الرئيس بشار الأسد.. كيف عرفناه في سوريا؟

على الرغم من كل ما حدث ويحدث في سوريا فإن الرئيس بشار الأسد يعشق الحياة المدنية ويريدها. ولهذا السبب يفضل البساطة. وعلى الرغم من الحرب فإنه لم يخرج في زي عسكري أبداً، وحافظ على زيه المدني البسيط جداً.

  • في الحرب أظهر الرئيس الأسد حزماً وقوة شخصية كبيرة لم يتوقعهما الحليف قبل العدو.
    في الحرب أظهر الرئيس الأسد حزماً وقوة شخصية كبيرة لم يتوقعهما الحليف قبل العدو.

بشار الأسد، هو الاسم الذي لم يغب عن الأخبار، على الأقل منذ عام 2011 حتى الآن. عرفه الشعب السوري عن قرب منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، وتحديداً بعد استشهاد شقيقه الأكبر باسل الأسد، نتيجة عدة أسباب، أبرزها التربية الصارمة جداً التي اتبعها الرئيس المؤسس حافظ الأسد، الذي كان يهتم جداً بالعادات والتقاليد السورية في التربية، إذ يكون الابن الأكبر هو بمنزلة الأب لإخوته، وبالتالي فإن صورته هي التي تبرز بين العائلة والمجتمع بعد والده.

وهذا نلاحظه بوضوح في المجتمع السوري، وعائلة الرئيس حافظ الأسد كانت مثالاً واقعياً على هذا التقليد. وبعد استشهاد باسل الأسد، تعرفنا أكثر إلى شقيقه بشار، الشاب الطويل والنحيل نوعاً ما، تجول كثيراً في المحافظات السورية وسمع كثيراً من أبنائها ونقل مشكلاتهم إلى والده أو حلها بنفسه. وسمعت كثيراً من القصص ذات الصدقية العالية عن حله عدداً من المشكلات لأشخاص طلبوا حلها منه شخصياً في أثناء زياراته، وكان يتصل بهم ليخبرهم بحلها. مثلاً، الآن الجميع يعرف صورة اللواء ماهر الأسد، لكن هل هناك من سمع صوته؟ أم شاهد مقطع فيديو وهو يتحدث إلى الشعب؟ هذه هي التربية السورية الصحيحة.

الرئيس بشار الأسد شخص متواضع جداً وودود جداً، ويمكن ملاحظة هذا الأمر في طريقة جلوسه وخطابه. ودائماً ينظر إلى عيني من يحدثه، سواء أكان مسؤولاً أم شخصاً عادياً، كبيراً كان أم صغيراً. وفي الوقت نفسه، لديه كمية من الحزم والجرأة على اتخاذ القرارات الحاسمة في أوقات حساسة، مثقف وواعٍ، وفي الوقت نفسه لديه حس كبير بالفكاهة، ويحب الضحك ولا يخفي ضحكته ولا يكتمها. وفي خطاباته عندما يبتسم أو يضحك يتحدث بعدها بحزم وقوة، ويتخذ موقفاً حاسماً.

وفي الوقت نفسه لديه كمية كبيرة من البراغماتية شرط ألّا تتعارض مع مواقفه الثابتة. فمن كان يصدق أن الرئيس بشار الأسد، الذي قال عن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إنه أزعر ولص، أن يتحدث عن عدم ممانعته في مقابلته إذا كان في ذلك مصلحة لسوريا. وهذه المصلحة تتمثل بالانسحاب التركي من الأراضي السورية ووقف دعم الإرهاب. فالمصلحة الوطنية لديه فوق كل شيء. وهنا لا يمكننا أن ننسى أنه هو نفسه تنازل عن حق من حقوقه مع بداية الحرب في البلاد، إذ أصدر أوامره بالعفو عن كل من وجه كلمة سيئة إلى مقام الرئاسة وسامحه، وهو حق مشروع للرؤساء جميعهم في العالم.

وتركيا مثلاً عندما حاول بعض المرتزقة السوريين الذين تشغلهم إهانة علمها، جلبتهم وأجبرتهم على تقبيله والاعتذار. أما في سوريا فحدثت كمية كبيرة من المصالحات الوطنية وعاد كثيرون من المسلحين إلى الحياة المدنية. هل تم إجبار أحدهم على تقبيل العلم السوري أو صورة الرئيس؟ والرئيس بشار الأسد رفض كلمة تطبيع فيما يتعلق بعودة العلاقات السورية -التركية، احتراماً لأنقرة ولعدم تشبيهها بكيان الاحتلال الإسرائيلي.

