الاحتلال بين حدي سيفين فأيهما يختار؟

يبدو بأن المقاومة الفلسطينية قد حقَّقت النصر من الضربة الأولى، فإن تمكُّن العدو من استعادة السيطرة على مغتصَبات غلاف غزَّة لن يعد نصراً له، فهذه المغتصَبات لم تَعُد صالحةً للاستيطان بعدما باتت لُقْمَةً سائغةً في متناول يد المقاومة الفلسطينية.

  • عملية طوفان الأقصى.
    عملية طوفان الأقصى.

استيقظت الأمَّتان العربية والإسلامية، في صبيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على زلزالٍ بالمعنى الإستراتيجي هزَّ أركان الكيان المؤقت، بتوقيع كتائب الشهيد عز الدين القسَّام، فمشاهد اقتحام قوات القسَّام الخاصة لقواعد الاحتلال العسكرية، ومغتصَبات غلاف غزَّة في أراضي 1948، براً وبحراً وجواً، مدعومةً بغطاء ناري صاروخي، بلغ 5000 صاروخٍ وقذيفةٍ فقط في الدقائق العشرين الأولى للهجوم، الذي لا يمكن وصفه بأقل من الزلزال. 

لقد شلَّت أجهزة الكيان الإسرائيلي اللقيط لساعاتٍ عدَّةٍ بصورةٍ كاملةٍ من هول الصدمة، وأصيبت ألوية "جيش" الاحتلال المرابطة على تخوم غزَّة بشبه انهيارٍ تامٍ خلال سويعاتٍ قليلةٍ على بدء معركة "طوفان الأقصى"، التي أعلن عنها في تسجيلٍ صوتيٍ محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسَّام.

لقد جاءت مجريات المعركة في اليوم الأول لتثبت أن موازين القوى بالفعل قد اختلت بصورةٍ ملموسةٍ لغير صالح الكيان المؤقت، وذلك في مواجهة المقاومة الفلسطينية المسلَّحة وقوى التحرر العربي والإسلامي في الإقليم، لكن ماذا بعد؟ وما هي خيارات الاحتلال أمام ما تعرَّض له؟

تمكنت قوات القسَّام حتى اللحظة من السيطرة على قواعد عسكرية عديدة لـ"جيش" الاحتلال، كما أنها سيطرت على ثلاث مغتصَبات على الأقل بصورةٍ كاملةٍ، ولا تزال الاشتباكات العنيفة تجري في سبعٍ أخرى، وذلك حسب اعتراف وسائل إعلام العدو، بينما قالت مصادر المقاومة الفلسطينية بأنها تخوض اشتباكاتٍ قويةٍ في 25 مغتصَبة في محيط غزَّة، ويبدو بأن ما قالته المقاومة الفلسطينية أقرب إلى حقيقة الأمر.

لكن، بصرف النظر عن العدد الدقيق للمغتصَبات التي دخلتها قوات المقاومة الفلسطينية، فإن مجرد السيطرة على تلك المغتصَبات والقواعد العسكرية، حتى ولو لم تستطع فصائل المقاومة الحفاظ عليها، بالإضافة إلى صور جثث قتلى جنود العدو التي كانت بالمئات، وتمكُّن المقاومة الفلسطينية من أسر العشرات من الجنود كما أظهرت الصور، يعد إنجازاً إستراتيجياً لن يكون بعده كما قبله، إذ لا يمكن لـ"جيش" الاحتلال استعادة شيء من هيبته الضائعة، بعد مشهد انهياره الكارثي هذا، إلَّا بدخول غزَّة برياً، والقضاء على وجود فصائل المقاومة الفلسطينية هناك بشكلٍ كاملٍ.

بناءً على ذلك، يجد العدو نفسه أمام خيارين – أحلاهما مر – على النحو الآتي:

- إمَّا الاكتفاء بحملةٍ تصعيدٍ جويٍ تعودت عليها فصائل المقاومة في غزَّة، تكون نتائجها كسابقاتها، ولا تُحقِّق أي نتيجةٍ حقيقيةٍ يبنى عليها، مع الفارق بأن في هذه المرَّة أسرى العدو بالعشرات على أقل تقديرٍ في قبضة المقاومة الفلسطينية، ولن يتمكن من استعادتهم بشن حملةٍ جويةٍ مهما بلغت قوتها، وحينها يؤكِّد بصورةٍ قاطعةٍ هزيمته الإستراتيجية في المعركة الراهنة.

- وإمَّا أن يغامر ويحاول اقتحام غزَّة برياً، وهذا دونه مخاطر كبرى، فلو أنه يضمن نجاح مغامرةٍ كهذه، لكان قد فعلها خلال المعارك وجولات التصعيد السابقة مع غزَّة، هذا ناهيك بالرسالة التي يمكن قراءتها في القصف الصاروخي الأخير لحزب الله على مزارع شبعا، وتشديد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، السيد هاشم صفي الدين، على أن حزب الله ليس على الحياد في معركة "طوفان الأقصى"، ما يهدِّد برفع مستوى الحرب إلى مرتبة حربٍ إقليميةٍ لا قِبل له بها، ويمكن أن تؤدي إلى زوال كيانه المؤقت، وذلك كما بات شاخصاً أمامنا، أقلُّه مما شاهده العالم من أداءٍ بائسٍ لـ"جيشه" في الساعات الأربع والعشرين الماضية، والانهيار شبه الكامل لفرقة غزَّة والألوية المسؤولة عن حماية حدود جبهته الجنوبية.

لا تزال معركة "طوفان الأقصى" في بداياتها، والأرجح أنها ستستمر لأيامٍ أو أسابيع أخرى، مع وجود احتماليةٍ وازنةٍ بأن تتطور إلى حربٍ إقليميةٍ حاسمةٍ، لكن يبدو بأن المقاومة الفلسطينية قد حقَّقت النصر من الضربة الأولى، فإن تمكُّن العدو من استعادة السيطرة على مغتصَبات غلاف غزَّة لن يعد نصراً له، فهذه المغتصَبات لم تَعُد صالحةً للاستيطان بعدما باتت لُقْمَةً سائغةً في متناول يد المقاومة الفلسطينية.

أمَّا الخياران الآخران، فالأول هزيلٌ لا يؤدي الغرض، بينما الثاني يحمل في طياته احتمالية انهيار الكيان وزواله للأبد، وتبقى الأيام القليلة القادمة حبلى بالمفاجآت في كل الأحوال، إذ إن المقاومة قد فاجأت الصديق قَبْل العدو بهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر المباغت، ووحدها قيادات غرفة العمليات المشتركة، سواءً أكان في غزَّة أم في الإقليم، من يتحكم بمجريات الميدان.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.