اليمن: من القرار... إلى مصاف اللاعبين الكبار

يضع القرار اليمني بالاستمرار في معركتي الإسناد لغزة والمواجهة مع الأميركي، اليمن في مصاف اللاعبين الإقليميين الكبار ذات الدور الكبير والمؤثّر في مسار الأحداث في المنطقة.

  • اليمن يحوّل العدوان من تهديد إلى فرصة.
    اليمن يحوّل العدوان من تهديد إلى فرصة.

يمضي اليمن قُدماً في المواجهة العسكرية المفتوحة مع الولايات المتحدّة الأميركية والعدو الإسرائيلي، غير آبه بكلّ أشكال التهديد والوعيد التي يطلقها القادة الأميركيون ضدّه، وفي مقدّمتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ليس هذا فحسب، بل تُقابل هذه التهديدات، بمزيد من الثبات والعزم والإصرار على إكمال المسير في إسناد القضية الفلسطينية، والمقاومة في غزة تحديداً، ضمن معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدّس" مهما بلغت التضحيات البشرية والمادية.

لعلّ أبرز التهديدات الأميركية، ما جاء على لسان ترامب لحركة أنصار الله والحوثيين بالإبادة، متوعّداً إياهم بالضربة المميتة وبأنّ وقتهم قد انتهى، وأنّ جهنم ستنزل عليهم، عقب قرار اليمن باستئناف عمليات الإسناد للشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة، ردّاً على قرار العدوّ بالانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار ومنع وصول المساعدات إلى أهل القطاع، واستئناف حرب الإبادة. 

وبعد شهر ونصف الشهر من بدء العمليات العسكرية الأميركية غير المسبوقة على اليمن، والتي استخدمت خلالها أميركا أحدث أنواع القنابل والقذائف الثقيلة والباهظة التكلفة، لم يحقّق العدوان الهدفين المُعلنين له؛ تأمين سلامة الملاحة البحرية للسفن التجارية الإسرائيلية والأميركية في البحر الأحمر، واستعادة الردع، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ما يلي:

• إصرار اليمن على الاستمرار في تنفيذ قراره الإنساني والعقائدي والاستراتيجي بمساندة القضية الفلسطينية والمقاومة في غزّة مهما بلغت التضحيات، وفي هذا الإطار يؤكّد قائد حركة أنصار الله السيّد عبد الملك بدر الدين الحوثي بشكل دائم ومتكرّر هذا المعنى والقرار، انطلاقاً من حقيقة أنّ تكلفة الإذعان والخضوع والسكوت عن تمكين أميركا و"إسرائيل" من الهيمنة على المنطقة ووضع اليد عليها، ستكون أعلى تكلفة وبما لا تقاس من ثمن أيّ مواجهة، مهما بلغت تضحياتها. 

• أظهرت الوقائع، فشلاً استخباراتياً أميركياً، لناحية عدم تحقيق أهداف عسكرية وأمنية مهمة من شأنها أن تغيّر مسار المواجهة وتحقّق أهداف الحرب. والعجز الاستخباراتي المذكور، ينسحب على فقدان القدرة على الحصول على المعلومات المطلوبة لتقدير ما إذا كانت الضربات تحقّق أهدافها أم لا. وهنا تجدر الإشارة إلى النتائج الإيجابية لمنظومة "مدري"، والتي تستهدف أفراد المجتمع كافة من دون استثناء، والتي ترمي إلى إطفاء عيون العدوّ عن كلّ ما يجري في المناطق المستهدفة، من خلال عدم تداول أيّ معلومات حول الضربات والعدوان سوى ما يصدر من بيانات من قبل الجهات المعنية.

في المقابل، يُظهر اليمن قدرات استخباراتية نوعيّة، تتجلّى بعدّة طرق، نذكر بعضها:

• استهداف حاملات الطائرات والقطع البحرية والاشتباك معها وهي تستعدّ لشنّ هجوم على اليمن، ما يساهم في تعطيل الهجوم في بعض الحالات وإرباك العدو.

• ملاحقة واكتشاف شبكات التجسّس والعملاء التي تعمل على جمع المعلومات للعدوّ، برغم التقنيات المتقدّمة التي تمتلكها هذه الشبكات لتفادي اكتشافها.

• القدرة على كشف السفن التي تقع ضمن لائحة الاستهداف، رغم محاولة التضليل التي تتّبعها بعض السفن والشركات المستهدفة.

الى جانب ذلك، لم يعد سراً، الحديث عن التكلفة الباهظة للعدوان الأميركي على اليمن مقابل النتائج غير المُجدية للعدوان، ولا سيّما بعد إعلان مصادر في البنتاغون في وقت سابق من هذا الشهر أن تكلفة العمليات بلغت مليار دولار حتى نهاية الشهر الأول من العدوان (أي منتصف الشهر الحالي). وفي موازاة ذلك، لا وجود لنتائج ملموسة لهذا العدوان، ولا أفق واضحاً لناحية إعادة الملاحة البحرية المعدومة أمام السفن التجارية الإسرائيلية والأميركية في البحر الأحمر وباب المندب، بالإضافة إلى فشل العدوان في منع اليمن من الاستهداف المستمرّ للكيان الإسرائيلي بالصواريخ الباليستية والمسيّرات التي تقضّ مضاجعه، وتهدّد أمنه وتساهم في تهشيم صورة الردع التي تغنّى بها على مدى عقود من الزمن.

وهنا تأتي التساؤلات والأسئلة الأكثر إلحاحاً من قبل دافعي الضرائب في أميركا، حول جدوى حرب تُدار من أجل الكيان الإسرائيلي، تستقوي بها أميركا على المدنيّين والأسواق العامّة والمقابر وخزّانات المياه وسجون احتياطية من دون جدوى عسكرية وازنة وأهداف استراتيجية محقّقة. كلّ هذا الاستنزاف، يجري في مقابل إنجازات نوعية للقوات المسلحة اليمنية بأقلّ كلفة ممكنة، وفي مقدّمة هذه الإنجازات، إفشال أهداف العدوان، والاستمرار بمعركة الإسناد.

إذاً العدوان الذي حوّله اليمن من تهديد إلى فرصة، يعزّز من خلالها قدراته العسكرية ويطوّرها، وينتقل بالتصعيد من مرحلة إلى أخرى، يضع أميركا بصورة مُحرجة عسكرياً أمام العالم لناحية فقدان القدرة على الحسم، واستعادة الردع، وتحقيق الأهداف، فضلاً عن السقوط الأخلاقي أمام العالم، وهي ـــــ أي أميركا ـــــ تستميت دفاعاً عن الكيان الذي ما عاد يُحقّق من العدوان على غزة سوى قتل الأطفال والأبرياء.

وفي المقابل، يضع القرار اليمني بالاستمرار في معركتي الإسناد لغزة والمواجهة مع الأميركي، اليمن في مصاف اللاعبين الإقليميين الكبار ذات الدور الكبير والمؤثّر في مسار الأحداث والقضايا في المنطقة، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية والتطبيع ومشروع الشرق الأوسط الجديد.