قمة الجزائر.. عودة دبلوماسيّة ورمزيّة نوفمبر التاريخيّة

من المتوقع أن تكون القمة العربية في الجزائر من أكثر القمم تعقيداً، نظراً إلى الظروف الاستثنائية التي ستقام فيها.

  • قمة الجزائر.. عودة دبلوماسيّة ورمزيّة نوفمبر التاريخيّة
    قمة الجزائر.. عودة دبلوماسيّة ورمزيّة نوفمبر التاريخيّة

تعود القمة العربية إلى الجزائر بعد 17 سنة من الغياب، ضاربةً موعداً جديداً للقضايا العربية، يحركه طموح العودة إلى سابق عهدها بصفتها قوة إقليمية لها كلمتها المسموعة، والتاريخ يشهد على مساهمتها في حلّ عدة أزمات كانت ستؤدي إلى معضلة أمنية حقيقية تتجاوز حدود الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على غرار نجاحها في إطلاق الرهائن الأميركيين الذين احتُجزوا في إيران من 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1979 إلى 20 كانون الثاني/يناير 1981، بعد فشل جميع الحلول الدبلوماسية والأمنية، ولم تكن الدولة الجزائرية وقتها تتجاوز بعد الاستقلال عمر 20 سنة، فضلاً عن غيرها من المواقف في العديد من المناسبات، وصولاً إلى احتضانها القمة العربية للمرة الرابعة في تاريخها بعد سنوات 1979 و1988 و2005، لتكون غرّة تشرين الثاني/نوفمبر 2022 تاريخ انعقادها.

الأول من نوفمبر: أيّ رمزية تاريخية!

وافق وزراء الخارجية العرب بتاريخ 9 آذار/مارس 2022 بالإجماع على مقترح أعدته الجزائر يدعو إلى عقد القمة العربية الحادية والثلاثين في الفاتح في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد القرار الذي أطلقه رئيس الجمهورية الديمقراطية الشعبية عبد المجيد تبون، لما يحمله هذا التاريخ من رمزية في قلوب الجزائريين الذين سيحتفلون بالذكرى الثّانية والستين لاندلاع ثورة التحرير 1954.

يؤكد هذا التاريخ مدى حرص الجزائر على أن تكون قبلة الدبلوماسية العربية، مثلما كانت قبلة الثوار في كل العالم ورائدة حركات التحرر وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، كما تؤكد من خلال هذا التاريخ أنها تتذكر الماضي، ولم تنسَ أبداً وقوف أشقائها العرب، حكّاماً وشعوباً، معها في ثورتها للتحرر من الاستعمار ومؤازرتها، وهي ستوحّدهم في القضايا المشتركة كما وحّدتهم في قضيتها سابقاً، وخصوصاً بعد كشف النظام العالمي عن تهديدات أمنية واقتصادية من شأنها أن تدخله في أزمة جديدة، ولا سيما أنه ما زال يعاني تبعات جائحة كورونا. 

جاء هذا التاريخ بعد الجولة التي قام بها رئيس الجمهورية تبون لعدد من الدول العربية، مثل قطر والكويت، آملاً أن يكون تشرين الثاني/نوفمبر فجر الدبلوماسية الجزائرية الجديدة، بعد أن كان فجر ثورتها، وأن تستطيع الجزائر تحريك دوائرها الجيو-دبلوماسية، وخصوصاً الدائرة العربية، بعد تحريك الدائرة الأفريقية عندما استعادت نشاطها ودعت إلى استراتيجية فعالة وشاملة لمواجهة الإرهاب في أفريقيا خلال الاجتماع الوزاري لمجلس السلم والأمن الاتحاد الأفريقي بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، كما أسّست الجزائر مع إثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا تكتلاً على هامش قمة بروكسل للاتحادين الأوروبي والأفريقي "G4"، للتشاور والتنسيق من أجل حلول عملية وفعالة لمختلف القضايا التي تواجه القارة. ومن المحتمل أن يحمل هذا التكتل اسم "ANES".

مخرجات القمة المرتقبة 

من المتوقع أن تكون القمة العربية في الجزائر من أكثر القمم تعقيداً، نظراً إلى الظروف الاستثنائية التي ستقام فيها، ذلك أنَّ العالم لم يكد يخرج من جائحة كورونا ليدخل في حرب روسيا أوكرانيا. ومع ذلك، ستكون هذه القمة مرتكزة على محورين رئيسين؛ القضايا الدولية والقضايا الإقليمية.

القضايا الدولية

 ستكون جائحة كورونا أول الملفات المطروحة للنّقاش في القمة العربية، وسيتم التشاور في الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة، والتنسيق في كيفية تجاوز تبعاتها على المستويين الصحي والاقتصادي، وتفادي تكرار سيناريو السنوات السابقة، حين عانى العالم كابوساً لمدة تجاوزت السنتين، ولكنه بدأ يتعافى تدريجياً في ظل تراجع مؤشرات الإصابات والوفيات، على الرغم من أنَّ دول العالم العربي كانت أقلّ تضرراً مقارنة بالعديد من الدول والأقاليم في العالم.

