عائلة إردوغان ضدّ "إسرائيل"... ودولة أبيهم معها!

لولا دور الأنظمة العربية ومعها أنقرة في ما يسمّى بمشروع الشرق الأوسط الكبير، وما نتج عنه من "ربيع عربي" دمويّ دمّر سوريا وليبيا والعراق واليمن ودولاً أخرى بدرجات متفاوتة، لما تجرّأ النظام الصهيوني على فعلته الأخيرة.

  • إردوغان وعلاقاته المستمرة مع
    إردوغان وعلاقاته المستمرة مع "تل أبيب".

بناء على دعوة من العشرات من منظّمات المجتمع المدني الموالية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان توجّه في اليوم الأول من العام الجديد وبعد صلاة الفجر عشرات الآلاف، وقيل إنهم مئتا ألف من المواطنين الأتراك، من كلّ حدب وصوب إلى الجسر الذي يربط بين طرفي خليج القرن الذهبي، الذي فتح عبره محمد الفاتح القسطنطينية عام 1453.

وقاد التظاهرة صهرا الرئيس إردوغان، الأول وزير الخزانة والمالية الأسبق برات البايراك (كان غائباً عن الساحة السياسية والإعلامية منذ 3 سنوات بعد معلومات عن خلافات مع زوجته إسراء وطلاقهما)، والثاني سلجوك بيرقدار صاحب مصانع المسيّرات التركية، إضافة إلى بلال إردوغان، نجل الرئيس، ومعهم جميعاً أولادهم وزوجاتهم.

وعلى الرغم من أن العنوان الرئيسي للتظاهرة هو إحياء ذكرى العساكر الذين سقطوا الأسبوع الماضي شهداء في الحرب ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني، شمال العراق وسوريا، إلا أن المتحدّثين في التظاهرة خصصوا الجزء الأكبر من خطاباتهم للقضية الفلسطينية، وهدّدوا وتوعّدوا الكيان الصهيوني وأكدوا عزم وإصرار الدولة والأمة التركية على ملاحقة حكّام هذا الكيان ومحاسبتهم في المحاكم الدولية لما ارتكبوه من جرائم وحشية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.

بدوره قال بلال إردوغان "إن تركيا لن تقف موقف المتفرّج حيال الهمجية الصهيونية المدعومة من أميركا الإرهابية"، وأكد "ضرورة استمرار المقاطعة التركية لمنتجات الشركات الإسرائيلية وتلك التي تنتجها الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني".

أقوال بلال إردوغان تحوّلت فوراً إلى هدف لانتقادات المعارضة حيث قال زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال: "على السيد بلال أن يطلب من والده قبل الآخرين مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ووقف تصدير أي شيء إلى إسرائيل طالما هي تقتل الشعب الفلسطيني".

انتقادات أوزال هذه كانت حديث المئات من حسابات التواصل الاجتماعي التي ذكّرت بلال إردوغان بالتبادل التجاري بين أنقرة و"تل أبيب"، والذي زاد حجمه العام الماضي عن 10 مليارات دولار. في الوقت الذي يغطّي فيه الكيان الصهيوني نحو 70% من احتياجاته من المواد الغذائية ومياه الشرب ومشتقات النفط والكيماويات والأسمنت والحديد والفولاذ من تركيا.

وتقول المعارضة إن السفن التي يملكها بوراك إردوغان وهو شقيق بلال، تقوم بنقل البعض من هذه المواد إلى ميناء حيفا، فيما تقوم سفن أخرى يملكها نجل رئيس الوزراء الأسبق بن علي يلدرم وبعض المقرّبين من إردوغان بنقل ما تبقّى منها حتى لا تتعرّض لأيّ هجوم مسلّح لأنها ترفع العلم التركي.

ومع استمرار التناقضات بين الخطابات السياسية والمواقف العملية لإردوغان، والآن أولاده وأصهاره فيما يتعلّق بالعدوان الصهيوني على غزة اعتبرت بعض الأوساط السياسية تظاهرة إسطنبول محاولة من إردوغان للترويج السياسي لصهره الثاني سلجوق بيرقدار، ويتوقّع البعض لإردوغان أن يرشّحه لانتخابات بلدية إسطنبول نهاية آذار/مارس المقبل.

