متى سيردّ حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية؟
حزب الله في سباق مع الزمن قبل أن تبدأ حرب أخرى لا مفر منها، الواقع الجديد الذي فرضته "إسرائيل" في لبنان هو واقع صعب لا ترضى به بيئة المقاومة لأنها تعوّدت على المعادلات التي كرّسها حزب الله قبل حرب 2024.
-
ما الخيارات والسيناريوهات المطروحة أمام حزب الله؟ (أرشيف).
بعد الحرب الشرسة التي خاضها حزب الله، والتي فقد فيها الكثير من قياداته، تم إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، واستمر وقف إطلاق النار إلى ما يقارب الثلاثة أشهر، وخلال هذه الفترة، استباح العدو الإسرائيلي الأرض والسماء اللبنانيتين ونفذ الكثير من التفجيرات في الجنوب اللبناني، فضلاً عن الكثير من الغارات الجوية في أنحاء مختلفة من لبنان.
كان يظن البعض أن هذه الخروقات قد تقتصر على فترة وقف إطلاق النار، ولكن استمرارها إلى ما بعد فترة وقف إطلاق النار يجعلنا أمام معادلة جديدة يفرض فيها الإسرائيلي نفسه حراً بالتصرف والتدخل متى ما شاء في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
هذا الواقع الجديد يبيّن انتهاء قدرة الردع التي كان يمتلكها حزب الله، وبالتالي يجب على حزب الله أن يكسر هذه المعادلة إذا ما أراد أن يغيّر الواقع الجديد.
ولكن، ما الخيارات والسيناريوهات المطروحة أمام حزب الله؟
إذا قام حزب الله بأي عمل عسكري معلن أو غير معلن فإن ردة الفعل الإسرائيلية ستكون قوية بلا شك، كما حدث بعد واقعة إطلاق صواريخ مجهولة المصدر من جنوب لبنان، وقد ترقى ردة الفعل الإسرائيلية إلى مستوى حرب مفتوحة، وهذا هو الهاجس الأساسي لدى حزب الله.
ففي حال وقعت الحرب، فإن الحكومة اللبنانية المدعومة أميركياً، والتي تصرّ على الحل الدبلوماسي ستوجّه أصابع الاتهام إلى حزب الله بإفشال المسار الدبلوماسي، وترفع الغطاء السياسي عن حزب الله وتتنصل من مسؤولياتها اتجاه المهجرين من الجنوب والبقاع والضاحية الذين ستكون هجرتهم في هذه المرة أصعب من المرة الماضية؛ نظراً للتغييرات السياسية في سوريا ولبنان.
ومن ناحية أخرى، فإن خط الإمداد المقطوع عن طريق سوريا هو معطى آخر يأخذه حزب الله بعين الاعتبار في الوقت الذي يخوض فيه معركة داخلية لتنظيم الصفوف وإعادة ترتيب الهيكلية، وكشف الخروقات الأمنية التي سبّبت له الكثير من الخسائر في الحرب الأخيرة، فمن غير المنطقي خوض حرب جديدة قبل تقييم المرحلة السابقة وسد الثغرات.
بناءً على ذلك، لا يوجد أمام حزب الله حلّ سوى العمل سريعاً على تراكم القدرات المتوفرة في المرحلة الحالية، وتقوية نفسه قبل بدء حرب جديدة، وهو ما يعمل عليه الحزب، فالاستهدافات في الجنوب والبقاع تدل على أن حزب الله ما زال يعمل على تقوية قدراته ومراكزه في تلك المناطق؛ تحسباً لأي طارئ، والعدو الإسرائيلي يدرك أيضاً أنه لا يستطيع أن يفتح المجال ويعيد غلطته السابقة بعد حرب تموز 2006 بإفساح المجال لحزب الله أو أي قوة أخرى أن تراكم قدرات تهدد أمنها.
لذلك، يستفيد العدو أيضاً من هذه الفرصة لترتيب أوراقه وإنعاش "جيشه" وترسانته في الوقت الذي تضغط فيه أميركا على الداخل اللبناني كي ينزع سلاح حزب الله، وهو أمر يبدو صعب المنال بالحد الأدنى في الوقت الراهن، ولكنه الخيار الدبلوماسي الوحيد الذي ترضى به الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل".
ولكن، في حال حتمية فشل هذا المشروع، لا شك بأن "إسرائيل" ستتدخل لإزالة هذا التهديد، والذي هو نسبياً في أضعف موقع له منذ 20 سنة، فالأرضية مهيأة أكثر مما مضى بوجود الدعم الأميركي غير المسبوق تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، والضغوط الدولية غير المجدية التي قد ترى "إسرائيل" أنها لن تتعدى المستوى الذي وصلت إليه خلال سنة ونصف من العمليات العسكرية والمجازر في فلسطين، لبنان وسوريا.
كل هذه المعطيات تشير إلى أن حزب الله في سباق مع الزمن قبل أن تبدأ حرب أخرى لا مفر منها، الواقع الجديد الذي فرضته "إسرائيل" في لبنان هو واقع صعب لا ترضى به بيئة المقاومة لأنها تعوّدت على المعادلات التي كرّسها حزب الله قبل حرب 2024، ولكن في قراءة المقاومة حالياً فإن القتل والتدمير والاغتيالات التي تحصل الآن كانت ستحصل بشكل أكبر بكثير في حال عدم وجود اتفاق وقف إطلاق النار، وهي مستعدة لدفع هذا الثمن في سبيل شراء وقت لترميم الداخل وتجنيب تهجير المدنيين وقتلهم.
ومن المرجّح أن يمتص حزب الله ويتحمّل جميع الخروقات إلى أن تحدث إحدى الحالتين: الأولى، أن يكون الاعتداء الإسرائيلي متكرراً شاملاً في فترة زمنية قصيرة ويطال مدنيين. في هذه الحالة، تكون "إسرائيل" قد تخطت حدود حزب الله بتجنيب قتل المدنيين وتهجيرهم على نطاق واسع. الحالة الثانية هي إذا ما تم استهداف إيران، سواء من قبل الولايات المتحدة أو "إسرائيل" أو كلتيهما، فعندئذ ستشتعل المنطقة، فإيران لن تترك اعتداء كهذا من دون رد قوي، خصوصاً أنه سبق أن تنازلت موقتاً عن "عملية الوعد الصادق 3" التي تردّدت حينها كثيراً على لسان المسؤولين الإيرانيين ردّاً على العملية الإسرائيلية في 26 تشرين الثاني/نوفمبر، والتي استهدفت منشآت عسكرية ودفاعات جوية مقابل وقف إطلاق النار في لبنان. وقد تكون الفرصة الأمثل لحزب الله للرد على الخروقات وكسر الواقع الجديد مع دخول إيران مرحلة المواجهة المباشرة.
في النهاية، حزب الله لن يبدأ الحرب، ولن يعطي "إسرائيل" ذريعة للقيام بذلك، فهو لا يريد الحرب نظراً لظروفه الداخلية، وضغوط الداخل اللبناني والتغيير في سوريا، ولكن "إسرائيل" ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية لن تقفا مكتوفتي الأيدي لفترة طويلة، ولن تسمحا لحزب الله بإعادة بناء قدرات سياسية وعسكرية تم تدميرها أو تحجيمها في الحرب الأخيرة.