  ستمثل الحرب الروسية الأوكرانية أهمّ نقاشات القمة، حتى لو انتهت، فتداعياتها ستبقى متواصلة إلى حين موعد القمة. سيتباحث قادة الدول العربية في كيفية تجاوزها والحؤول دون تكرارها، حتى لا يزداد الوضع العالمي تأزماً، إذ أثرت هذه الحرب في الاستقرار العالمي، وأصبحت تهدد السلم والأمن الدوليين، إثر رفع روسيا مستوى الردع النووي. هذا على المستويين السياسي والأمني.

على المستوى الاقتصادي، ستمثل أسعار النفط والغاز أولوية بالنسبة إلى الدول العربية، في ظل توقعات بتجاوز البرميل عتبة 160 دولاراً في حال استمرار الوضع على ما هو عليه. أما النقطة الأخرى، فستتعلق بالأمن الغذائي.

لقد بيّنت الحرب في أوكرانيا أن الأمن الغذائي أصبح ضرورة ملحّة بالنسبة إلى الدول في بعض المحاصيل التي تصنف محاصيل استراتيجية، مثل القمح والذرة. لذلك، من المتوقع أن تدرس القمة إمكانية التعاون البيني لتطوير الزراعة في دول المنطقة.

القضايا الإقليمية

من أهمّ القضايا الإقليمية التي يرتقب أن تكون حاضرة على مستوى القمة، هو الملف الليبي، إذ ستحاول الجزائر توحيد الرؤى حول ضرورة تبني الحل الليبي - الليبي، ورفض أي تدخل خارجي من شأنه تعطيل مسار الانتخابات الرئاسية التي لن تجرى على الأرجح قبل القمة، وتوحيد الفرقاء الليبيين.

ومن المرجّح أن تؤكد القمة وحدة ليبيا، وتدعو إلى توفير كلّ السبل لاستقرارها. ومن بين القضايا التي ستطرح خلالها توحيد المواقف إزاء الشعوب التي تسعى لنيل استقلالها، وتوفير المناخ اللازم لها في مسيرتها نحو التحرر.

 من جهة أخرى، لن يغيب البعدان الاقتصادي والاستثماري عن القمة بالتركيز على إعادة إعمار ليبيا، وتبادل الخبرات التكنولوجية، وزيادة الاستثمارات المتبادلة لمواجهة التحديات والتهديدات التي سيعرفها النظام العالمي مستقبلاً، وعلى رأسها كل ما يتعلق بالغذاء والبيئة.

هل تستطيع الجزائر التغلّب على تحديات القمة المرتقبة؟

توحي أغلب المؤشرات بأن القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر مختلفة عن سابقاتها، إلا أنها لن تخلو من بعض التحديات التي يجب تجاوزها من أجل إنجاحها، فقد تم تأجيلها بعد أن كانت ستُعقد شهر آذار/مارس 2022، ما وضع الدبلوماسية في إحراج أدخل الشكّ في مكانةٍ ظهرت كأنها خسرتها، لكنّ الحكمة اقتضت تأجيلاً يليه نجاح، وهو خير من تعجيل يأتي بفشل.

هناك 3 تحديات تواجه الجزائر لإنجاح قمتها المرتقبة؛ التحدي الأول سيكون مشاركة المملكة المغربية من عدمه بعد التصعيد الأخير بين الرباط والجزائر على المستوى الاقتصادية بقطع الغاز عن الأولى، وتحذير إسبانيا من تزويدها بها، ودبلوماسية خفض العلاقات، وإغلاق المجال الجوي الجزائري، وسبقه سباق تسلّح حذّرت منه دول عدة، مثل الولايات المتحدة الأميركية. كما أنَّ غياب المغرب سيثير حفيظة الممالك العربية التي ستسعى لضمان مشاركته عن طريق وساطة محتملة تقودها المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو تكون ثلاثية بإضافة قطر.

 أما التحدّي الثاني، فهو قضية الصحراء الغربية، فحتى لو نجحت الدول العربية في كسر الجليد بين الجزائر والمغرب، وحثّ الأخيرة على المشاركة في القمة، ستفشل هذه الدول في إيجاد حل لقضية الصحراء الغربية، فالمغرب يراها خطاً أحمر غير قابل للتفاوض، والجزائر ستستغل انعقاد القمة على أرضها لإعطاء هذه القضية زخماً واستمالة الدول العربية من أجل كسبهم في صفّها، وهذا في الغالب لن يحدث. 

الملفّ السوري هو آخر تحديات القمة، فالجزائر تسعى لإعادة دمشق إلى الجامعة، ويبدو أنَّ هذا السبب كان من أهم نقاط التأجيل، ويبدو أيضاً أنَّ الجزائر استطاعت إقناع الدول الأعضاء بإعادة سوريا، فالمعروف عن دبلوماسية الجزائر الرصانة والحنكة، وهي لن تدخر أيّ جهد لإعادتها إلى الجامعة، لكن ذلك سيكون مشروطاً بقبول باقي الأعضاء وقدرة الأسد على استغلال الفرصة التي ستتاح له، وهو الذي غاب عنها منذ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، بعد تعليق عضوية بلاده.

وفي حال مشاركة سوريا، سيكون ذلك من أهمّ انتصارات الدبلوماسية الجزائرية، وسيعطيها مصداقية كبيرة، ليس في الدائرة الجيو-دبلوماسية العربية فحسب، بل سينتقل التأثير إلى باقي الدوائر أيضاً، كالدائرة الأورومتوسطية والعالم الإسلامي، وستضاف هذه الخطوة إلى تاريخ الدبلوماسية الجزائرية المشرف.