هل اقتربت مفاجأة القرن؟

تلويح إيران المشروع بالمادة 10 من اتفاقية الحظر، له ما له، وقد يحمل فاتحة خيارات حتمية أكّدها "نجفي"، وهي المادة ذاتها، التي أتاحت لكوريا الشمالية الانسحاب من الاتفاقية عام 2003.

  •  الوضع الذي اتجهت إليه طهران ما يزال ضمن كل الأطر القانونيّة والسياسيّة (أرشيف).
    الوضع الذي اتجهت إليه طهران ما يزال ضمن كل الأطر القانونيّة والسياسيّة (أرشيف).

في ظلال نار الحرب الإيرانية - الإسرائيلية، تُحضّر معركةٌ من نوعٍ آخر، لكن هذه المرّة ليست بمدى استعداد كل من الطرفين لإمكانية العودة إليها في حال وجدت الأطراف المعتدية على إيران، أنّ هدفها ذا الاتجاه الأعظم: البرنامج النووي، قد باء بفشلٍ شبه كليّ، هذا في تقدير "إسرائيل" طبعاً، لا في تقدير إيران، فهي الأدرى بمدى نجاح العدو في تحقيق أهدافه من عدمه، فالتباين الذي أفرزته أسباب الحرب عليها كفيل بوضعنا أمام تقديرين، تقدير إيران بعد خطوة تعليق العمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقدير الولايات المتحدة في ما بعد أسرع الحروب انطفاءً على يديها، بوساطة عربية، تلقّفت مدار الردع الإيراني، والضرب فيه كسبيل لم يُفصِح عن كل أوراق إيران في الحرب المُستعرة، التي حافظت فيها على قانونية التصرّف غير منجرّة لحماسة الرّد على صيحة الغدر المفاجئة التي تسللت إلى مراكز القرار الأمني والعسكري، وهي بشكلٍ أو بآخر، أي إيران، خلقت معادلة جديدة بعد ردّها على "إسرائيل" سيما خلال اليوم الرابع للحرب، سواء لجهة تدرّج السلاح المُستخدم، أو إدخال المنشآت الاقتصادية للعدو على خطّ النار.

في هذا السياق، أعلن مجلس صيانة الدستور الإيراني موافقته على الخطة التي أقرّها البرلمان بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإلزام الحكومة بذلك، مع إحالة الملف، إلى أعلى هيئة أمنية في البلاد، مجلس الأمن القومي.

فماذا يعني تعليق العمل مع الوكالة؟


لخّصت القيادة الإيرانية سبب التعليق كرّد على هجمات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على سيادة إيران وبنيتها التحتية النووية السلمية.

لفهم النتائج، لا بد من التركيز، على الحوامل القانونية التي استندت إليها إيران، وهي المادتان 4 و 10 من معاهدة "حظر الانتشار النووي"، والمادة 60 من فيينا، والقرار 2231 عام 2015.


فبموجب قرار التعليق، واستناداً إلى المواد سابقة الذكر، يكون بمقدور إيران الآتي:

منع مفتّشي وكالة الطاقة الذرية من الدخول إلى أي منشأة نووية أياً كانت، وهذا يعني بالضرورة، منع أي نشاط تجسسي تقوم به الوكالة، بعد الاتهام الذي وجّهته إيران لغروسي بتقديم تقارير مضللة للوكالة عن نشاطها النووي السلمي، وهي بتقدير الإيرانيين من سرّع في الهجمات الإسرائيلية، والتي لم يلتقِ غروسي في تقييمه لنتائجها مع الإسرائيليين وحتى الأميركيين، ما يخلق حالة ريبة لن يكون حسمها إلا بيد الإيرانيين بعد الإجراء القانوني الذي اتخذه البرلمان.

ثانياً: أن أي عملية تفتيش، وهنا ترك الإيرانيون مؤشراً للتفاوض، تتطلب موافقة مجلس الأمن القومي، الذي بدوره ينسّق العمل ما بين وكالة الطاقة الذرية الإيرانية والوكالة الدولية، وهو ما يجعل الملف النووي بيد أعلى هيئة قرار أمنية، تفتح الباب لتساؤلات عن الهدف الأسمى من ذلك، وهو ما نجده في أحد الاستنادات القانونية المطروحة.

ثالثاً: بالرغم من إجماع الروايات، على "تدمير وإنهاء البرنامج النووي الإيراني"، حمل قرار البرلمان رسالة ضمنية حول مصير البرنامج، فهو مستمر وبشكل متسارع وضمن ما تكفله القوانين الدولية، واتفاقية حظر الانتشار، خصوصاً المادة 4 منها، ما يعني، أن هدف تدميره لم يتحقق - وإن تضرّر - وتلك فرضية قابلة للدراسة.

من جهةٍ أولى، استندت إيران، إلى المادة 60 من فيينا 1969، والتي تتناول "إنهاء المعاهدات أو تعليق العمل بها بسبب انتهاكها"، والمعاهدة انتُهكت فعلياً بسبب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة وعدم إدانتها من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يبرر التصعيد الإيراني.

أيضاً، تركت إيران، من خلال منطلَقين أساسيين، هامشاً تفاوضياً وازناً، وهما: الاستناد إلى المادة 10 من اتفاقية حظر الانتشار، والقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن، إذ يمكن القول، إن مسار المفاوضات، يحتّم على الطرف الآخر احترام التفاهم الذي تمهّد له إيران من خلال هذه الإجراءات، فلا مانع، بموجب المادة 10 من الاتفاقية، الانسحاب منها إذا قررت أن "أحداثاً استثنائية قد أضرّت بمصالحها القومية العُليا، على أن تُخطر الدول الأخرى، ومجلس الأمن قبل 3 أشهر من الانسحاب"، والأهم، القرار 2231، الذي فشلت فيه دول الترويكا الأوروبية، من خلال التهديد مجدداً بتفعيل آلية الزناد، وعدم تعطيل آلية "سناب باك" للعودة التلقائية للعقوبات الأممية، وهو ما يخالف روح القرار سالف الذكر "خطة العمل الشاملة المشتركة" التي تنتهي في أكتوبر المقبل. وكان سفير إيران وممثلها الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) "رضا نجفي"، قد قال: "كان قرار الحكومات الأوروبية الثلاث بالامتناع عن تنفيذ التزامات رفع العقوبات المحددة في الاتفاق النووي في يوم انتقال الاتفاق النووي (8 سنوات) في أكتوبر 2023 عملاً غير قانوني ومثالًا واضحًا آخر على فشلها الكبير في تنفيذ التزاماتها في انتهاك الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231،  نظرًا لأن الدول الأوروبية الثلاث تنتهك بشكل خطير القرار والاتفاق النووي."

المهم، في كلّ ما تقدّم، أن تلويح إيران المشروع بالمادة 10 من اتفاقية الحظر، له ما له، وقد يحمل فاتحة خيارات حتمية أكدها "نجفي"، وهي المادة ذاتها، التي أتاحت لكوريا الشمالية الانسحاب من الاتفاقية عام 2003 قبل تجارب نووية متعددة.

من المؤكد أن الوضع الذي اتجهت إليه طهران ما يزال ضمن كل الأطر القانونيّة والسياسيّة، وهو حمّال أوجه ما بعد تشرين المُقبل، لكن، حتى لو بدأت المفاوضات، سيبقى السؤال الرئيس في حال تضرُر البرنامج النووي، أو تأخُّره، إلى أي مدى؟ وهنا قد تكون مفاجأة القرن