الجواز الأجنبي أقوى من خوذة الجندي: قضيّة "عيدان ألكسندر" من زاوية نفسية

الجهاز النفسي الإسرائيلي يعاني من شرخ يصعب رتقه: بين حلم "الدولة" الحامية، وحقيقة أنها في اللاوعي الجمعي أصبحت مصدراً للخطر بدل الأمان.

  • طلاق سراح عيدان ألكسندر أثار صدمةً في المجتمع الإسرائيلي.
    طلاق سراح عيدان ألكسندر أثار صدمةً في المجتمع الإسرائيلي.

أثار إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر – بفضل جنسيّته الأميركيّة صدمةً في المجتمع الإسرائيلي، كاشفاً عن عمق أزمة المواطنة والهويّة، وقد تصدّر الموضوع منصّة أكس، حيث تحوّلت القضيّة إلى رمزٍ لـ "امتياز الجواز الأجنبي"، وبات الإسرائيليّون يشكّكون في قدرة "دولتهم" على حمايتهم من دون وساطة خارجيّة. هذه الحادثة لم تُظهر فقط مسّاً بـ "العقد الاجتماعي" الصهيوني، بل غذّت أيضاً قلقاً وجوديّاً مفاده: هل "إسرائيل" وطنٌ دائم أمّ محطّة مؤقّتة نحو جنسيّة أُخرى؟

من منظور علم النفس ومدرسة التحليل النفسي، أثارت قضيّة الجندي الإسرائيلي ـــــ الأميركي عيدان ألكسندر صراعاً وجوديّاً عميقاً في اللاوعي الجمعي للمجتمع الإسرائيلي، الذي لا يزال يعيش تحت وطأة صدمة التأسيس وقلق البقاء بعد 77 عاماً. فـ "الدولة" التي يُفترض أنّها "الملاذ الأخير" لجماعة تعرّضت للاضطهاد التاريخي بحسب السرديّة الصهيونيّة، تتحوّل في المخيّلة الجماعيّة إلى نموذج الأمّ غير الموثوقة التي تتخلّى عن أبنائها، إلا إذا حملوا جواز سفر أجنبيّاً رمزاً بديلاً للحماية.

هذا الموقف يُذكّر بـعقدة الهجر (Abandonment Anxiety) التي تُطارِد الناجين من المحرقة وأحفادهم، حيث يُعاد إحياء الخوف من العجز أمام قوى خارجيّة، ويُستبدل الإيمان بالدولة بـالارتباط بوالدٍ جديد (أميركا أو أوروبا) بحسب التحليل النفسي لما يمكن أن يطلق عليه أيضاً بالجرح النفسي والصدمة النفسيّة الجماعيّة. 

التغريدات التي تُشبّه الجواز الأجنبي بـ "الضمّادة الشخصيّة" تكشف عن انتقال الجماعة من حالة النضال من أجل السيادة إلى حالة التعلّق بمنقذ خارجي، وهو انزياح نفسي كبير يُضعف فكرة "الشعب الحرّ في وطنه" التي وردت في النشيد الوطني الرسمي "الأمل". 

الأمر الأكثر إيلاماً كما يظهر من خلال تحليل محتوى تفاعل الجمهور الإسرائيلي هو الخجل الجماعي الذي عبّر عنه الكثير من الإسرائيليّين عبر الشبكة، وهو شعورٌ يمكن أن ينتمي إلى عقدة الذنب (Survivor’s Guilt) لدى من نجوا من التهديدات بينما يُترك آخرون. 

عبارات مثل "أشعر بالخجل من دولتنا" تعكس انهيار المثاليّة (Idealization) تجاه "الدولة" التي كان يُنظر إليها كضامن للوجود، ما يدفع الأفراد إلى الانسحاب النفسي منها والبحث عن هويّة بديلة عبر الجنسيّات الأخرى.

في النهاية، تُهدّد هذه الأزمة الأسطورة التأسيسيّة لـ "إسرائيل" كـ "وطن قوي يحمي شعبه"، وتُعيد المجتمع إلى سؤال اللاوعي الجمعي: "هل نحن حقاً آمنون هنا، أم أنّنا نعيش في وطن مؤقّت ـــــ مجرّد محطّة نحو جنسيّة أخرى؟".

هذا الصراع قد يُعمّق الانقسامات ويُغذّي النزعة الفرديّة على حساب التماسك الوطني، في مفارقةٍ تراجيديّة لمشروعٍ قام أصلاً لإنهاء تشتّت "الشعب" وذلك مجدّداً بحسب السرديّة الصهيونيّة.

أما من منظور التحليل النفسي الفرويدي، فتعكس أزمة الهوية الإسرائيليّة بعد إطلاق سراح عيدان ألكسندر صراعاً عميقاً داخل الجهاز النفسي الجمعي، حيث يتجاذب الأنا (Ego) بين مطالب الهو (Id) الغريزيّة بالبقاء والأمان، وضغوط الأنا العليا (Super-Ego) التي تمثّل المثاليّة الصهيونيّة والولاء "للدولة".  

فقد كشفت هذه الحادثة عن قلق وجودي (Existential Anxiety) مُزمن، يعود إلى صدمة التأسيس والنزوح التاريخي، حيث يُدرك المجتمع أنّ "الدولة" التي كان يُفترض أنّها "الملاذ الأخير" قد لا تكون قادرة على حمايته إلّا بوسائل خارجيّة (مثل الجنسيّة الأجنبيّة). هذا يُذكّر بـصراع الهو والأنا العليا: الرغبة البدائيّة في النجاة (الهو) تصطدم بقيم الولاء الوطني (الأنا العليا)، مما يولّد عصاباً جمعياً (Collective Neurosis) يتمثّل في الخجل، الإحباط، والبحث المحموم عن بدائل.  

التهكّم في عبارات وردت عبر منصّات التواصل مثل "جواز السفر أهم من الخوذة" يعكس آليّة دفاع (Defense Mechanism) من نوع السخرية (Irony) كمحاولة من الأنا لتخفيف القلق عبر تحويل الألم إلى هزل. أمّا الدعوة الجماعيّة للحصول على جنسيّات أخرى فتشبه الهروب (Flight) من واقع مُهدِّد، كاستجابة لـغريزة الموت (Thanatos) التي تدفع نحو التدمير الذاتي للهويّة المشتركة.  

هكذا، تُظهر الأزمة كيف أنّ الجهاز النفسي الإسرائيلي يعاني من شرخ يصعب رتقه: بين حلم "الدولة" الحامية، وحقيقة أنها في اللاوعي الجمعي أصبحت مصدراً للخطر بدل الأمان.

هذا الصراع قد يقود إمّا إلى مزيد من تفكّك "الهويّة الوطنيّة، أو إلى إعادة بنائها على أسس أكثر واقعيّة... لكنّه، في كلّ الأحوال، جرح لن يندمل بسهولة.