المصالحة التركية ـــــ السورية.. بين التفاؤل والتشاؤم

يبقى الرهان على نوايا وجدية كلّ الأطراف في المصالحة، ومن دونها لا ولن يتحقّق الأمن والسلام والاستقرار في سوريا وتركيا، ومعهما المنطقة عموماً مع استمرار الإرهاب والإجرام الصهيوني في فلسطين. 

0:00
  • سوريا وتركيا.. العلاقات والمصالحات.
    سوريا وتركيا.. العلاقات والمصالحات.

بعد لقاء الرئيس إردوغان مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عقد وزير الخارجية هاكان فيدان ونظيره السعودي مؤتمراً صحافياً، تحدّثا خلاله عن مواقف أنقرة والرياض حيال التطوّرات الإقليمية وأهمها المصالحة التركية ـــــ السورية. 

وجاءت أقوال الوزير فيدان الذي كلّفه إردوغان التواصل مع نظيره السوري فيصل مقداد لتعكس صعوبة التوصّل إلى حلول عاجلة وناجعة للملفات المطروحة للنقاش، وهو ما يفسّر الزيارة المفاجئة للوزير بن فرحان الذي جاء إسطنبول لإزالة البعض من العقبات التي تعرقل وتمنع التوصّل إلى صيغ عملية تحقّق المصالحة بأسرع ما يمكن. 

وأشار فيدان إلى "أنّ المفاوضات مع الجانب السوري مستمرة منذ وقت طويل ولم تصل إلى نتائج ملموسة، وأنّ الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت بسبب الواقع المعقّد جداً على الأرض في سوريا".

وتمنّى الوزير فيدان "لروسيا وإيران والسعودية أن تساهم بشكل فعّال في المصالحة بين تركيا وسوريا"، ودعاها جميعاً للضغط على دمشق. ولأنّ دعوة الرئيس إردوغان للمصالحة مع الأسد لم تأتِ من موقف ضعيف أو بغياب البدائل بل إنها نابعة من موقف صادق وعلى الجميع أن يفهم ذلك ويثمّنها عالياً، ولأنّ من يعرف إردوغان يعي جيداً أنه مناضل عنيد لا يتراجع عن مواقفه بل يناضل من أجلها حتى النهاية.

وأما حديث الوزير فيدان عن استمرار الموقف التركي حيال مجمل القضايا المطروحة للنقاش فقد أثارت بدورها العديد من التساؤلات حول الموقف التركي في الردّ على مطالب وشروط الجانب السوري.

وقال فيدان "أنقرة لم ولن تغيّر موقفها من المعارضة السورية ولن تفرض عليها أي شيء، لأنّ فصائلها أطراف سورية، ومن الطبيعي أن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع السلطة وفق القرار  2254 الدولي ويقرّروا ما يشاؤون، ونحن دولة وفيّة ولا يمكن لنا أن ننسى نضالنا المشترك، خاصة ضدّ الإرهابيّين من داعش إلى العمال الكردستاني في عفرين وتل أبيض ورأس العين.

كما أنّ هذه المعارضة تمنع مجيء المزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا، وهي تخدم المصالح التركية على الطرف الآخر من الحدود". 

ومن دون أن يهمل الوزير فيدان التذكير باستمرار الموقف التركي تجاه قضية اللاجئين السوريين وقال "إنّ موقف الرئيس إردوغان في هذا الموضوع لم ولن يتغيّر، وإنّ أنقرة لن تجبر أحد على العودة إلى بلاده".

تصريحات الوزير فيدان يبدو أنها تريد أن تبعث برسائل واضحة لكلّ المتفائلين والمتشائمين من تطوّرات الأسابيع الثلاثة الماضية بعد تصريحات الرئيس إردوغان الذي قال إنه "وجّه دعوة رسمية للرئيس الأسد لزيارة أنقرة أو اللقاء به في مكان آخر"، وقد يكون بغداد وفق كلام الوزير فؤاد حسين الذي تحدّث عن استمرار مساعيه لاستضافة الوزيرين السوري مقداد والتركي فيدان.

وهو ما قد يتحقّق قريباً ولكن من دون أن يعني ذلك نجاح مهمة الوزيرين طالما أن شروط الرئيس الأسد ما زالت صعبة إن لم نقل من المستحيل تلبيتها من الطرف التركي.

 وربما لهذا السبب تحدّث الرئيس الأسد بإسهاب عن هذا الموضوع بعد أن أدلى بصوته في الانتخابات التشريعية. وقال الأسد في ردّه الطويل والشامل "المشكلة تكمن ليس في اللقاء وإنما تكمن في مضمون اللقاء، وطرح موضوع اللقاء قد يكون هاماً باعتبار اللقاء هو عبارة عن وسيلة لتحقيق هدف. فما هو الهدف؟ لم نسمع ما هو الهدف. حل المشكلة؟ تحسين العلاقات؟ إعادتها إلى الوضع الطبيعي؟ أوّل سؤال نسأله لماذا خرجت العلاقات عن مسارها الطبيعي منذ ثلاثة عشر عاماً؟ لم نسمع أيّ مسؤول تركي يتحدّث عن هذه النقطة بشكل صريح".

