تحالفات نيابية في لبنان لتأمين الحواصل ليس أكثر

توحي مواقف القوى السياسية التي تخوض الانتخابات النيابية بأن البلد ذاهب إلى حرب أهلية أو تصفيات أو اختزال أو إلغاء لقوى سياسية.

  • تحالفات نيابية في لبنان لتأمين الحواصل ليس أكثر
    تحالفات نيابية في لبنان لتأمين الحواصل ليس أكثر

أعلن وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي، في مؤتمر صحافي، انتهاء مهلة تسجيل اللوائح، إذ سجلت الوزارة 103 لوائح، وذلك بزيادة كبيرة عن العام 2018، حين بلغ عدد اللوائح 77. واللافت أنَّ نسبة مشاركة المرأة في الترشّح بلغت رقماً قياسياً في لبنان، ووصلت إلى 118 سيدة منضوية في اللوائح الانتخابية، في أكبر مشاركة نسائية في الانتخابات.

العملية الانتخابية واقعة في 15 أيار/مايو لا محالة. هذا ما أكَّده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عقب البدء باجتماع وزارته يوم الأربعاء 4-6-2022: "كل كلام وتشكيك في عدم حصول الانتخابات في موعدها هو مجرد تحليلات، لأنها مطلب لبناني قبل أن يكون مطلب أصدقاء لبنان".

تأكيد رئيس الحكومة ترافق مع النسبة العالية في تسجيل اللوائح وتشغيل مولدات الماكينات الانتخابية، وهو ما يؤكد حدوث الانتخابات في موعدها، رغم أنّ البعض تخوّف من تطييرها، راداً ذلك إلى أحداث أمنية كبرى أو إلى تكتيكات لوجستية، على رأسها الشحّ في المالية العامة للدولة وإضراب موظفي القطاع العام المولج بالإشراف على العملية الانتخابية وإجرائها. 

أما نسبة مشاركة المرأة في الترشح، فهي أكثر من لافتة، في دليل على ارتفاع نسبة الوعي في الذهنية اللبنانية، عبر ترشّح المرأة وتثبيت حضورها بعيداً عن الذكورية المعهودة. 

أمام حفاوة التحضيرات والتصاريح العالية النبرة التي يتراشق فيها المرشحون ويتقاذفون مسؤولية انهيار البلاد ذات الشمال وذات اليمين، أتى تصريح نائب رئيس مجلس الوزراء، سعادة الشامي، عن أن "الدولة أفلست والخسارة وقعت"، كالصاعقة على مسمع اللبنانيين، ولكن يبدو أنَّ صوت الماكينات الانتخابية كان أعلى من صوت الشامي، والجماهير الناخبة المتحمسة والمبرمجة لم تكترث إلى ما قاله، وكأنَّه بالنسبة إليهم يتحدث عن جزيرة الماو ماو، وهنا تكمن الخطورة.

في مختلف الدول، يصوت المقترع لمن يقدم له برنامجاً يحدد من خلاله رؤيته المستقبلية للسياسة الداخلية والخارجية، ويعالج فيه الأوضاع الاقتصادية، ويقدم الضمانات الاجتماعية، ويطرح حلولاً للأزمات الناتجة من الهجرة والبطالة والتضخم. أما في لبنان، فإنَّ المقترع ينتخب حزبياً وعقائدياً ودينياً، وليس وطنياً. لهذا، لا يحتاج المرشح إلى برنامج انتخابي، ولا إلى اعتماد فن الخطابة الإقناعي، فمهما فعل أو قال، فالناخب غير آبه لذلك. 

اللافت في لبنان أن التحالفات الانتخابية لم تضم أحزاباً تتنافس على برامج انتخابية مشتركة، ولا تجتمع على نظرة موحدة للبنان الذي نريده، بل هي تحالفات هجينة لا تلتقي إلا على تأمين الحواصل الانتخابية لهذا الفريق أو ذاك.

