الهند وباكستان، طريق النار... والحرير!

عندما نتحدّث عن إقليم كشمير "الصغير"، نحن نتحدّث هنا عن أكثر من 200 ألف كيلومتر مربّع، يدخل أيضاً في الحسبان (كالعادة) العامل الطائفي، حيث الأغلبية المسلمة والأقلية الهندوسية.

  •  باكستان والهند.. تاريخ طويل معقّد وشائك.
     باكستان والهند.. تاريخ طويل معقّد وشائك.

سريعاً تدحرجت الأمور بين الهند وباكستان. هجوم إرهابي على سيّاح هنود في إقليم كشمير (الجزء الهندي) نتج عنه عشرات الضحايا والمصابين.

نيودلهي ألقت باللوم مباشرةً على باكستان، متهمةً إسلام أباد بأنها ترعى وتغطي هذه المجموعات الإرهابية القاعدية الهوى، وهو ما تنفيه باكستان. قصف هندي بالأمس قالت نيودلهي إنه استهدف مراكز الإرهابيين تبعه ردّ باكستاني، حيث تقول إسلام أباد إنها قامت بالفعل بإسقاط طائرات هندية (وفق روايتها).

في البداية علينا ذكر بعض المعلومات الضرورية لفهم خلفيّة الأحداث. علاقة باكستان بتنظيم القاعدة وكلّ التنظيمات المتفرّعة عنها كانت دائماً محلّ شكّ وسؤال وتساؤل منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، حتى أن الولايات المتحدة حليفة إسلام أباد نفّذت العملية الشهيرة التي قضت فيها على بن لادن داخل الأراضي الباكستانية من دون إخبار السلطات هناك مسبقاً بسبب الخوف من تسرّب المعلومة الحسّاسة. 

في باكستان أيضاً هناك تنظيم طالبان باكستان المتشدّد وتنظيمات أخرى كجيش محمد (الذي تتهمه الهند بالمسؤولية عن الهجمات الأخيرة في كشمير).

طبعاً هذا لا يعني على الإطلاق أنّ باكستان كدولة وكشعب هي في دائرة الاتهام أو الحكم المسبق، لكنّ طبيعة المجتمع الباكستاني قد تكون سمحت لهذه التنظيمات المتطرّفة بأن تكون موجودة وأن تتمدّد وأحياناً وقد يكون بعض من في الأجهزة الأمنية والعسكرية تعاون أو تواصل معها، خاصة إبّان الوجود الأميركي العسكري في أفغانستان وبعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. هناك هجمات إرهابية حصلت أيضاً داخل الهند، ومنها هجمات مومباي الشهيرة في العام 2008.

 هناك أيضاً خلاف لا بل شبه عداوة بين الهنود والباكستانيّين منذ استقلال البلدين، حيث كانت في البداية الهند وباكستان وبنغلادش دولة واحدة تحت الاستعمار البريطاني قبل أن تستقلّ ثم تتجزّأ إلى دولتين (ثمّ ثلاث) على أسس طائفية وعرقية. رواسب كثيرة ظلّت موجودة منذ تلك الفترة ومنها قضية إقليم كشمير المتنازع عليه، والمقسوم حالياً إلى قسمين؛ واحد تابع للهند وآخر لباكستان. 

لكنْ كثير من الناس لا تعرف أنّ هناك قسماً من كشمير أيضاً تابعاً للصين حيث تلتقي حدود البلدان الثلاثة عند هذا الإقليم الحسّاس جيوسياسياً.

من هنا نفهم أيضاً اهتمام الصين بالموضوع ومحاولتها حلّ المشكلات بين البلدين (الهند وباكستان) من دون تصعيد أو حرب واسعة لأنها ستؤثّر عليها سلباً بالتأكيد. الصين تتشارك في البريكس مع الهند والعملاقان لديهما تعاون (اقتصادي) كبير رغم الحساسية التاريخية والتنافس الحالي. والصين أيضاً شريك كبير ومهم لباكستان وراعٍ لكثير من المشاريع هناك ضمن مبادرة الحزام ـــــ طريق الحرير (التي للمفارقة لم تنضمّ إليها الهند).