فالبعض يحاول أن يبرّر مواقف الرئيس إردوغان أنها بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا، وآخرون يقولون إن محاربة العمال الكردستاني هو الأهم بالنسبة لأنقرة.

وأياً كان الرأي الأقوى فمن الواضح جداً أنّ محاربة العمال الكردستاني، والمقصود هنا هو وحدات حماية الشعب الكردية شرق الفرات، ليست من مهمة دمشق بقدر ما هي من مسؤولية أنقرة التي كانت حتى حزيران/يونيو 2015 على علاقة جيدة مع قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري.

كما يعرف الجميع أنّ تركيا عضو في الحلف الأطلسي وحليف استراتيجي لأميركا التي تحتل شرق الفرات ومعها العديد من دول الحلف التي تدعم المليشيات الكردية، وعلى الرغم من اعتراض أنقرة التي تعرف جيداً أنّ أيّ تدخّل فردي أو مشترك مع دمشق في المنطقة ستتصدّى له القوات الأميركية التي ستستنجد بقواعدها في تركيا. 

هذا التناقض في موضوع الكرد لا يختلف أساساً في تناقضات تبرير "الأزمة الاقتصادية في تركيا" للمصالحة مع دمشق وفتح الحدود معها لا ولن يحقّق لتركيا أيّ مكاسب جدية، في ظلّ استمرار الفتور في علاقاتها مع السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى ولأسباب عديدة، أهمّها استمرار الفتور مع مصر بسبب الوضع في ليبيا.

فبعد أن تردّدت وتأخّرت الإمارات والسعودية التي صالحها إردوغان قبل عامين في مساعدة أنقرة لتغطية العجز الخطير في البنك المركزي التركي، لم ينجح وزير المالية الجديد محمد شيمشاك حامل الجنسية البريطانية في إقناع المؤسسات المالية الغربية والعالمية بمساعدته في الحصول على قروض عاجلة، تساهم في حل المشكلات الاقتصادية والمالية الخطيرة التي تعاني منها تركيا، وسببها الرئيسي هو سياسات أنقرة الخارجية منذ ما يسمّى بـ "الربيع العربي".

وفي جميع الحالات وأياً كان الخلاف بين تفسيرات المتفائلين والمتشائمين من احتمالات المصالحة بين إردوغان والرئيس الأسد على الصعيدين الشخصي والرسمي، فالجميع يعرف مدى صعوبة المعالجة الصحيحة للمشكلات الموجودة وحلّها لن يكن سهلاً بالنسبة للطرفين.

هذا بالطبع إن لم نشكّك بنوايا ليس فقط الطرفين السوري والتركي بل الأطراف الأخرى التي لها هي أيضاً حسابات، تارة مشتركة وتارة أخرى متناقضة بكلّ انعكاساتها وتأثيراتها على المتفائلين والمتشائمين.

 فعلى سبيل المثال لا يعرف أحد كيف ومتى سينسحب الجيش التركي من 10% من سوريا، وماذا سيكون مصير عشرات الآلاف من مسلحي الفصائل التابعة لما يسمّى بالجيش الوطني السوري الذي تأسس في أنقرة صيف 2019. 

وماذا سيكون مصير المعارضة السياسية والمسلّحة المموّلة تركياً وقطرياً، ومعها العشائر التي تعاملت مع القوات والمؤسسات التركية المختلفة منذ بداية الأزمة واستفادت من ذلك مادياً.

وحتى إن تجاهلنا الوضع في إدلب وهي القضية الأهم والأخطر، كيف ستتخلى المناطق الخاضعة للسيطرة التركية الآن عن الليرة التركية في كلّ تعاملاتها اليومية مع استمرار تغطية كلّ احتياجاتها من الكهرباء والنفط والإنترنت وشبكات الخليوي، والأهمّ من كلّ ذلك كلّ أنواع الأسلحة من تركيا في إطار علاقات متشابكة ومعقّدة جداً. وأخيراً هل ستقوم أنقرة بتسليم دمشق كلّ المعلومات التي ستطلبها وبأدقّ التفاصيل عن أقطاب المعارضة السورية السياسية منها والمسلّحة وكيف؟ وقد حصل العديد منهم على الجنسية التركية ويمنع الدستور التركي إعادتهم إلى سوريا. 

وأخيراً وليس آخراً يبقى الرهان على نوايا وجدية كلّ الأطراف في المصالحة، ومن دونها لا ولن يتحقّق الأمن والسلام والاستقرار في سوريا وتركيا، ومعهما المنطقة عموماً مع استمرار الإرهاب والإجرام الصهيوني في فلسطين. 

وهو نتاج التطبيع مع هذا الكيان الذي كان المستفيد الوحيد من كلّ سنوات "الربيع العربي" الدموي، ومن دون تجاوز تبعاته لا ولن يحالف الحظ حكّام ودول وشعوب المنطقة في حلّ أيّ من مشكلاتهم صغيرة كانت أم كبيرة كما هو الحال بين الجارتين سوريا وتركيا.