الذكاء الاصطناعي: كيف يغيّر وجه الرأي العام ويقلب موازين السياسة؟

الذكاء الاصطناعي يمثل أداة قوية وفعّالة في تشكيل الرأي العام، والتأثير في السياسات العامة في جميع أنحاء العالم، ولكن يجب استخدامه بحذر ومسؤولية.

  • الذكاء الاصطناعي: كيف يغيّر وجه الرأي العام ويقلب موازين السياسة؟
    تتيح تطبيقات الذكاء الاصطناعي للتحليل العاطفي فهم مشاعر الجمهور 

في العقود الأخيرة، غزا الذكاء الاصطناعي العديد من جوانب حياتنا اليومية، وأصبح يلعب دوراً متزايد الأهمية في تشكيل الرأي العام، والتأثير في السياسات العامة. من المناقشات السياسية إلى توجيه السلوك الاقتصادي والاجتماعي، يؤثر الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في طريقة تفاعل الناس مع الأخبار، والمعلومات واتخاذ القرارات الهامة.

أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي البارزة تقوم على استخدام الروبوتات الإخبارية وبرمجيات توليد النصوص لإعداد المقالات والتقارير الإخبارية ونشرها. يمكن لهذه التقنيات أن تسرّع عملية إعداد الأخبار، وتزيد من كمية المحتوى المتاح للجمهور. في المقابل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى انتشار الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة.

وفي ما يتعلق بمنصات مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تكتشف الاتجاهات والنماذج السائدة في الرأي العام، وتعزز ترويج موضوعات معينة أو قضايا محددة. يعتمد تأثير هذه الخوارزميات على التحيّز والمصالح المتنوّعة لمستخدمي الإنترنت، ما قد يبدو أنه يعكس آراء الجماهير، وربما يكون له تأثير كبير في السياسات العامة وصناعة القرار السياسي.

على جانب آخر، تتيح تطبيقات الذكاء الاصطناعي للتحليل العاطفي فهم مشاعر الجمهور وآرائه تجاه قضايا معينة، وتقييمها بشكل أكثر دقة وسرعة. يمكن لهذه المعرفة أن تساعد القادة السياسيين وصنّاع القرار على فهم رغبات الناخبين، والعمل على تلبية توقعاتهم، وبالتالي تحسين السياسات العامة.

ومع ذلك، يجب أن نكون على دراية بالتحديات والمخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في تشكيل الرأي العام. على سبيل المثال، قد تكون هناك مخاطر تتعلق بالخصوصية والأمان والتحيز المدمج في الخوارزميات. يتطلب التصدي لهذه التحديات إجراءات موازية لتعزيز الشفافية والمساءلة والأخلاق في استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

في ما يلي، أستعرض بعض الأمثلة عن دور الذكاء الاصطناعي في تشكيل الرأي العام وتأثيره في السياسات العامة:

الانتخابات الأميركية 2016: تم استخدام الذكاء الاصطناعي في التحليل العاطفي للمنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، لفهم آراء الناخبين وتوجيه الحملات الانتخابية. كذلك، لعبت الروبوتات الاجتماعية دوراً كبيراً في التأثير في الرأي العام من خلال نشر الأخبار المزيفة.

بريكست (تصويت خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي): تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل آراء المواطنين واتجاهاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوجيه الحملات السياسية لكلا المعسكرين: البقاء في الاتحاد الأوروبي ومعسكر الخروج منه. استخدمت شركة "كامبريدج أناليتيكا" بيانات المستخدمين لاستهداف الناخبين برسائل مؤيّدة للخروج من الاتحاد الأوروبي.

النشر الآلي للأخبار: تستخدم بعض الشركات والمنصات الإعلامية الذكاء الاصطناعي لإعداد الأخبار ونشرها بشكل آلي، مثل شركة "أوتومايتد إنسايتس" التي تستخدم تقنيتها الخاصة "ووردسميث" لإعداد المقالات الإخبارية القائمة على البيانات.

معرفة الاتجاهات والموضوعات الساخنة: تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الاتجاهات السائدة والموضوعات ذات الاهتمام العالي في الشبكات الاجتماعية مثل "تويتر" و"فيسبوك"، ما يمكّن الأحزاب السياسية والناشطين من استخدام هذه المعلومات للتركيز على قضايا معينة. على سبيل المثال، استخدمت حركة "حياة السود مهمة" وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على قضايا عنف الشرطة والعنصرية، وقد لعبت الخوارزميات دوراً في نشر هذه الرسائل وزيادة التفاعل مع الموضوع.

القيادة الذاتية للسيارات والسياسات المرورية: تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تطوير السيارات ذاتية القيادة، وقد أثر هذا التطور في السياسات العامة المتعلقة بالسلامة المرورية وقوانين المرور. تعمل الحكومات على تعديل السياسات واللوائح لتتناسب مع هذه التكنولوجيا الجديدة وتأكيد سلامتها على الطرق.

التعليم والتكنولوجيا: يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة التعلّم الشخصية والمساعدة الافتراضية للطلاب. يؤثر هذا التطور في السياسات العامة المتعلقة بالتعليم والتكنولوجيا، ويحث الحكومات على استثمار المزيد في تطوير التعليم الرقمي وتوفير الدعم اللازم للمدارس والجامعات.

الطاقة والبيئة: تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة استخدام الطاقة والمساعدة في تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة. يشجع هذا التطور الحكومات على اعتماد سياسات عامة صديقة للبيئة، والتركيز على تطوير مصادر الطاقة المستدامة.

في النهاية، يمثل الذكاء الاصطناعي أداة قوية وفعّالة في تشكيل الرأي العام، والتأثير في السياسات العامة في جميع أنحاء العالم، ولكن يجب استخدامه بحذر ومسؤولية. من المهم أن يتعاون الباحثون وصنّاع القرار والمنظمات المعنية لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تعزز الحوار البنّاء، وتدعم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. يمكن للتعاون المشترك والابتكار المستدام أن يؤدي إلى تحسينات كبيرة في كيفية تشكيل الرأي العام، وتنفيذ السياسات العامة، ما يعود بالنفع على المجتمعات بأسرها.