رفع العقوبات عن سوريا: أكثر من إعلان نوايا وأقل من قرار

ما مدى فعالية القرار المعلن من ترامب؟ وهل يكفي إعلان رفع العقوبات أم أن هناك مسارات يجب اتخاذها من الإدارة الأميركية، وشروطاً يجب تطبيقها من الإدارة السورية؟

  •  يأتي إعلان ترامب بمنزلة أقل من قرار تنفيذي وأكثر من مجرد إعلان نوايا.
    يأتي إعلان ترامب بمنزلة أقل من قرار تنفيذي وأكثر من مجرد إعلان نوايا.

جاءت زيارة رئيس الولايات المتحدة الأميركية، دونالد ترامب، إلى الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية، بمنزلة زيارة تاريخيّة هي الثانية له في حياته الرئاسية، ففي وقت تتقلّب موازين المنطقة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وسيطرة "إسرائيل" على قطاع غزة وجنوب سوريا، والضربة القاسية التي وقعت على محور الممانعة في حرب لبنان الأخيرة وانخراط إيران في مفاوضات مع الإدارة الأميركية، لم يغب الرجل (ترامب) النشيط يوماً عن الإعلام منذ توليه منصبه الرئاسي، وهو المتسارع في اتخاذ القرارات الداخلية والخارجية واستقباله الرؤساء والشخصيات الدولية، جاء دوره ليتم استقباله في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، حاصداً استثمارات جديدة قدّرت بـ 4 تريليون دولار.

إضافة إلى الاستثمار المالي، معطوفاً على الاستثمار السياسي، وجّه ترامب رسائل إلى إيران وفق سياسة العصا والجزرة، إذ قال إنه قريب من الاتفاق مع إيران وسعيد برؤيتها مزدهرة، وفي الوقت نفسه، قدّم استثمارات عسكرية للسعودية بقيمة تتجاوز 150 مليار دولار، ولمّح إلى الاستعداد لاستخدام القوة العسكرية ضدها، إذا لزم الأمر.

وأما الاستثمار السياسي الآخر فقد جاء كهدية لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إذ أعلن من قلب السعودية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ 14 عاماً، واستدعاء الرئيس السوري إلى السعودية للجلوس مع ترامب بحضور الأمير محمد بن سلمان، وقد أعرب ترامب عن إعجابه بالشرع، وقال إن له ماضياً بطولياً، ولكن يبقى الماضي على المحك، إذا التزم الشرع بالتعليمات كافة.

إلا أن عملية رفع العقوبات جاءت بطريقة مباشرة وغير متوقعة بالشكل الذي حدث، فعلى الرغم من سقوط نظام الأسد، لم تسقط العقوبات المفروضة عليه وعلى سياسييه، والشرع لم يصل إلى الحكم من خلال عملية ديمقراطية كما كانت ترغب أميركا، بل كان عدواً ومصنفاً إرهابياً من قبل الأميركيين، ولكن دخول الأمير محمد بن سلمان في وساطة بين الطرفين بزخمه المالي الذي يرضاه ترامب قبِل برفع العقوبات والجلوس معه وإعلان اللقاء بمنزلة التطبيع بين أميركا وسوريا. "إنه اللقاء التاريخي"، جاء الإعلان وهو أول اجتماع رسمي بين رئيسي البلدين منذ 25 عاماً، حيث أوضح ترامب أن القرار يهدف إلى منح سوريا فرصة جديدة بعد سنوات من الحرب والعزلة، مشيراً إلى أن الشعب السوري تحمّل ما يكفي من الكوارث والحروب والقتل.

ولكن، ما مدى فعالية القرار المعلن من ترامب؟ وهل يكفي إعلان رفع العقوبات أم أن هناك مسارات يجب اتخاذها من الإدارة الأميركية، وشروطاً يجب تطبيقها من الإدارة السورية؟

في الحقيقة، يأتي إعلان ترامب بمنزلة أقل من قرار تنفيذي وأكثر من مجرد إعلان نوايا، فقبل الرفع الكامل للعقوبات، قدمت الإدارة الأميركية قائمة شروط لسوريا، تضمنت: تدمير ما تبقى من الأسلحة الكيميائية التي كانت بحوزة النظام السابق، إضافة إلى ما دمّرته "إسرائيل" من الجيش السوري، وكذلك طلبت التعاون الواسع في مكافحة الإرهاب والتخلص من الجماعات المسلحة في سوريا، المحلية منها والأجنبية، بما فيها الفصائل الفلسطينية، وقد اشترطت الإدارة الأميركية منع تولي المقاتلين مناصب حكومية عليا نهائياً، وإلا ستنزل بهم عقوبات جديدة، إضافة إلى العمل والمساعدة في تحديد مصير الصحفي الأميركي أوستن تايس.

هذا ما أعلنته رسمياً الإدارة الأميركية كشروط لرفع العقوبات، والأهم من ذلك، ما أخفاه ترامب في طيّات خطابه تجاه سوريا، وهو انضمام سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، أي التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهذا ما أراد به ترامب ترضية لنتنياهو الذي كان رافضاً للإعلان ولم يزل.

أبرز العقوبات المفروضة على سوريا "قانون قيصر" الذي استهدف كل من يتعامل اقتصادياً مع الحكومة السورية السابقة، والشركات والأفراد المشاركين في مشاريع إعادة الإعمار، والجيش السوري والداعمين له، مثل روسيا وإيران فكان تأثيره: تجميد أموال وحظر سفر ومنع التعامل مع النظام المصرفي الأميركي، وردع المستثمرين الأجانب عن العمل في سوريا. كما فرضت عقوبات على قطاع الطاقة، أي حظر تصدير المنتجات النفطية والمعدات النفطية إلى سوريا، وتجميد أصول شركات طاقة سورية وأجنبية تتعامل مع النظام.

وكذلك عقوبات على القطاع المصرفي، أي منع المصرف المركزي السوري من التعامل مع النظام المالي الأميركي، وتجميد أصول المصارف العامة والخاصة المرتبطة بالنظام.

أما عقوبات الاتحاد الأوروبي فشبيهة بالعقوبات الأميركية، وتشمل: حظر تصدير السلاح، تجميد أصول أكثر من 250 شخصية و70 كياناً سورياً، وقيوداً على السفر والتجارة. وهناك عقوبات دولية أخرى مثل كندا، أستراليا، سويسرا التي فرضت عقوبات مشابهة فبعضها التزم بالعقوبات الأميركية أو الأوروبية، خاصةً في ما يتعلق بالشركات والبنوك.

أدت هذه العقوبات إلى انهيار كبير في الاقتصاد السوري، وانخفاض قيمة الليرة السورية، وتدهور الخدمات الأساسية (الكهرباء، الوقود، الطبابة)، فضلاً عن صعوبة في استيراد الغذاء والدواء، وتقييد إعادة الإعمار.

إذا تم رفع العقوبات بشكلها التنفيذي الجدي بعد مرورها في الكونغرس الأميركي، يُتوقع أن يفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الدولية، ما قد يسهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري والبنية التحتية المدمرة. ومع ذلك، فإن تنفيذ القرار قد يستغرق وقتاً بسبب التعقيدات القانونية والإدارية المرتبطة بالعقوبات السابقة، مثل "قانون قيصر"، ولكن تُعدّ هذه الخطوة تحوّلاً كبيراً في السياسة الأميركية تجاه سوريا، وقد تكون لها آثار بعيدة المدى على التوازنات الإقليمية والدولية.