الفيتو بلطجة: آن الأوان للشعوب أن تطالب بإلغائه

آن الأوان لأن تقول الشعوب كلمتها: لا للفيتو، لا للبلطجة، نعم للعدالة. هذه هي بداية الطريق نحو عالم أكثر إنصافًا.

  • الفيتو ليس مجرد تفصيل سياسي، بل هو سلاح قاتل.
    الفيتو ليس مجرد تفصيل سياسي، بل هو سلاح قاتل.

الفيتو ليس مجرد بند قانوني في ميثاق الأمم المتحدة، بل هو سلاح بلطجة دولية مقنّنة، يمنح دولة واحدة القدرة على شطب إرادة العالم كله بجرة قلم.

أي منطق هذا الذي يسمح لدولة واحدة، مهما بلغ وزنها السياسي أو قوتها العسكرية، أن توقف قرارًا يهدف إلى حماية المدنيين أو إنقاذ أرواح الأبرياء من تحت الركام والجوع؟ المشهد في غزة اليوم يختصر كل المأساة: ملايين البشر محاصرون بين القصف والجوع، وبينما يرفع العالم صوته مطالبًا بوقف المجازر وفتح ممرات إنسانية، يأتي الفيتو الأميركي الأخير ليكشف حقيقة هذا السلاح؛ أداة توقف العدالة، وتمنح الغطاء للقتلة، وتشرعن المجازر باسم القانون الدولي. هكذا ببساطة، تقف دولة واحدة لتقول «لا»، فيُلغى صوت البشرية كلها.

منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، تحوّل الفيتو الأميركي إلى درع ثابت يحمي الاحتلال الإسرائيلي من أي محاسبة دولية. كل محاولة لإدانة جرائم الحرب، أو فرض عقوبات، أو حتى إصدار بيان رادع، كانت تصطدم بالفيتو. لم يعد الأمر إجراءً قانونيًا لحماية التوازن العالمي كما قيل عند تأسيس الأمم المتحدة، بل صار أداة ابتزاز سياسي وقانوني، يستخدم لتعطيل العدالة وحجب إرادة المجتمع الدولي، فيما يظل المدنيون وحدهم الضحية. والتاريخ شاهد: عشرات المرات رفعت فيها غالبية أعضاء مجلس الأمن الأيدي تأييدًا لمشاريع قرارات عادلة، لكن كلمة «لا» أميركية واحدة أسقطت كل شيء. هذا الواقع جعل من الأمم المتحدة، التي يُفترض أن تكون منصة للسلام، مجرد مسرح يُدار لمصلحة الأقوياء، وغطاء يُستعمل لحماية المعتدين.

وليس الشعب الفلسطيني وحده من دفع ثمن هذا السلاح، بل شعوب أخرى أيضًا. ففي أكثر من محطة تاريخية، عُطّلت قرارات دولية كان يمكن أن توقف نزاعات دامية أو تحمي المدنيين من ويلات الحروب. الفيتو استُخدم في حرب فيتنام، واستُخدم في قضايا تتعلق بسوريا والعراق، وحتى في أزمات إنسانية كان العالم كله يطالب بالتدخل فيها لوقف سفك الدماء. ومع كل مرة، كان يتأكد أن هذه الأداة ليست وسيلة توازن كما يزعمون، بل وسيلة لحماية المصالح الضيقة للدول الكبرى على حساب حياة الملايين.

آن الأوان للشعوب في كل العالم أن تتحرك. لم يعد يكفي أن نخرج إلى الشوارع رفضًا للمجازر وحدها، ولا أن نرفع الشعارات التضامنية فقط. المعركة الحقيقية تكمن في أصل المشكلة: وجود أداة اسمها «الفيتو» تسمح لدولة واحدة بأن تتحكم في مصير العالم كله. لذلك يجب أن يصبح إلغاؤه شعارًا عالميًا، مطلبًا تتبنّاه كل التظاهرات، وترفعه كل اللافتات، ويهتف به كل صوت حر في الساحات: «الفيتو بلطجة يجب أن يُلغى!». على الشعوب أن تدرك أن هذه ليست معركة الفلسطينيين وحدهم، ولا قضية العرب فقط، بل قضية إنسانية بامتياز، لأن استمرار الفيتو يعني أن مصير ملايين البشر في أي مكان في العالم يمكن أن يُلغى بكلمة واحدة تصدر من عاصمة دولة كبرى.

الفيتو ليس مجرد تفصيل سياسي، بل هو سلاح قاتل. كل يوم يتأخر فيه العالم عن إلغائه هو يوم إضافي من القتل المقنّن، ويوم آخر من الحماية القانونية للمجرمين. ليست المسألة خلافًا سياسيًا أو تنافسًا بين القوى، بل وجود أداة تشرّع القتل وتسمح بالعدوان. التجربة الأخيرة في غزة أكبر دليل: العالم أجمع شاهد المجازر، وسمع صرخات الأطفال تحت الأنقاض، ورأى الجوع يفتك بالمدنيين، ومع ذلك أُحبط القرار بفيتو واحد. فأي عدالة هذه؟ وأي إنسانية يمكن أن تصمد أمام هذه المهزلة؟

يجب أن تتحول التظاهرات العالمية ضد الإبادة في غزة إلى حركة ضغط من نوع جديد، لا فقط لرفض العدوان، بل للمطالبة الصريحة بإلغاء الفيتو. هذا هو جوهر المعركة. لسنا ضد وجود الأمم المتحدة أو ضد القرارات الدولية، بل على العكس: نحن نريدها أن تعمل بعدل وحرية، لا أن تكون رهينة إرادة دولة واحدة. إن العدالة الدولية لن تستعيد معناها ما دام الفيتو قائمًا، فهذه الأداة التي وُلدت بزعم حماية السلم العالمي أثبتت أنها العائق الأكبر أمام أي عدالة حقيقية. فهل يُعقل أن يكون إنقاذ حياة الملايين مرهونًا بقرار فردي لدولة واحدة؟

الرسالة يجب أن تكون واضحة وبسيطة: لا لدولة واحدة فوق إرادة العالم. لا لحق النقض. لا للفيتو. نعم للعدالة، نعم لإنقاذ الأبرياء، نعم لعالم يضع الإنسانية فوق المصالح الضيقة. إن الفيتو لم يعد مجرد أداة سياسية، بل صار رمزًا للبلطجة الدولية، وغطاءً للإرهاب المقنّن تحت ستار القانون. والشعوب هي الوحيدة القادرة على كسره، بتحويل رفضه إلى مطلب عالمي لا يمكن لأي قوة أن تتجاهله.

آن الأوان لأن تقول الشعوب كلمتها: لا للفيتو، لا للبلطجة، نعم للعدالة. هذه هي بداية الطريق نحو عالم أكثر إنصافًا، عالمٍ لا تحكمه الكلمة الواحدة، بل تحكمه إرادة الملايين.