المسيّرة والمعادلات والمرحلة المقبلة

السؤال الذي يطرح نفسه بعد المُسيّرة التي أطلقها حزب الله: هل بات الإسرائيلي أمام معادلة جوية جديدة؟

  • الحدث الأمني شكّل صدمة في القيادة الإسرائيلية
    الحدث الأمني شكّل صدمة في القيادة الإسرائيلية

ما إن أصدرت الأمم المتحدة قرارها رقم 181 الذي كرّس وجود "إسرائيل" في أرض فلسطين، حتى بدأت تعمل لفرض معادلاتها على المنطقة، لتكون "الدولة الأقوى في محيطها". من هنا، برز على سبيل المثال شعار "الجيش الذي لا يهزم"، بعد انتصارها في حرب النكسة في العام 1967.

كما كرّس الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الداعمة لـ"إسرائيل"، معادلة ترجيح فائض قوة "جيشها"، فمنعت الجيوش العربية الأخرى من أن تتفوَّق عليها، رغم محاولات الاتحاد السوفياتي لقلب المعادلة، إلا أنَّ هذه المحاولات باءت جميعها بالفشل.  

لم تلتزم "إسرائيل" بالقرارات الدوليَّة، بل عملت على ضربها بعرض الحائط، واعتبرت لبنان بمثابة مسرح لعملياتها، لتنفّذ أجندتها من دون حسيب أو رقيب. لم يكن لدى الإسرائيلي إلا معادلة واحدة يفرضها على العرب، هي معادلة عنجهية الآلية العسكرية وفرض سياسته بالقوة والغصب. لهذا، تجرأ على استخدام العنف المطلق تجاه الشعب العربي عامةً، والفلسطيني خاصةً.

صحيح أنَّ قوة الردع الإسرائيلي ترتكز على امتلاكها الأسلحة النووية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد المُسيّرة التي أطلقها حزب الله: هل بات الإسرائيلي أمام معادلة جوية جديدة قادرة على رسم المرحلة المقبلة وتهديد مفاعلاته النووية، لتصبح مصدر قلق، ويخشى تعرّضها لضربات موجهة من مسيرات الحزب، بعد أن كانت تشكّل له مصدر طمأنينة وقوة؟

وقد أطلقت المقاومة الإسلامية يوم الجمعة بتاريخ 18-2-2022 المسيّرة "حسان" إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا تزال الأوساط العسكرية الإسرائيلية منشغلة بقلق بما حصل معها، إذ لم تنجح الطائرات الإسرائيلية المقاتلة والمروحيات وصواريخ القبة الحديدية في إسقاطها، لتعود سالمة إلى لبنان، ما يضع الاحتلال أمام تحدٍّ جديدٍ لم يكن في حساباته في جولات عسكرية سابقة، ولا سيَّما أنها طائرات بسيطة للغاية باتت تُصنّع ويتمّ تطوير أنظمتها الهجومية في لبنان.  

وفي هذا السياق، ذكر كلّ من ليعاد أوسمو ويسرائيل موسكوفيتش وإيتمار إيخنر، في مقال مشترك في صحيفة يديعوت أحرنوت، ترجمته "عربي 21"، أنَّ "توغل الطائرة المسيرة داخل الحدود الإسرائيلية من جنوب لبنان تسبَّب بحالة من الذعر لدى مستوطني الشمال. ورغم إطلاق طائرات حربية هيلكوبتر عليها وتفعيل القبة الحديدية، فإنَّ الطائرة استطاعت الإفلات، وهو ما يطرح الأسئلة حول الحرب المقبلة والوجود".

 لقد عبّر الكتّاب عن الخوف المنتظر من المرحلة المقبلة، ولا سيما أنَّ هذا الحدث الأمني غير المنتظر دقّ المسمار في نعش المعادلات السابقة، ووضع "إسرائيل" أمام خطر وجودي. هذا ما أتى على لسان رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين، الذي اعتبر أنَّ "حزب الله قوي، وأنَّ المستقبل للمقاومة والمعادلة التي رسمها حسان اللقيس، والتي ترسمها المسيّرة حسان، والآتي أعظم، ما سيجعل الإسرائيلي مذهولاً أمام قدرات المقاومة".

في قراءة هادئة لما حصل، يمكن كشف الرسالة المزدوجة التي أراد حزب الله إيصالها إلى العدو الإسرائيلي وبعض الدول العربية التي تبني علاقات شراكة معه. من جهة، إنّ اختراق المسيرة وعدم التمكّن من إسقاطها أظهر فشل القبة الحديدية من حماية الداخل الاسرائيلي أمام الطائرات المسيرة، الأمر الذي سيجعل بعض الدول العربية تنظر إليه بعين الريبة، ولا سيما أنّها كانت تطمح إلى عقد الصفقات لشرائها، لعلّها تحميها من حرب المسيرات والصواريخ البالستية. 

من جهة ثانية، هذا الفشل في التقنية العسكرية الدفاعية لدى الإسرائيلي سيثير حتماً الشكوك في الصناعات الإسرائيلية وفعاليتها في الميدان، وقدرتها على الدفاع عن أراضيها. كما سيطرح علامات الاستفهام حول دور "الجيش" الأميركي الذي عمل على مساعدة "الجيش" الإسرائيلي في تطويرها، ولا سيما بعد حرب غزة الأخيرة في أيار/مايو 2021. 

إنَّ ضرب هيبة المنظومة يجعل آمال الشعب الإسرائيلي بأرض فلسطين خائبة ومحبطة أمام عجز "جيشه" عن حمايته. إنَّ وجود "إسرائيل" منذ الأساس اعتمد على قدرة "جيشها" على حماية أمن مستوطنيها، وأي فشل في ذلك، قد يؤدي إلى هجرة عكسية لليهود من فلسطين المحتلة، الأمر الذي قد يهددها في وجودها، ويمكن أن يطرح جدياً معادلة وجودها.

هذا الحدث الأمني شكّل صدمة في القيادة الإسرائيلية، المدنية والعسكرية، وفي القاعدة الشعبية، وخصوصاً أنَّ "جيشها" لم يستطع إسقاط المسيّرة، بل عادت أدراجها سالمة. طبعاً، في المرحلة المقبلة، ستشكل المسيرة عنواناً لضرب أهداف حيوية في العمق الإسرائيلي. لهذا، تغيّرت المعادلات، وأصبحت كلّ الأجواء مفتوحة على كلّ الاحتمالات، مع التصاعد المستمر للضغط الروسي على الغارات الإسرائيلية في سوريا، ورفض القيادة العسكرية هذه الضربات التي تعتبرها انتهاكات لسيادة الدولة السورية.

أمام هذه التطوّرات الأمنية في المنطقة بشكل عام، وعلى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة بشكل خاصّ، يجد الإسرائيلي نفسه أمام قلق وجودي حقيقي ربما لم يكن قد شعر به منذ تأسيس كيانه. 

لهذا، في ظلّ تخبّط القيادة الإسرائيلية في الملف النووي الإيراني، وعدم التجاوب الأميركي مع رغبتها في ضرب إيران، وصلابة موقف المقاومة، وتفاعل قوة محور الممانعة، قد تكون المرحلة المقبلة أمام معادلة جديدة، تفرض على "إسرائيل" تطبيق شروط لا ترغبها، وتقلب ذهنية التفوق عندها إلى ذهنية الخضوع أو الاستسلام للمصير الوجودي المقلق.