وعندما نتحدّث عن إقليم كشمير "الصغير"، نحن نتحدّث هنا عن أكثر من 200 ألف كيلومتر مربّع، يدخل أيضاً في الحسبان (كالعادة) العامل الطائفي، حيث الأغلبية المسلمة والأقلية الهندوسية.

هناك أيضاً الأوضاع الداخلية والعلاقات الخارجية الحالية لكلّ بلد. الهند تسير بخطى ثابتة تحت حكم مودي الذي أنعش البلاد اقتصادياً في العقد الأخير وثبّت علاقاتها الجيّدة شرقاً وغرباً، مع روسيا والصين وفي البريكس من ناحية، ومع الولايات المتحدة وأوروبا والغرب من ناحية أخرى. 

وبالأمس وقّعت البلاد على معاهدة اقتصادية مع بريطانيا قد تكون الأهم في تاريخها الحديث. وبحسب التوقّعات الهند في طريقها لأن تصبح الاقتصاد الثالث عالمياً في السنوات المقبلة. لكن داخلياً تحصل أحياناً توترات إثنية وطائفية خاصة بين الهندوس والمسلمين، ويتهم حزب مودي (القومي الهندوسي) بأنه يثير هذه الحساسيات والأفعال عبر خطاب تحريضي.

في المقابل باكستان في وضع أصعب وأقلّ "نجاحاً" اقتصادياً والبلاد لا تزال تحاول التعافي من أزمة اقتصادية خانقة عانت منها. كما أنها لا تزال تحاول التعافي سياسياً بعد سنين عمران خان والأزمة الكبيرة التي حصلت في نهاية "عهده" السياسي قبل أن يسجن. والجيش في باكستان لاعب (سياسي) أساسي وثابت مهما تغيّرت الأسماء والظروف السياسية.

إذاً تتصاعد الأمور بين الجارين النوويّين اللدودين. الأمور مرشّحة للتصعيد خاصة في ظلّ انشغال العالم بالعديد من الملفات، من حرب أوكرانيا إلى غزة واليمن وإيران والشرق الأوسط وصولاً إلى الحروب التجارية والتعريفات الجمركية. لكن من يستطيع التوسّط اليوم بين البلدين؟

 تبدو روسيا في وضع مناسب أكثر من الصين، لكون بوتين ومودي يتمتّعان بعلاقة جيدة ومباشرة، بينما تتسم العلاقة الهندية الصينية بالبرودة أحياناً والتنافسية دوماً. قد تعمل روسيا مع الجانب الهندي بينما تركّز الصين على الجانب الباكستاني في مسعى مشترك. أيضاً الولايات المتحدة تتمتع بعلاقات مميّزة مع الجانبين ويمكنها بالتأكيد التوسّط بينهما، لكنها تبدو غير متحمّسة للتدخّل حتى الآن (وهذا يطرح تساؤلات، هل تريد أميركا إغراق الصين في مستنقع آسيوي على حدودها؟). 

هناك أيضاً إيران التي تملك علاقات جيدة مع الطرفين رغم التوترات الحدودية أحياناً مع جارتها باكستان. وهناك طبعاً الدول العربية خاصة المملكة العربية السعودية، المعنية بعدم حدوث تصعيد في آسيا. هنا كان لافتاً أنّ الكثير من الدول العربية لم تتحمّس كثيراً أو تصطف بقوة مع باكستان (بصفتها دولة مسلمة) بل وازنت في مواقفها بين الجانبين، وهذا يظهر حجم العلاقات والمصالح المتزايدة بينها وبين الهند.

 باكستان والهند. تاريخ طويل معقّد وشائك. أعراق، أديان، كشمير، نووي وصراع على النفوذ والهوية والأرض. أضف إليها المياه التي تتشارك فيها الدولتان (نهر السند). صراع يمتد تاريخياً إلى كلّ شبه القارة الهندية، بما فيها بنغلادش، نيبال، وأفغانستان. لكن مع وجود سلاح نووي بيد الطرفين ترتفع المخاطر إلى حدود عليا قد ترتّب نتائج كارثية على العالم. من هنا تأتي ضرورة التدخّل الدولي لإيقاف التصعيد الحالي ومحاولة حلّ جذور أزمة كشمير التي خيضت من أجله حربان بين البلدين منذ الاستقلال.