هي تحالفات دونكيشوتية تجعل الهمّ الرئيسي للكتل هو جمع أعداد أكبر من النواب في كتلها البرلمانية، ليس لأجل تطبيق مشروعها، لأنها بالأصل لا مشروع لديها، بل لأجل تثبيت حضورها في الحياة السياسية التي لم تعرف بعد الطائف شكلاً طبيعياً لمفهوم الدولة الحديثة، بل جلّ ما كانت عليه هو تقاسم المغانم وتوزيع المحاصيل وتكريس مبدأ المحسوبيات على حساب الكفاءة.

ولأنّ الشعبوية في الخطاب الانتخابي هي سيدة الخطابات، ولأنَّ اللعب على وتر العصبيات هو المطلوب في تلك المرحلة المتبقية قبل الاستحقاق، تقول مصادر متابعة إنه ربما يصار إلى تمرير بعض المشاريع التي تحاكي طلبات وفد صندوق النقد الدولي الذي يجول في لبنان، على رأسها المشروع المعدل من الحكومة "الكابيتال كونترول". ويتم ترحيل ملفات، على رأسها الموازنة، إلى "ما بعد الانتخابات" لتفادي الشعبوية في مناقشتها على طاولة اللجان، الأمر الذي قد ينعكس على شعبيتهم الناخبة.

توحي مواقف القوى السياسية التي تخوض الانتخابات النيابية بأن البلد ذاهب إلى حرب أهلية أو تصفيات أو اختزال أو إلغاء لقوى سياسية، نتيجة حدة الخطاب السياسي، الذي يظنّ سامعه أن الانتخابات ستغير وجه لبنان وتاريخه وتوازناته وكل الموبقات فيه، والتي تعد من صنع المتبارين الآن أنفسهم، عندما كانوا تحت سقف واحد، وعلى طاولة واحدة، في مجلس النواب والوزراء، وفي جلسات الحوار الطويلة، وعندما عقدوا الصفقات والتفاهمات والاتفاقيات في ما بينهم لتقسيم مغانم السلطة.

نادراً ما قدّمت إحدى القوى السياسية برنامجاً فعلياً لإنقاذ البلاد والعباد مما تتخبطّ فيه، وكل ما يقدمونه في حملاتهم الانتخابية هو مجرد عناوين عامة فارغة المضمون. المشكلة لديهم لا تكمن في كيفية إقناع الناخب بالتصويت للائحاتهم، بل بكيفية تأمين الحواصل لحجز مقاعد إضافية في البرلمان.  

احتلَّ لبنان المركز ما قبل الأخير في "تقرير السعادة السنوي" الذي يصدر بإشراف الأمم المتحدة؛ فالبلد الذي يعاني "حزمة" أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية وأمنية منذ نحو 3 سنوات وصلت فيه نسبة الفقر إلى حدود خيالية، في وقت ارتفع سعر صرف الدولار بصورة قياسية، وانخفضت قيمة العملة الوطنيّة، وسيذهب فيه الناخبون إلى صناديق الاقتراع نهار الأحد في 15 أيار/مايو، ويعيدون انتخاب الطبقة نفسها الّتي أوصلتهم إلى التعاسة لأربع سنوات قادمة، لإعطائها فرصة، لعلّها تنجح في وضع لبنان في المركز الأخير من تقرير معهد "غالوب" للإحصاءات.

أخيراً، يُطبّق السياسيُ في لبنان المثل القائل: "كما يريد الفاخوري يركب دينة الجرة". هذا ما ينطبق على مشرّعي القانون الانتخابي الذي يفصّل على قياس كل زعيم في منطقته. من هنا، يستحيل تسجيل خروقات كبيرة في هذه الدورة الانتخابية، وسيبقى الوضع على حاله ما دامت الانتخابات ستعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها من جديد، ولأربع سنوات مقبلة.

انتخابات تشريعية مصيرية يشهدها لبنان، بعد ما يزيد على العامين من أزمة اقتصادية سياسية غير مسبوقة، تشابك فيها المحلي مع الإقليمي والدولي، فكيف سيكون وجه لبنان بعد هذه الانتخابات؟