موسكو توجّه رسائل إلى واشنطن على متن سفنها العسكرية الراسية في كوبا

شكل وصول السفن العسكرية الروسية إلى هافانا ردة فعل إيجابية من الجانب الكوبي، إذ ترى الدولة اللاتينية من جانبها الخطوة الروسية هذه المرة مختلفة تماماً، نظراً إلى أهمية السفن الحديثة والقادرة على توجيه رسائل تهديد مباشرة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

  • حفاوة الاستقبال الكوبي بدخول السفن الروسية.
    حفاوة الاستقبال الكوبي بدخول السفن الروسية.

في ذروة التصعيد الروسي الغربي، اتخذت موسكو قراراً بتوجيه مجموعة من السفن الحربية الروسية التابعة للأسطول الشمالي إلى ميناء هافانا الكوبي، وذلك في إطار زيارة غير رسمية ومجدولة من قبل، ما دفع ببعض المحللين والعسكريين التعليق على الخطوة الروسية، التي أعادت إلى الأذهان أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وذلك تزامناً مع تصاعد المواجهة العسكرية بين روسيا والغرب في أوكرانيا.

وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، يوم 12 حزيران/يونيو، عن وصول مجموعة من السفن الحربية الروسية، بينها فرقاطة "الأميرال غورشكوف" والغواصة النووية "قازان" والناقلة البحرية المتوسطة (باشين) والقاطرة العسكرية البحرية (نيقولاي تشيكير) إلى ميناء هافانا الكوبي في جمهورية كوبا، التي ستبقى لغاية 17 حزيران/يونيو المقبل بهدف إجرائها تدريبات على استخدام صواريخ عالية الدقة.

وفي هذا السياق، أكد العقيد المتقاعد في الجيش الروسي، فيكتور بورانيتس، على أن الزيارة الروسية لكوبا هذه المرة تختلف عن سابقاتها كثيراً، موضحاً أن نوعية السفن المتوجهة إلى هناك هي مغايرة تماماً لما كانت ترسله موسكو عادة في السنوات الأخيرة، كاشفاً أن السفن المرسلة تعدّ من أفضل سفن الأسطول الشمالي الروسي، بينها الفرقاطة "الأدميرال غورشكوف" متعددة الأغراض والقادرة على حمل الصواريخ فرط الصوتية وإطلاقها، وتمتلك مجموعة من محطات الرادار القادرة على تتبع جميع أنواع الأهداف، وتمتلك على متنها أنظمة لمواجهة الحرب الإلكترونية الحديثة، وأنظمة التحكم الرقمية. ونوّه بورانيتس بأهمية وجود غواصة "قازان" النووية القادرة على إطلاق جميع أنواع صواريخ كروز الحديثة، وتتميز بخطوط بدن جديدة وأسلحة إلكترونية ومعدات حديثة مطورة.

حفاوة الاستقبال الكوبي بدخول السفن الروسية وتصحيح أخطاء الماضي

شكل وصول السفن العسكرية الروسية إلى هافانا ردة فعل إيجابية من الجانب الكوبي، إذ ترى الدولة اللاتينية من جانبها الخطوة الروسية هذه المرة مختلفة تماماً، نظراً إلى أهمية السفن الحديثة والقادرة على توجيه رسائل تهديد مباشرة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

وبالتالي، في حال حدوث أي تصعيد عسكري، هناك إمكانية أن تقوم السفن الروسية وغواصة "قازان" النووية باستهداف مراكز صنع القرار في واشنطن، لكن يبقى الأهم هو إدراك موسكو أن تصحيح الأخطاء التاريخية الماضية بعدما ارتكبت خطأ استراتيجياً كبيراً بعد سحبها لأنظمتها الصاروخية من كوبا في 16 تشرن الأول / أكتوبر من عام 1962، ما أثار سخط الكوبيين وقتها على السوفيات بعدما شعروا بالإهانة، وامتدت البرودة في العلاقات عشرات السنوات حتى وصول الرئيس بوتين إلى سدة الحكم، الذي تمكّن من إعادة العلاقات الروسية-  الكوبية إلى مجراها الطبيعي.

