التواطؤ الأميركي- التركي مستمر ومصالح الأميركيين مؤمنة

غير صحيح، وجود خلاف جوهري أو هامشي بين الأميركيين والأتراك، على الرغم من كلّ المناورات الخادعة إعلامياً ودبلوماسياً.

  • يعوّل الأميركيون على تركيا في الكثير من الملفات كلاعب خفيّ ينفّذ استراتيجية واشنطن بشكل كامل.
    يعوّل الأميركيون على تركيا في الكثير من الملفات كلاعب خفيّ ينفّذ استراتيجية واشنطن بشكل كامل.

قد يكون صحيحاً ما أعلنه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، حين قال إنّ الرئيس الأميركي جو بايدن سيبحث مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، على هامش قمة حلف الناتو في بروكسل، الإثنين، عدداً من المواضيع، من بينها أفغانستان وسوريا وليبيا والصين وروسيا والوضع في شرق المتوسّط، ولكن ما هو بالتأكيد غير صحيح، ولا يحمل أيّ مصداقية عملياً، وجود خلاف جوهري أو هامشي بين الأميركيين والأتراك، على الرغم من كلّ المناورات الخادعة إعلامياً ودبلوماسياً.

في الواقع، إنّ أي خلاف جدّي بين طرفين أو دولتين، إذا كان يتمّ التطرّق إليه بشكل دائم، ويتفاعل معه قادة هذه الدول بالتهجم وتبادل الاتهامات، لا بدّ من أن يُترجم عملياً، ما لم يكن اشتباكاً أو مواجهة، فعلى الأقل تضارباً في المصالح والأهداف، وخصوصاً المصالح الدولية لكلٍّ من الطرفين. 

هذه الحالة غير موجودة بتاتاً في العلاقة الأميركية التركية، فمصالح كلّ طرف مؤمّنة تقريباً من خلال الطرف الآخر. يمكن اكتشاف ذلك عملياً في أغلب الملفّات الحسّاسة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق أوروبا، على الشكل التالي: 

ننطلقُ بدايةً من أحدث تصريحات مسؤولي الدّولتين، مستشار الأمن القومي الأميركيّ والرئيس التركي، فالأوَّل يقول إنَّ "بايدن سيبحث مع إردوغان الوضع في أفغانستان، وخصوصاً كيفية ضمان بقاء السفارة الأميركية فيها والعمل بأمان".

من هنا، يمكن أن نستنتج أوّل كذبة في تلك التصريحات، فكيف تستطيع تركيا أن تضمن أمن السفارة الأميركية في أفغانستان، وخصوصاً بعد الانسحاب الأميركي منها - إذا تحقَّق كاملاً وكان جدياً - في الوقت الذي كانت وحدات الاحتلال الأميركي في أفغانستان، وفي أوج انتشارها وتمركزها وجهوزيّتها، تعجز عن حماية عناصرها وعناصر دول الناتو التي تدعمها. وتعدّ خسائر تلك الوحدات الضّخمة وقرار انسحابها خير دليل على ذلك العجز.

أما إردوغان، فهو يقول إنَّه سيبحث مع نظيره الأميركي القضايا العالقة بين البلدين، من بينها تسلّم طائرات "إف 35" الأميركية، وقرار واشنطن الاعتراف بـ"إبادة الأرمن إبان الحكم العثماني"، ليعود بدايةً ويستغلّ الكذبة الأخرى حول "معارضة" واشنطن الملغومة لحصول تركيا على قاذفات "إف 35" الروسية، في الوقت الذي اشتركت الأخيرة مع الناتو، منذ وصول بايدن إلى الحكم وحتى الآن، في أكثر من 10 مناورات عسكرية. وهناك استعدادات لكوكبة أخرى من المناورات المماثلة، وبكامل الجهوزية التركيَّة، لناحية الأسلحة والقدرات والإمكانيات، وهي تستهدف كلّها - على المكشوف – روسيا.

أمّا الحديث مع بايدن عن قرار واشنطن الاعتراف بإبادة الأرمن إبان الحكم العثماني، فهو يبقى أيضاً كذبة أخرى، ويعدّ قميص عثمان الذي تستغله أنقرة كلَّما احتاجت إلى تبرير موقف سياسي أو دبلوماسي غامض وغير مبرر مع واشنطن أو غيرها، في الوقت الذي لا يؤثر هذا القرار في تركيا عملياً في القانون الدولي.

