لهذه الأسباب صوّت الروس لصالح بوتين

عمل الرئيس بوتين طوال سنوات حكمه إلى الآن على إجراء العديد من الإصلاحات شملت الاقتصاد والإدارة والجيش والأمن، مستفيداً من الطفرة النفطية التي تحقّقت في السنوات الأولى لحكمه.

  • الانتخابات الرئاسية الروسية 2024.
    الانتخابات الرئاسية الروسية 2024.

قد يبدو عنوان المقال مستفزّاً، خصوصاً لأولئك الذين لا يُحَبِّذُونَ طريقة بوتين في إدارة شؤون روسيا وفي العالم، لكن الواقع يقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فاز بالانتخابات الرئاسية بنسبة كبيرة مبتعداً بفارق كبير عن منافسيه، ما يمهّد لولاية رئاسية خامسة تمتدّ لست سنوات كما هو منصوص عليه في المادة 81 من دستور جمهورية روسيا الاتحادية الذي جرى تعديله في العام 2020. 

كما عرفت هذه الانتخابات مشاركة سكان أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك لأول مرة، منذ انضمامهما إلى الاتحاد الروسي بموجب استفتاء أجري في أواخر العام 2022 واعتبارهما جزءاً من تراب الأخير، بعد انفصالهما عن أوكرانيا في السنة نفسها.  

قد يقول قائل، إن هذه الانتخابات كانت محسومةً سلفاً ومشكوكٌ في نزاهتها بداعي سيطرة الدّولة الروسية على  وسائل الإعلام، والمنع الذي طال بعض المرشحين كي لا يخوضوا هذا الاستحقاق الانتخابي، وهذا القول مردود عليهم، لأنه حتى لو أجريت الانتخابات الرئاسية الروسية وفقاً لمعايير الديمقراطية الغربية، فالفوز حتماً كان سيكون حليف بوتين ليس بسبب عدم وجود منافسين حقيقيين له كما يزعم البعض، بل بسبب الشعبية الكبيرة التي بات يحظى بها بوتين لدى الشعب الروسي، إذ تشير آخر الإحصائيات إلى أن شعبية زعيم الكرملين بلغت نحو 82%، بينما عبّر 81% عن ثقتهم فيه، وفق آخر استطلاع  أجرته مؤسسة "الرأي العام" (فوم)، في الفترة من 16 إلى 18 شباط/فبراير 2024 بين مواطني روسيا الاتحادية، بحسب وكالة نوفوستي. 

ربما يجهل الكثيرون ثقافة وعقلية الشعب الروسي، فهو شعب قومي حتى النخاع معتز بتاريخ بلاده المجيد، عُرِفَ عنه التفافه حول قادته في أوقات الحروب والأزمات دفاعاً عن وطنه، وهو فخور بزعمائه الذين حكموه وصنعوا مجده، بدءاً من القيصر بطرس الأكبر - باستثناء يلتسين - إلى الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، الذي لا يختلف عن أسلافه من هؤلاء الزعماء الروس، بل ويتفوّق عليهم بخاصية فريدة، ألا وهي قدرته على إعادة بثّ الروح في روسيا، حيث جعلها مُهَابَةً من طرف القوى العظمى بعد أن ظنّ الغرب أنها انتهت ولن تعود كما كانت، وهي سابقة في التاريخ السياسي للدول الكبرى، إذ إنّ كلّ القوى العظمى التي اندثرت أصبحت أثراً بعد عين والأمثلة كثيرة.  

كما أن الرئيس فلاديمير بوتين وبخلاف العديد من قادة العالم الذين يتشدّقون بالديمقراطية، ولا يعملون بها، لم يَدَّعِ يوماً أنه يتبنّى الخيار الديمقراطي وفق النمط الغربي، ففي رسالة وجّهها في 25 نيسان/أبريل من العام 2005 إلى المجلس الفيدرالي، قال فيها "إن روسيا دولة تصون قيمها الخاصة وتحميها، وتلتزم بميراثها وطريقها الخاص نحو الديمقراطية". 