ولا بد من الإشارة إلى أن تصاعد التوتر الروسي الغربي – الأميركي وتطور الصراع الأوكراني القريب من روسيا دفع بموسكو إلى المناورة وإيجاد سبل أخرى للمواجهة مع واشنطن، وبالتالي فإن عودة الوجود العسكري الروسي إلى كوبا يمثل حاجة هامة بالنسبة إلى موسكو من المنظور الاستراتيجي لتوازن الرعب مع واشنطن، وبالتالي تشكل الخطوة الروسية بطاقة رابحة قوية في اللعبة السياسية العسكرية بالنسبة إلى موسكو القادرة من خلالها على مواجهة التوسع الأميركي ولجمه.

وفي السياق نفسه، يشير الباحث في مركز الأمن الدولي التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ديمتري ستيفانوفيتش، إلى أن هناك تشابهات نسبية للظروف الراهنة مع أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، مؤكداً أن روسيا قادرة من خلال هذه الورقة خلق تهديدات مباشرة للولايات المتحدة، وذلك باستخدام الأسلحة الاستراتيجية غير النووية التي قد تطلقها وتصل الأراضي الأميركية خلال دقائق معدودة في حال تصاعد الصراع وتوسع بين روسيا والغرب في أوكرانيا وامتد إلى داخل الأراضي الروسية.

والجدير بالذكر أن الخطوة الروسية الأخيرة لها مفاعيل إيجابية أخرى أبرزها قدرة موسكو على تعزيز علاقاتها بكوبا ودول لاتينية أخرى صديقة في منطقة البحر الكاريبي، بينها فنزويلا ونيكاراغوا وقد تصل إلى تطوير علاقات مع البرازيل والمكسيك، حيث يمكن لروسيا أن تعقد اتفاقات تمنحها وجوداً عسكرياً في المنطقة.

التخبط الأميركي والمخاوف من عودة "أزمة كوبية" جديدة 

في المقابل، شهدت واشنطن تخبّطاً واضحاً مع وصول السفن الروسية إلى كوبا، حيث بدا ذلك جلياً من خلال التصريحات المختلفة التي أطلقها المسؤولون الأميركيون، وكان من بينها ما أعلن عنه منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، أن واشنطن تراقب من كثب الوضع فيما يتعلق بظهور السفن الحربية الروسية بالقرب من السواحل الأميركية، مؤكداً أن بلاده لا تتوقع "أي تهديد كبير للأمن القومي نتيجة للترتيبات الروسية الكوبية المشتركة".

وفي المقابل، أشارت وسائل إعلام أميركية، يوم 13 يونيو، أن الولايات المتحدة تتعقب السفن الحربية الروسية التي ستصل إلى منطقة البحر الكاريبي، إذ عدّ المسؤولون العسكريون في واشنطن أن روسيا تريد إرسال رسائل قوة وسط تصاعد التوترات بشأن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا.

وفي هذا الصدد، أعلنت قيادة البحرية الجنوبية الأميركية، اليوم 14 حزيران / يونيو، عن إرسال الغواصة الهجومية "يو أس أس هيلينا" إلى خليج غوانتانامو بكوبا، كما شهدت القنوات الأميركية نقاشات عديدة بشأن ظهور السفن الروسية بالقرب من سواحل فلوريدا، حيث توقع بعض المحللين أن تقوم روسيا بإدخال سفنها الحربية إلى الموانئ الفنزويلية واحتمال تعزيز اتفاقات وعقد معاهدات عسكرية بين الدولتين تضمن وجوداً عسكرياً روسياً في منطقة بحر الكاريبي.

وبناءً على ما تقدم، يمكن القول إن روسيا بخطوتها الأخيرة تمارس إجراء عادياً، إذ يحق لجميع الجيوش في العالم إجراء مناورات في المياه الدولية وموسكو غير ملزمة بإخطار الجانب الأميركي بخطواتها ما دامت تحترم القوانين والمعاهدات الدولية، لكن ضمنياً تشكّل هذه الخطوات منطلقاً لمواجهة جديدة بين موسكو وواشنطن وتفعل مجدداً "أزمة كوبية" حديثة في القرن الحادي والعشرين.