الاستثمار الإسرائيلي في لبنان من بوابة الانتخابات النيابية

وصدرت دراسة عن معهد "بيغين السادات" الإسرائيلي في العام 2019، تضمّنت تحريضاً مذهبياً بين محافظتي البقاع والجنوب اللبنانيين.

  • الاستثمار الإسرائيلي في لبنان من بوابة الانتخابات النيابية
    الاستثمار الإسرائيلي في لبنان من بوابة الانتخابات النيابية

بدأ الرهان الإسرائيلي للتأثير في نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية 2022 قبل موعد حدوثها بفترات. وقد بدأ الاستثمار الصهيوني من عدة أبواب، إعلامية وشعبية واقتصادية ومذهبية. في بداية حراك 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، مروراً بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وصولاً إلى انفجار 4 آب/أغسطس، تعالت تصريحات السياسيين الصهاينة ومقالات الصحف ومراكز الدراسات الإسرائيلية لاستغلال هذه المحطات واستثمارها، فقد صرح بعض السياسيين الصهاينة أنّ "إسرائيل" جاهزة لتقديم المساعدة للشعب اللبناني، وبرز تقاطع بين مطالب بعض جهات الحراك مع مطالب العدو في موضوع نزع سلاح حزب الله وتحميل الحزب أسباب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

وصدرت دراسة عن معهد "بيغين السادات" الإسرائيلي في العام 2019، تضمّنت تحريضاً مذهبياً بين محافظتي البقاع والجنوب اللبنانيين،" بهدف التفرقة وتأليب البيئة الحاضنة للمقاومة"، بغية استثمار ذلك في انتخابات العام 2022.

وفي تقرير صادر عن معهد "هيرتسيليا" المتعدد الاختصاصات في شهر أيلول/سبتمبر 2021 بعنوان "‏تحديات وفرص يواجهها الأمن القومي الإسرائيلي"، جاء أنَّ "‏على إسرائيل دفع المنظومة الإقليمية والدولية إلى دعم القوى المعارضة للنفوذ الإيراني والقادرة على الحد من نفوذ إيران المتعاظم في لبنان. إنَّ الأزمة السياسية والاقتصادية المتعدّدة الأبعاد في لبنان تسرّع عمليات التفكك السياسي الذي يتجلّى في الخلل في أداء عمل وزارات الحكومة وفقدان القدرة على الحكم والضرر الفادح الذي لحق بنوعية حياة المواطنين (في الكهرباء والسلع الأساسية والدواء)".

‏ وأضاف: "بناءً على ذلك، على إسرائيل لجم عملية تعاظُم القوة في لبنان، ولو كان الثمن القيام بمخاطرة ضمن إطار المعركة بين الحروب في سوريا. القيام بعملية جريئة توضح لنظام الأسد ثمن تأييده حزب الله، وتدقّ إسفيناً بين المصلحة السورية (إعادة إعمار سوريا) والمصلحة الإيرانية".

ويشير ‏معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في تقرير نُشر في العام 2020، إلى أنَّ على "إسرائيل الاستمرار في الكفاح السياسي العسكري لإضعاف المنظمة كقوة مهيمنة في لبنان، مع التركيز على منع استمرار تمكينها على وجه الخصوص، وإضعاف جهود حزب الله لبناء ترسانة من الصواريخ الدقيقة."

بعد انتهاء هذا الاستثمار في الاستحقاق الانتخابي وصدور نتائجه، سارعت الصحف ومراكز الدراسات الإسرائيلية إلى تبني فوز الفريق الخصم للمقاومة وحلفائها في الأكثرية النيابية، ومنها صحيفة "هآرتس" التي نشرت مقالاً لتسفي برئيل بعنوان "حزب الله وحلفاؤه تلقوا ضربة شديدة".

وأشارت صحيفة "جيروزاليم بوست"، في إصدارها يوم الأربعاء، إلى "أنّ تراجع تمثيل التيار الوطني الحر، الحليف المسيحي الرئيس لحزب الله، في أعقاب الانتخابات الأخيرة، يقلّص قدرة الحزب على تأمين المظلة التي يوفرها التيار في تبرير مواصلة السيطرة على لبنان"، ولكن برزت بعض التعليقات في الصحف الصهيونية التي تقلل أهمية نتائج الانتخابات في التأثير في سلوك حزب الله.

وفي مقابلة أجراها موقع "المركز اليروشلمي للشؤون العامة والدولة" مع جاك نيريا، وهو باحث فيه، قال إنّ حزب الله" خاض الانتخابات اللبنانية تحت شعارين أساسيين يرتبطان بالعلاقة بإسرائيل، هما التزامه بعدم التخلّي عن سلاحه بوصف ذلك مطلباً للدفاع عن لبنان، وتعهده بعدم السماح لإسرائيل بالتنقيب عن الغاز في منطقة "بلوك 9"، عند حدود المياه الاقتصادية للبنان وفلسطين، ما لم يتمكّن لبنان من استخراج الغاز من المنطقة".

كذلك، اعتبرت صحيفة "التايمز" الإسرائيلية أن "إسرائيل، ورغم الخسارة التي مُني بها الحزب، لا ترى أن لبنان سيكون في وضع أفضل بعد الانتخابات للتعامل مع الخلل العميق في قلب نظام الحكم فيه"، واعتبر أيضاً عاموس جلعاد، المسؤول التنفيذي لمعهد الشؤون السياسية والاستراتيجية في جامعة رايخمان في مدينة هرتسليا، "أن سلوك الحزب لن يتغير مع البرلمان الجديد".

وأضاف: "بين بيروت والحدود، هناك 150 ألف صاروخ، ومن يديرها هو حسن نصر الله. حزب الله هو الفاعل الوحيد المنظم هناك، ونصر الله يعلم أن منظمته ستكون بخير مهما كانت الحصيلة النهائية للانتخابات. قبل الانتخابات مباشرة، شعر بالثقة الكافية لتهديد استكشاف الغاز الإسرائيلي في حقل كاريش البحري المتنازع عليه. وبذلك، إن الانتخابات لا تحلّ المشكلة، ونتيجتها إما أن حزب الله سيعود ليقود البلاد، وإما سيستفيد من هذه الأزمة من أجل أن يصبح أقوى".

بناءً عليه، على الرغم من هذا الاستثمار الضخم للكيان الصهيوني في الأزمات التي مر بها لبنان قبل الانتخابات النيابية، بغية توظيفها في حصيلة نتائج الانتخابات لمصلحة خصوم حزب الله، فإنَّ ثمة اعترافات كان يطلقها المعلقون الصهاينة، مفادها أن هذه الاستثمارات من شأنها أن تؤثر سلباً في الكيان الصهيوني، من خلال الفوضى التي يكون حزب الله هو المستفيد الأول منها، لكونه الطرف الأقوى في لبنان، وأيضاً التنظيم الوحيد الذي تربطه علاقات قوية ومتينة مع دولة يمكنها مساعدته للنهوض بالبلاد، ما يزيد إحكام سلطته على مرافق الدولة.

انتخابات تشريعية مصيرية يشهدها لبنان، بعد ما يزيد على العامين من أزمة اقتصادية سياسية غير مسبوقة، تشابك فيها المحلي مع الإقليمي والدولي، فكيف سيكون وجه لبنان بعد هذه الانتخابات؟