عندما تسلّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئاسة جمهورية روسيا الاتحادية في 31 كانون الأول/ديسمبر 1999، خلفاً للرئيس الراحل بوريس يلتسين، كانت البلاد تعيش على وقع ظروف جد كارثية على جميع الصُّعُد، حيث الاقتصاد منهك بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة التي نهجها يلتسين وفريقه، التي أزّمت الوضع المعيشي للشعب الروسي، والفلتان الأمني الناتج عن عربدة المافيات الإجرامية في الشوارع، حيث أصبح المواطن الروسي يعيش حالة القلق والرعب، زد على ذلك كانت ديون روسيا الخارجية قد وصلت لمستويات قياسية، والتي كان لها الأثر السلبي في انكفاء روسيا على نفسها.

لذا عمل الرئيس بوتين طوال سنوات حكمه إلى الآن على إجراء العديد من الإصلاحات شملت الاقتصاد والإدارة والجيش والأمن، مستفيداً من الطفرة النفطية التي تحقّقت في السنوات الأولى لحكمه، وكان لها الأثر الإيجابي على الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني للبلاد، الشيء الذي سمح بعودة روسيا إلى سابق عهدها كقوة عظمى مؤثّرة في مجرى السياسة الدولية، متطلّعة إلى مقارعة النفوذ الغربي من خلال تبنّي زعيم الكرملين مجموعة من المبادئ – سمّيت مبدأ بوتين - في سياسته الخارجية التي أعلن عنها في حزيران/يونيو 2000، تضمّنت في بنودها التسعة، استعادة الدور الروسي في السياسة الدولية وعدم تهميشه من طرف الغرب، العمل على تطوير نسق دولي متعدّد الأقطاب، عدم السماح للولايات المتحدة بالتفرّد بتقرير مصير العالم لوحدها، والحفاظ على روسيا كقوة نووية عظمى. 

كما أن الرئيس بوتين أعاد أراضي جمهورية القرم التي كانت تاريخياً جزءاً من روسيا قبل أن يقتطعها الرئيس السوفياتي الراحل ذو الأصل الأوكراني نيكيتا خروتشوف ويضمّها إلى أوكرانيا في العام 1954 بداعي تعزيز رابطة الأخوّة بين الروس والأوكرانيين، بعد التداعيات الجيوسياسية الخطيرة على الأمن القومي الروسي، الناجمة عما سُمِّيَ بالثورة البرتقالية التي قامت بها القوى اليمينية المتطرفة والنازية التي أطاحت بالرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش بدعم سافر من الدول الغربية، علاوة على ضم أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك إلى الاتحاد الروسي بعدما كانت خاضعة سابقاً لسلطات كييف. 

ورغم الحرب الدائرة حالياً بين روسيا والغرب في أوكرانيا، والعقوبات الشاملة التي فرضها الغرب على موسكو، إلا أن ذلك لم يمنع الاقتصاد الروسي من تحقيق النمو، حيث صرّحت مؤخراً الممثّلة الرسمية لصندوق النقد الدولي جولي كوزاك قائلةً "لقد فاجأنا الاقتصاد الروسي حقاً بقوّة نموه، ومن الواضح أن روسيا لديها الآن اقتصاد حرب، ويرجع ذلك إلى وجود قدر كبير من الإنفاق العسكري في الاقتصاد، مما يساهم في نمو الاقتصاد الروسي". 

وهو ما أكده الرئيس بوتين في اجتماع حكومي قبل أيام بأنّ بلاده حقّقت نمواً بلغ 4.6% مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية التي حقّق فيها الاقتصاد الروسي نمواً بلغ 3.5%، وهذا يدل على الحنكة التي يدير بها الكرملين صراعه مع الغرب.

وأيّاً كان الأمر، فروسيا بقيادة بوتين، لا تتحرّك وإن كانت تعرج، كما قالت الكاتبة الروسية ليليا تشيفستوفا في كتابها "روسيا بوتين" بل تتحرّك بخطى ثابتة ومتأنّية للوصول إلى أهدافها لأنّ الروس يعرفون ماذا يريدون، لهذه الأسباب صوّت الشعب الروسي لصالح الرئيس فلاديمير بوتين.