استراتيجية الاغتيالات الإسرائيلية: مفارقة تعزّز التضامن الشعبي والمقاومة

استراتيجية الاغتيالات التي يتبنّاها الكيان الصهيوني، على الرغم من أهدافها المعلنة في إضعاف المقاومة، غالباً ما تؤدي إلى نتائج عكسية تتمثّل في تعزيز التضامن الشعبي، وإعادة بناء هيكلية المقاومة.

  • استراتيجية الاغتيالات الإسرائيلية.. الأهداف المعلنة والنتائج غير المتوقّعة (أرشيف).
    استراتيجية الاغتيالات الإسرائيلية.. الأهداف المعلنة والنتائج غير المتوقّعة (أرشيف).

تُعدّ استراتيجية الاغتيالات التي يتبنّاها الكيان الصهيوني ضدّ أفراد المقاومة الفلسطينية واللبنانية جزءاً أساسياً من منظومته الأمنية والعسكرية. تهدف هذه الاستراتيجية ظاهرياً إلى تفكيك البنى التنظيمية للحركات المقاوِمة، وشلّ قدرتها على العمل، وإضعاف الروح المعنوية لأفرادها وداعميها.

ومع ذلك، يكشف التحليل العميق لهذه الاستراتيجية من منظور الدراسات العسكرية الاستراتيجية وعلم الاجتماع السياسي عن مفارقة جوهرية: فبدلاً من أن تؤدّي إلى إضعاف المقاومة، غالباً ما تسهم في تعزيز التضامن الشعبي، وإعادة بناء هيكلية المقاومة، ورفع مستوى المواجهة، مما يقوّض الأهداف الاستراتيجية المعلنة للكيان.

تتناول الدراسة، هذه الإشكالية المعقّدة، مستندة إلى عدد من النظريات الأكاديمية. سنبحث من خلالها في كيفية تحوّل استهداف الفرد إلى عامل محفّز لتماسك الجماعة، وكيف يمكن لسياسة العنف الموجّه أن تولّد ردود فعل مجتمعيّة تعزّز من صمود المقاومة وتجدّد حيويتها. كما سنستعرض أمثلة واقعية تبرهن على هذه المفارقة، ونحلّل الآليات الاجتماعية والنفسية التي تقف وراءها، مع التركيز على دور مفهوم الشهادة والتعبئة الاجتماعية في هذا السياق.

الإطار النظري: فهم ديناميكيات التضامن والمقاومة

لفهم الظاهرة، نعتمد على إطار نظري متكامل يجمع بين رؤى علم الاجتماع السياسي والدراسات الاستراتيجية. تؤكّد نظرية التعبئة الاجتماعية أنّ نجاح الحركات الاجتماعية لا يعتمد فقط على وجود المظالم، بل على قدرتها على حشد الموارد المادية والبشرية والمعنوية. في سياق المقاومة، يمكن أن يؤدّي استهداف الكيان الصهيوني لأفراد المقاومة إلى تحفيز آليات تعبئة جديدة، حيث يصبح الفعل العدواني الخارجي حافزاً لإعادة تنظيم الموارد وتوجيهها نحو تعزيز الصمود والمواجهة.

تُعدّ نظرية التضامن الاجتماعي تحت التهديد الخارجي حجر الزاوية في فهم كيفيّة تأثير التهديدات الخارجية على تماسك الجماعات. تشير إلى أنّ وجود عدو مشترك أو تهديد خارجي مباشر غالباً ما يؤدّي إلى زيادة التماسك والتضامن داخل المجموعة المستهدفة. في حالة استراتيجية الاغتيالات، يُنظر إلى استهداف فرد من المقاومة كاعتداء على الجماعة بأكملها وقيمها، مما يولّد شعوراً عميقاً بالوحدة والتكافل، ويدفع المجتمع إلى الالتفاف حول المقاومة ودعمها بشكل أكبر.

يمكن تطبيق مبادئ نظرية الحركات الاجتماعية الجديدة لفهم ديناميكيات المقاومة. تركّز هذه النظرية على أنّ الحركات الحديثة غالباً ما تكون لا مركزية، وتعتمد على الشبكات، وتستمد قوتها من القضايا الرمزية والهويات المشتركة. في سياق المقاومة، يمكن أن يؤدّي استهداف الأفراد إلى تحويل الصراع من مواجهة عسكرية إلى قضية وجودية وهوية، حيث يصبح الدفاع عن المقاومة دفاعاً عن الذات والهوية الجماعية.

يتكامل مفهوم الشهادة بشكل وثيق مع النظريات المذكورة أعلاه، خاصة في سياقات المقاومة ذات البعد الديني أو الوطني العميق. في هذه السياقات، لا يُنظر إلى الأفراد الذين يُقتلون في سبيل القضية على أنهم ضحايا فحسب، بل كشهداء يحملون قيمة رمزية ومعنوية عالية. تتحوّل دماؤهم إلى وقود يغذّي الروح المعنوية للمجتمع، ويعزّز من شرعية المقاومة، ويحفّز الأجيال الجديدة على الانخراط فيها.

تحليل الظاهرة في السياق الفلسطيني واللبناني

يتمّ التركيز على وصف وتحليل استراتيجية الاغتيالات الإسرائيلية وتأثيراتها على المقاومة والتضامن الشعبي في السياق الفلسطيني واللبناني.

يتمّ جمع المعلومات من مصادر متنوّعة، بما في ذلك التقارير الإخبارية، الدراسات الأكاديمية، والتحليلات السياسية، بهدف تقديم صورة شاملة ودقيقة للظاهرة.

