هل فشل الكيان الصهيوني في اختراق وعي الشعب المغربي إعلامياً؟

حلم الكيان الصهيوني بقبول الشعب المغربي له يبقى مثل حلم إبليس في دخول الجنة، وها هو الآن يتحقق، لكن، هل سيستسلم العدو الصهيوني أمام هذا الواقع الذي فرضه عليه المغاربة؟

  • عن  حلم الكيان الصهيوني بقبول الشعب المغربي له (أرشيف).
    عن حلم الكيان الصهيوني بقبول الشعب المغربي له (أرشيف).

لا يمكن إنكار الدور المحوري الذي يؤديه الإعلام في تشكيل الوعي الجمعي للمجتمعات الإنسانية، فهو الأداة القوية والفعّالة في أيدي أصحاب القرار السياسي باعتباره السّلاح الناعم الذي يمكنه من التحكم في توجهات الشعوب، بل وقلب الحقائق وتزييفها، ليعرضها في صورة تبدو وكأنها الواقع الأوحد. 

وفي هذا الصّدد، يقول الزعيم الزنجي الأميركي مالكوم إكس عن الإعلام " إن الإعلام هو الكيان الأكثر قوة على وجه الأرض، لديه القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء وهذه هي القوة، لأنها تتحكم في عقول الجماهير" 

ويؤكد الخبير الفرنسي في الشؤون الاستراتيجية والحرب الإعلامية، فرانسوا جيريه، في كتابه "الحرب الإعلامية" "التضليل هو مشروع سري لتصميم وتصنيع ونشر رسالة مزيفة تهدف إلى خداع المتلقي المستهدف، لإقناعه بالتصرف ضد مصلحته".

لهذا السبب، تخصص العديد من الدول جزءًا كبيرًا من ميزانيتها العمومية للإعلام والدعاية، إيماناً منها بأنهما الأداة الناعمة للوصول إلى عقل الجماهير، سواء داخل البلاد أم خارجها، بهدف سلب وعيها الجمعي أو إعادة تشكيله بما يتماشى مع الأجندات التي يراد تمريرها، ما يسهل اختراقها ومن ثم تطبيق تلك الأجندات لاحقًا.

لم يشذ الصهاينة عن هذه القاعدة، فمنذ نشوء الحركة الصهيونية في العام 1897، جعلوا سلاح الدعاية والإعلام في صلب أولوياتهم.

عبر الترويج لفكرتهم المزعومة عن "الحق التاريخي" لليهود في فلسطين المحتلة كأرض منحها الرب لهم باعتبارهم "شعب الله المختار"، أو للمظالم التي تعرض لها اليهود في العصور الغابرة في أوروبا، خاصة في إسبانيا على يد محاكم التفتيش، أو في ألمانيا تحت الحكم النازي بعد وصول الزعيم أدولف هتلر إلى السلطة، لكسب تعاطف العالم، واستمروا على المنوال نفسه حتى بعد قيام دولتهم على أرض فلسطين، وإلى يومنا هذا.

لذلك، لا نجد غرابة عندما صرّح أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني الإرهابي بن غوريون بعد قيام الدولة الصهيونية قائلاً " لقد أقام الإعلام دولتنا، واستطاع مساعدتنا في الحصول على مشروعيتها الدولية"

ومع توقيع ما يسمى "اتفاقيات السلام" بين الكيان المحتل والبلدان العربية أو ما عرف سابقاً بـ "دول الطوق" باستثناء الجمهورية العربية السورية، وظف الكيان الصهيوني آلته الإعلامية سعياً لتلميع وجهه القبيح لدى شعوب المنطقة، لكن التأثير كان محدوداً جداً لسببين، أولاً، بسبب عدم القدرة على الوصول إلى المشاهدين، وثانياً، الرفض الشعبي الجامح لأي تطبيع مع الصهاينة. 

ومع ظهور الإنترنت و عَبْرَهَا من وسائل التواصل الاجتماعي، أنشأ الكيان الصهيوني العديد من الصفحات عليها، مستعيناً بالذباب الإلكتروني من الصهاينة الذين نشأوا في العالم الإسلامي والعربي، وبعض العناصر المحلية للدفاع عن وجهة نظره، تحت شعار "إسرائيل الجديدة" يُظهرها في صورة الكيان المحب للسلام، وهو الأمر الذي طبّقه لاحقاً في العام 2020 مع توقيع اتفاقية التطبيع بينه وبين المغرب، إذ سارع إلى تبني العديد من الاستراتيجيات مثل توقيع شراكات استراتيجية مع بعض دور الإعلام المحلية، أو المشاركة في المهرجانات الفنية و الثقافية في بعض المدن المغربية من دون أن نغفل فتح مكتب للتلفزيون الصهيوني " i24NEWS". في الرباط والدار البيضاء. 

أضف إلى ذلك، الدعوات التي توجهها بين الفينة والأخرى وزارة الخارجية الصهيونية إلى بعض المثقفين والإعلاميين المغاربة لزيارة تل أبيب الذين تستقبلهم بكل حفاوة وترحاب لدفعهم إلى مدح حسن الضيافة التي لاقوها هناك، إلى درجة أنهم بدأوا بالترويج لأخوّة مزعومة تربط بين الصهاينة والمغاربة، كل ذلك لتلميع الصورة القذرة التي يعرفها العالم. لكن كل هذه المساعي الصهيونية باءت بالفشل الذريع، إذ لم يكن لها أي صدى لدى الشعب المغربي في قبوله التطبيع. لعدة أسباب نوردها على الشكل التالي:

- المناعة التي اكتسبها الشعب المغربي ضد أي محاولة للتطبيع ووعيه الكبير لمخاطره وأهدافه القريبة والبعيدة المدى، لتدمير حاضر ومستقبل الأمتين الإسلامية والعربية من خلال تمزيق نسيجهما الوطني وضرب قيمهما الدينية والثقافية والأخلاقية. 

- العمل الكبير الذي قامت به القوى الوطنية والإسلامية المغربية من خلال تنظيم العديد من التظاهرات المليونية في العديد من مدن المغرب من شماله إلى جنوبه، تنديداً بالمجازر الصهيونية في حق أبناء الشعب الفلسطيني العزّل. 

- الحملات القوية التي قام بها العديد من الناشطين المغاربة المناهضين للتطبيع في مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بمخاطر التطبيع وفضح دسائس الكيان الصهيوني تجاه العالمين الإسلامي والعربي، رغم التضييق الذي تعرضوا له من طرف إدارة هذه المواقع التي سعت إلى حجب الكثير من الصفحات تحت ذرائع واهية مثل مخالفة قواعد المجتمع كمعاداة السامية ونشر الكراهية. 

- الفظاعات التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة التي ترقى إلى جرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي، زادت من حدة كراهية المغاربة لهذا الكيان الإجرامي إلى درجة أن القناة 12 للتلفزيون الصهيوني أوردت في تقريرها مؤخراً "أن كراهية المغاربة لإسرائيل أشد من إيران وتركيا، ومؤيدوها مجرد قطرة في بحر".

في الختام، قبل سنتين كنت أشرتُ في مقالات سابقة في موقع "الميادين نت"، إلى أن حلم الكيان الصهيوني بقبول الشعب المغربي له يبقى مثل حلم إبليس في دخول الجنة، وها هو الآن يتحقق، لكن السؤال الأهم، هل سيستسلم العدو الصهيوني أمام هذا الواقع الذي فرضه عليه المغاربة أم سيعيد الكرّة مرة أخرى؟ الجواب في قادم الأيام.