 ومن دون أن يتجاهل هؤلاء احتمالات أن يكون الصهر الأكبر وزير المالية الأسبق برات البابراك هو المرشّح لهذه الانتخابات في إسطنبول وربما في مدينة أخرى. ومن دون أن تمنع هذه السيناريوهات الحديث عن احتمالات أن يكون بلال إردوغان هو المرشّح الثالث وهو ما سيقرّره الرئيس إردوغان خلال هذا الأسبوع بعد أن تحدّث الأسبوع الماضي عن أهمية الفوز في إسطنبول وأنقرة والمدن الكبرى الأخرى كإزمير وأنطاليا وأضنة ومرسين والتي فاز فيها مرشّحو حزب الشعب الجمهوري في انتخابات آذار/مارس 2018. 

فيما أثبتت استطلاعات الرأي أنّ سلجوق بيرقدار، وهو زوج سمية إردوغان التي كانت مقرّبة جداً من والدها قبل أن تتزوج، هو الأكثر حظاً من برات وبلال في إسطنبول. في الوقت الذي ترى فيه استطلاعات الرأي المستقلة في رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو الأكثر حظاً وشعبيته ما زالت نحو 55% على الرغم من إعلان زعيمة الحزب الجيد مارال اكشنار أنها لن تدعمه في الانتخابات المقبلة كما فعلت في انتخابات 2018.

في الوقت الذي يتوقّع فيه الكثيرون للقضية الفلسطينية والعدوان الصهيوني، مع احتمالات التطورات المحتملة في اليمن وسوريا ولبنان، أن تتحوّل إلى مادة دعائية أساسية في الحملة الانتخابية المقبلة التي ستبدأ قريباً. فسوف يستمر إردوغان ومرشّحوه والإعلام الموالي لهم في خطاباتهم النارية ضد الكيان الصهيونى تارة من منطلقات قومية تاريخية وتارة أخرى دينية، أثبتت في الانتخابات الماضية تأثيرها في الشارع الشعبي الموالي لإردوغان.

وأقنع ناخبيه بأنّ "معارضيه مدعومون من أميركا والغرب الذي يدعم الإرهابيين الكرد في تركيا وسوريا والعراق"، وهو الموضوع الحسّاس الثاني الذي يتأثّر به الناخب التركي. وفشلت المعارضة في إقناعه بعد أن اتهمت إردوغان بتزوير الحقائق والكذب على الشعب ليس فقط في السياسة الداخلية بل الخارجية أيضاً. 

كما هو الحال في علاقاته المستمرة مع "تل أبيب" التي تقتل الشعب الفلسطيني والعلاقة مع الحليف الاستراتيجي واشنطن التي تدعم المسلحين الكرد الذين يقاتلون ضد المصالح التركية في سوريا والعراق وداخل تركيا، على الرغم من أنّ لأميركا في تركيا عشرات القواعد العسكرية.

ومن أهمها قاعدة إنجيرليك القريبة من الحدود مع سوريا والعراق وقاعدة كوراجيك التي تراقب التحرّكات العسكرية الإيرانية وتقوم بنقل هذه المعلومات فوراً إلى السفن الأميركية في الأبيض المتوسط، وبدورها تنقلها إلى "الجيش" الإسرائيلي كي يتسنّى له التصدّي لأيّ صاروخ إيراني محتمل قبل أن يصل "إسرائيل".

ويبقى الرهان على التطورات الميدانية في الحرب على غزة واحتمالات التصعيد أو التراجع في الموقف الأميركي بعد التهديدات اليمنية التي يضع الكلّ لها حساباته الخاصة. ويعرف الجميع أنّ هذه الحسابات ستتأثّر سلباً كان أم إيجاباً بمواقف الأنظمة العربية، وهي الآن في وضع لا ولن تحسد عليه أبداً.

فإما أن تتمادى في تواطئها مع الكيان الصهيوني بشكل مباشر أو غير مباشر، أو أن تصحو على نفسها وترجّح ولو لمرة واحدة مصالح بلادها وشعوبها على مصالحها الشخصية السلطوية. بعد أن كانت وما زالت السبب في كلّ ما عاشه ويعيشه الشعب الفلسطيني ومعه المنطقة عموماً. 

فلولا دور هذه الأنظمة ومعها أنقرة في ما يسمّى بمشروع الشرق الأوسط الكبير، وما نتج عنه من "ربيع عربي" دمويّ دمّر سوريا وليبيا والعراق واليمن ودولاً أخرى بدرجات متفاوتة، لما تجرّأ النظام الصهيوني على فعلته الأخيرة التي سيدفع ثمنها غالياً بموقف عربي وإسلامي يفرض على الجميع الجمع بين القول والفعل. 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.