن ما يظهر مؤخراً من تحسن في العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية له تأثير كبير وهام في التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، وسوف يُؤدي التقارب بينهما إلى إعادة التوازن في المنطقة، لتُصبح أكثر استقراراً، وإلى توسيع نفوذ كلا الدولتين في المنطقة، ليُصبح التعاون بينهما أكثر فعالية في المجالات الاقتصادية والسياسية.

ويُمكن أن يُؤدي التقارب إلى تقليل التوترات في المنطقة ويُساهم في تحسين الأمن والاستقرار، بل إنه قد يدفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء شكل جديد من التعاون الثنائي مع السعودية وإيران في قضايا مثل مكافحة الإرهاب والتحكم في أمن الطاقة.  

في المجمل، لا شكَّ في أن التقارب بين السعودية وإيران هو عامل هام في تَغيير الاستراتيجيات السياسية في الشرق الأوسط. سيُؤدي هذا التقارب إلى تغيير العلاقات بين الدول العالم، وسيُؤثر في التوازن السياسي والعسكري في المنطقة، فماذا سيحدث إنْ قامت حرب بين إيران وإسرائيل؟ وماذا سيكون دور المملكة العربية السعودية؟