استراتيجية الاغتيالات الإسرائيلية: الأهداف المعلنة والنتائج غير المتوقّعة

تاريخياً، اعتمد الكيان الصهيوني على الاغتيالات كأداة رئيسية في صراعه مع حركات المقاومة. الأهداف المعلنة لهذه الاستراتيجية تشمل إضعاف القيادة، تفكيك البنية التحتية، بثّ الرعب، ومنع نقل الخبرات. ومع ذلك، فإنّ الواقع غالباً ما يظهر نتائج مغايرة تماماً. فبدلاً من تفكيك المقاومة، تؤدّي هذه الاغتيالات إلى تعزيز التضامن الشعبي، حيث يتحوّل الشهيد إلى رمز وطني وتتحد الجماهير حول قضيته. كما تسهم في إعادة بناء هيكلية المقاومة، ففقدان قائد غالباً ما يؤدي إلى ظهور قيادات جديدة أكثر شباباً وحماساً وقدرة على الابتكار. 

علاوة على ذلك، غالباً ما تكون الاغتيالات سبباً مباشراً لتصعيد المواجهة، حيث تسعى حركات المقاومة إلى الرد، مما يؤدي إلى دوامة من العنف ترفع من مستوى التوتر والصراع. وأخيراً، تتحوّل الاغتيالات إلى محفّز لتجديد الالتزام بالقضية، حيث يرى الأفراد أنّ التضحيات جزء من معركة مستمرة نحو تحقيق الأهداف الوطنية.

الاحتفال الكشفي لكشافة الإمام المهدي (عج): نموذج لإسقاط الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الجديدة
يُقدّم الاحتفال الكشفي لكشافة الإمام المهدي (عج) نموذجاً حيّاً لكيفية إسقاط الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الجديدة التي تعتمد على الاغتيالات. في سياق يواجه فيه لبنان وحركات المقاومة فيه تهديدات مستمرة، تحمل هذه الاحتفالات الكشفية دلالات عميقة. فهي تعمل على تعبئة الأجيال الجديدة من خلال غرس قيم المقاومة والتضحية، مما يضمن استمرارية الحركة وتجديد كوادرها. كما تساهم في تعزيز الهوية الجماعية، حيث تبني الأنشطة الكشفية هوية جماعية قوية مبنية على الانتماء والتضامن والالتزام بالقضية. 

وبدلاً من إضعاف الروح المعنوية، تتحوّل الاغتيالات إلى حافز لزيادة الانخراط في مثل هذه الأنشطة، كنوع من التحدّي للعدو وتأكيد الصمود. تُظهر هذه الاحتفالات أيضاً المرونة والتكيّف، حيث تبرهن على قدرة المقاومة على العمل في بيئات معقّدة وتعبئة مواردها البشرية والمعنوية حتى في ظل التهديدات المستمرة.

إنّ الاحتفال الكشفي، في جوهره، هو فعل مقاومة ثقافي واجتماعي، يهدف إلى بناء جيل واعٍ ومستعد لمواجهة التحدّيات، ويؤكّد أنّ المقاومة ليست مجرّد عمل عسكري، بل هي حالة مجتمعية شاملة تتجلّى في مختلف الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتربوية.

البعد الاجتماعي والسياسي لاستراتيجيات الصراع

تُظهر هذه الدراسة أنّ استراتيجية الاغتيالات التي يتبنّاها الكيان الصهيوني، على الرغم من أهدافها المعلنة في إضعاف المقاومة، غالباً ما تؤدي إلى نتائج عكسية تتمثّل في تعزيز التضامن الشعبي، وإعادة بناء هيكلية المقاومة، ورفع مستوى المواجهة. هذا التحوّل يعكس ديناميكيات اجتماعية وسياسية عميقة، تتفاعل فيها نظريات التعبئة الاجتماعية، والتضامن تحت التهديد الخارجي، والحركات الاجتماعية الجديدة، ومفهوم الشهادة.

إنّ فهم هذه المفارقة أمر بالغ الأهمية لصنّاع القرار والمحللين الاستراتيجيين. فبدلاً من التركيز على الجانب التكتيكي للاغتيالات، يجب إدراك تأثيراتها الاستراتيجية الأوسع على المجتمعات المستهدفة. توصي الدراسة بإعادة تقييم الاستراتيجيات العسكرية، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الاغتيالات قد تساهم في تعزيز المقاومة بدلاً من إضعافها. كما يجب على حركات المقاومة والمجتمعات الداعمة لها تعزيز الوعي بهذه الديناميكيات واستغلالها لزيادة التعبئة والتضامن، ودعم الأنشطة المجتمعية والثقافية، مثل الاحتفالات الكشفية، التي تساهم في بناء الهوية الجماعية وتعزيز قيم المقاومة لدى الأجيال الجديدة. 

وأخيراً، يجب على المحلّلين والباحثين التركيز بشكل أكبر على البعد الاجتماعي والسياسي لاستراتيجيات الصراع، بدلاً من الاقتصار على التحليلات العسكرية البحتة. إنّ المقاومة، في جوهرها، هي إرادة شعب، ولا يمكن كسر هذه الإرادة باستهداف الأفراد. بل إنّ مثل هذه الاستراتيجيات قد تزيد من صلابة هذه الإرادة، وتجعلها أكثر تماسكاً وقوة في مواجهة التحدّيات.