وليكتملَ الخداع التركي الأميركي، يقول إردوغان إنَّ اجتماعه المرتقب مع نظيره الأميركيّ بمثابة حدث "سيدشّن حقبة جديدة في العلاقات بين البلدين"، وكأنَّ هذه العلاقة غير ثابتة أو متوترة أو صدامية، في الوقت الذي يعوّل الأميركيون على تركيا في الكثير من الملفات الأكثر حساسية، كلاعب خفيّ ينفّذ استراتيجية واشنطن بشكل كامل، وكطرف أساسي يساهم في تأمين المصالح الأميركية من هذه الملفات، وذلك على الشكل التالي:

ملف النّاتو وروسيا 

قد تكون الصّورة الأوضح التي يمكن استنتاجها من حقيقة الموقف التركيّ المناهض للروس عملياً، هي موقف أنقرة من الحوادث الأخيرة الّتي رافقت الإشكال أو الاشتباك الروسي الأوكراني على خلفية إقليم الدونباس، أو على خلفية الاستهداف الأوروبي - الأميركي والأطلسي (الناتو) تحديداً، لاستعادة روسيا شبه جزيرة القرم، إضافةً إلى المساهمة التركية العملية في تسهيل الانتشار البحري الأميركي في البحر الأسود، من ضمن توجيه الرسائل الحاسمة ضدّ موسكو والرسائل الداعمة لأوكرانيا، إضافةً طبعاً إلى ما ذُكر أعلاه عن الدور التركي الفاعل في أغلب مناورات الناتو التي تستهدف روسيا.

ملفّ ليبيا

النقطة الأخرى الَّتي توضح التواطؤ الأميركيّ التركيّ في الملفّ الليبي، بدأت سابقاً مع التحرك العسكري التركي لدعم حكومة السراج آنذاك، بمواجهة جيش حفتر المدعوم من الروس والفرنسيين والمصريين، والذي عاد وتقهقر بسرعة لافتة بعد أن وصل إلى مشارف العاصمة الليبية طرابلس، بسبب فعالية المسيَّرات التركية التي قدمت دعماً واسعاً ومباشراً لوحدات حكومة الإنقاذ، وأمام أعين الروس والأوروبيين وبعض العرب، الذين استسلموا لمشيئة إردوغان التي تخفي مشيئة الأميركيين.

واليوم، تُتابَع هذه المناورة الأميركية - التركية من خلال تحرّك مفاجئ لوفد رسميّ تركيّ وصل فجأة، وعلى جناح السرعة، إلى طرابلس الليبية، وذلك مباشرةً قبل قمة الناتو واجتماع بايدن مع الأوروبيين والأتراك، تأسيساً لتشريع نفوذ تركي فاعل في ليبيا، اقتصادي وسياسي وعسكري، وبرعاية وتوجيه وعناية أميركيّة.

ملفّ سوريا 

يكفي ما تقوم به تركيا في الشمال السوري، حيث لا يوجد وجود مباشر للوحدات الأميركية، من عرقلة للاتفاقيات الروسية الإيرانية التركية، ومن دعم مباشر وغير مباشر للمجموعات الإرهابية في الشمال السوري، في استهداف مباشر لإمكانية إنهاء ملفّ إدلب وتسريع عودة الدولة السورية، ليكون عنصراً رئيسياً ضمن استراتيجية أميركية واضحة، تهدف إلى تعليق إيجاد الحلّ النهائيّ للملفّ السوريّ، من خلال إبقاء الربط بين ملفات إدلب والشرق السوري وملف إعادة تكوين السلطة في سوريا، وهو تماماً هدف واشنطن منذ بداية حربها على سوريا.

ملف العراق 

تحت أيِّ ذريعة أو مشروعيّة دولية، تقوم تركيا بشكل متواصل بتنفيذ قصف جوي على مناطق عراقية، بمعزل عن التبريرات التي تضعها تحت عنوان محاربة "إرهاب حزب العمال الكردستاني"، إضافة إلى الدخول المتواصل والتواجد البري في أكثر من منطقة عراقية، لو لم يكن ذلك برعاية وحماية وتوجيه أميركي، وبهدف دائم يدخل ضمن استراتيجيّة واشنطن بإبقاء التوتر داخل العراق، وإبقاء الملفات الحساسة العراقيّة مفتوحة، مثل الخلاف بين كردستان العراق والسلطة المركزية، والَّتي تعاني الكثير في مواجهة الضغوط الأميركية، على خلفية دفعها إلى التحرر من العلاقة الجيدة مع إيران، وإنهاء مشروعية الحشد الشعبي العراقي وحيثيته!

هذا غيض من فيض الملفات التي يُستنتج منها عملياً التواطؤ الأميركي - التركي، والتي يتم الكشف عنها ميدانياً بشكل واضح، بسبب عدم القدرة على إخفائها أو طمسها، فكيف بتلك الملفات غير المكشوفة، والتي تستهدف الصّين في آسيا الوسطى والقوقاز واليونان وقبرص، وغيرها من المناطق التي تشكل هدفاً رئيساً لاستراتيجية واشنطن التوسّعية والتحريضيّة!