الرئيس بشار الأسد فعلياً لم يرتح منذ عام 2000 حتى الآن. فبعد حكمه بعام واحد، جرت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وبدأ الرئيس الأميركي جورج بوش سياسة "من ليس معنا فهو علينا"، وبعدها وضع سوريا في محور سمّاه "محور الشر"، الذي يضم كلاً من إيران وكوريا الشمالية وسوريا.

وفي هذه الفترة كانت هناك ضغوط سياسية غربية كبيرة على دمشق، وخصوصاً من الولايات المتحدة وفرنسا. وبعدها بعامين حدثت حرب العراق، وبات الجيش الأميركي عند الحدود السورية وقُدّمت ورقة مطالب من وزير الخارجية الأميركي كولن باول إلى الرئيس الأسد، وأنه لو لم يوافق عليها فسيكون مصيره كمصير صدام حسين.

وبسبب الرفض السوري تم تشديد الخناق حتى وقوع حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والتي فجرت المنطقة كلها. اغتيال الحريري كان أشبه بأحجار الدومينو التي وقعت وأوقعت بعدها كثيراً من الأحداث ضد سوريا وحلفائها، وتمثل ذلك بحرب لبنان عام 2006، وبعدها العدوان على غزة في عامي 2008  و2009، ثم الأزمة الاقتصادية السورية، إذ هرب عدد من التجار وأصحاب رؤوس الأموال إلى تركيا بعد سحب قروض بملايين الدولارات إن لم يكن بالمليارات من البنوك السورية، وصولاً إلى الحرب الكبرى عام 2011.

الرئيس بشار الأسد تعامل بعقلانية كبيرة مع الحرب وفي خطابه في مجلس الشعب تحدث عن ضرورة الإصلاحات ووقف أسباب الحرب ومحاربة الفساد، ولم يصف المتظاهرين بالمندسين أو الجرذان، بل وصف من يدخلون في صفوفهم ويستهدفون رجال الأمن بالمندسين فقط. كان مع مطالب المتظاهرين، ويثبت ذلك مقطع فيديو انتشر للواء رستم غزالة الذي اجتمع عام 2011 بوجهاء درعا، وقال لهم إن الرئيس مع مطالبهم، وطلب إطلاق سراح المعتقلين وقدم تعازيه إلى عائلات من تُوفي.

في حقبة الحرب أظهر الرئيس بشار الأسد حزماً كبيراً وقوة شخصية كبيرة لم يتوقعهما الحليف قبل العدو، فلم يغادر دمشق على الرغم من أن أصوات القصف والمدافع كانت تُسمع من داخل مكان إقامته، والجماعات المسلحة كانت على بعد بضعة كيلومترات عنه، وخرج أيضاً إلى الجبهات، وكان في خطوط التماس عدة مرات.

على الرغم من كل ما حدث ويحدث في سوريا فإن الرئيس بشار الأسد يعشق الحياة المدنية ويريدها. ولهذا السبب يفضل البساطة. وعلى الرغم من الحرب فإنه لم يخرج في زي عسكري أبداً، وحافظ على زيه المدني البسيط جداً.

وهو رجل عاشق ومخلص، فمن ينسى صورته إلى جانب السيدة الأولى عام 2018 وهي تأخذ علاجها من مرض السرطان؟ ومن ينسى ابتسامته الدائمة وهي إلى جانبه؟ وهذه الابتسامة غابت عن وجهه عندما ذهب إلى الاقتراع في انتخابات مجلس الشعب الماضية من دون شريكة عمره بسبب مرضها.

الرئيس بشار الأسد يحمل الصفات جميعها وضدها، فهو حازم ولين، قوي وطيب، صلب ومتواضع، هو فعلياً الأب والأخ والقائد والقدوة لكل من حوله. لذلك، أجزم بأنه لو أُجريت انتخابات رئاسية جديدة غداً وشارك فيها السوريون جميعهم في الخارج قبل الداخل، وكانت بمراقبة أممية، فسينجح فيها.