حزب الله والحرب "القهرية"

قرار  الحكومة ضدّ سلاح حزب الله اليوم، هو تواطؤ على سلاح الشعب وأساس قوّته الوحيد، حاليّاً، فإن تحرّك الحزب في الداخل سيتحرّك للحفاظ على سلاحه.

  • سلاح حزب الله (أرشيف).
    سلاح حزب الله (أرشيف).

في شباط/فبراير من عام 1987 تعرّضت ثكنة فتح الله، في حي البسطة في بيروت الغربية، التي كانت من أهمّ مقارّ حزب الله، لهجوم من الجيش السوري، أدّى إلى استشهاد اثنين وعشرين شابّاً من حزب الله، كما ذكرت جريدة السفير وقتها. وقد أصدر حزب الله بياناً قال فيه إنّ المجزرة غير مبرّرة، داعياً إلى محاكمة الفاعلين.

بعد المجزرة، وبفضل حكمة قيادة حزب الله، جرى استيعاب غضب أنصار حزب الله، وحصلت اتصالات مع القيادة السورية في دمشق، ما أدّى إلى تهدئة الأمور، وكانت الحادثة من أسباب التقارب بين حزب الله ودمشق.

في أيلول/سبتمبر من عام 1993، دعا حزب الله إلى تظاهرة في الضاحية الجنوبية لبيروت، رفضاً وتنديداً بتوقيع اتفاقية "أوسلو"، بين منظمة التحرير الفلسطينية وكيان العدو "الإسرائيلي".

عند وصول التظاهرة إلى طريق المطار، تعرّض المتظاهرون لإطلاق نار من الجيش اللبناني، ما أدى إلى استشهاد تسعة متظاهرين، من بينهم صبيتان.

بعد المجزرة ثارت ثائرة أنصار حزب الله، ودعوا شورى الحزب إلى اتخاذ قرار بالانتقام، لكن سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، خطب في الجموع، وقال: "ستقاتلون، ولكن أسياد هؤلاء"، ورأى سماحته "أنّ إطلاق النار على العزّل على طريق المطار كان يهدف إلى إشعال حرب داخليّة يعرفون كيف تبدأ ولا يعرفون كيف تنتهي"، مضيفاً: "لقد كانت محاولة لخلق شرخ داخلي وقد تخطّيناها بحكمة وصبر، وأخذنا أكثر المواقف شجاعة في تاريخ الحزب، لأنّ أسهل الأمور كانت إعطاء الأوامر بالردّ، ولكننا أبينا وارتضنيا حمل الجراح".

بعد هذه المجزرة، ونتيجة أمور كثيرة، توطدت العلاقة بين حزب الله والجيش اللبناني، وصولاً إلى الثلاثية التي لطالما نوّه بها السيد نصر الله "جيش، شعب، مقاومة".

الحادثتان المذكورتان دلّتا على حكمة قيادة حزب الله، وقدرته على مسك شارعه حين الغضب، في دلالة على الصبر والبصيرة لدى هذه القيادة، الصبر والبصيرة، الكلمتان اللتان ستتكرّران كثيراً بعد ذلك على ألسنة قادة حزب الله.

في 5 أيار/مايو من عام 2008، وبتحريض داخلي وخارجي أصدرت حكومة فؤاد السنيورة قراراً ورد فيه أنّ "شبكة الاتصالات الهاتفية التي أقامها حزب الله غير شرعية وغير قانونية وتشكّل اعتداء على سيادة الدولة والمال العامّ". وقرّرت الحكومة أيضاً إقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير.

خلافاً للحادثتين السابقتين، مجزرة فتح الله ومجزرة طريق المطار، وعلى الرغم من الدماء التي أريقت فيهما، من دون أن يتحرّك حزب الله على الأرض، تحرّك حزب الله بعد قرار الحكومة، لأنه "كان هناك مخطط... وكان المشروع هو أخذ بيروت إلى فتنة مذهبية تستمر لأسابيع يتمّ على أساسها استدعاء قوات من الخارج بذريعة إيقاف تلك الحرب"، كما أكّد السيد حسن نصر الله، ذاكراً أنّ القرار الحكومي "استلزم السهر للفجر، والاتصال من داخل مجلس الوزراء بالسعودية ومصر وأميركا وفرنسا وآخرين، وهذا لم يعد سراً".

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد نصر الله في 8 أيار/مايو، أوضح سماحته أنّ "تفكيك شبكة اتصالات حزب الله بمثابة إعلان حرب من قبل الحكومة على المقاومة وسلاحها لمصلحة أميركا وإسرائيل وبالنيابة عنهما". 

ماذا نستنتج من الأحداث الثلاثة؟

لقد امتصّ حزب الله حادثتي مجزرة فتح الله ومجزرة طريق المطار، لأنّ الهدف البعيد كان الحفاظ على السلم الأهلي اللبناني، وعدم التورّط في معارك داخلية سواء مع الجيش السوري أو الجيش اللبناني، ولا سيما أنّ الحادثتين رغم قسوتهما لم تشكّلا تهديداً لوجود حزب الله ومقاومته ودوره.

أما في أيار/مايو 2008 فقد طال التهديد أحد أسلحة المقاومة الإسلامية الهامّة، وهو شبكة اتصالاتها الداخلية، التي كانت من أسباب انتصار المقاومة في حرب تموز 2006. هذا السلاح يقول السيد نصر الله عنه: "سلاح الإشارة ليس سلاحاً ملحقاً هذا أهم سلاح في أيّ معركة، هو جزء أساسي وجوهري بل هو الجزء الأول في منظومة القيادة والسيطرة التي هي العامل الأول في أيّ نصر والعامل الأول في إدارة أي معركة".

في 7 أيار 2008 نزل حزب الله ببعض عناصره، ليس للقيام  بانقلاب ولا للسيطرة على الدولة، كما قال السيد نصر الله، مضيفاً أنّ المخرج من الأزمة هو في إلغاء القرارات والعودة إلى طاولة الحوار.

في 5 آب/أغسطس 2025 أقرّ مجلس الوزراء اللبناني في جلسته التي عقدها في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون "تكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي..."، انصياعاً لورقة الأميركي توم برّاك.

في حال حاولت الحكومة اللبنانية المباشرة بحصر السلاح، ماذا سيفعل حزب الله؟

في عام 2008 لم يكن محتلّاً من الجنوب سوى مزارع شبعا وبعض النقاط الأخرى، ولم يكن الخطر "الإسرائيلي" كما هو اليوم.

اليوم يريدون حصر السلاح في ظلّ احتلال "إسرائيلي" للجنوب، مع اعتداءات يومية، قتلاً وتدميراً، وهذا الوضع أخطر بكثير من خطر التهديد "الإسرائيلي" في عام 2008، اليوم قرار  الحكومة ضدّ سلاح حزب الله، هو تواطؤ على سلاح الشعب وأساس قوّته الوحيد، حاليّاً، فإن تحرّك الحزب في الداخل سيتحرّك للحفاظ على سلاحه، وهو التحرّك الذي تلجأ إليه عند الضرورة أيّ مقاومة من المقاومات، لأنها صاحبة الشرعية الشعبية.