بعد مهلته المحدّدة لـ "إسرائيل" والوسطاء: اليمن يرقب والوقت ينفد
القرار اليمني الذي حظي بترحيب كبير وإشادة واسعة من الفلسطينيين وفصائل المقاومة الفلسطينية، مثّل ويمثّل نبض الشارع العربي والإسلامي الحرّ، وأعاد الكفّة بعد القمة العربية وما تمخّضت عنه.
-
موقف اليمن يستند إلى تجربة أظهر فيها قوة استثنائية قادرة فرضت معادلات قوية.
في موقف استثنائي، لم يعهده الشارع العربي والإسلامي من الزعامات السياسية العربية التقليدية منذ عقود، أعلن السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي مهلة زمنية ومحدّدة إفساحاً للمجال أمام الوسطاء لدفع العدو الإسرائيلي للالتزام ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، وتحديداً ما يرتبط منها بالشقّ الإنساني وإدخال المساعدات، مهدّداً باستئناف العمليات البحرية ضدّ العدو الإسرائيلي على قاعدة الحصار بالحصار.
ومع بدء العد العكسي للمهلة التي أعلنها السيد عبد الملك السبت الماضي، أكد المجلس السياسي الأعلى (أعلى سلطة تنفيذية في اليمن) "الجهوزية الكاملة للقوات المسلحة وكلّ الأجهزة المعنية لتنفيذ توجيهات قائد الثورة في حال انتهاء مهلة 4 أيام لإدخال المساعدات إلى غزة". هذا التناغم والانسجام بين المستويات القيادية والجيش وبقيّة الأجهزة، سبقه ترحيب شعبي واسع، مثله الخروج الشعبي العفوي في جولتي القدس وفلسطين بالعاصمة صنعاء بعد إعلان السبت، وتلته مواقف داعمة من مختلف الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة في البلاد، في إشارة إلى وحدة الموقف اليمني الداعم والمساند لغزة وفلسطين.
تكمن أهمية الموقف اليمني الشجاع والحاسم، بأن جاء بعد أيام من إغلاق العدو المعابر البرية، ومحاولة فرض سياسة التجويع مجدّداً على سكان القطاع وتصعيده في الضفة والقدس والخليل ضدّ المقدّسات الإسلامية، وبعد قرابة ستة أسابيع من التلكؤ الإسرائيلي في تنفيذ مقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار التي تعهّد والتزم بها، كما أنّ إعلان المهلة اليمنية، جاء في ظلّ تهديدات ترامب لغزة بـ "الجحيم"، وإعادة تصنيف أنصار الله كمنظّمة إرهابية أجنبية، كجزء من العقوبة لها على موقفها الإسنادي خلال فترة طوفان الأقصى، وتخويفاً من الدخول في أيّ جولة مقبلة، فكان الردّ بعكس ما تشتهي السفن الأميركية والإسرائيلية.
كما أنّ القرار اليمني الذي حظي بترحيب كبير وإشادة واسعة من الفلسطينيين وفصائل المقاومة الفلسطينية، مثّل ويمثّل نبض الشارع العربي والإسلامي الحرّ، وأعاد الكفّة بعد القمة العربية وما تمخّضت عنه من مخرجات هزيلة لم تتجاوز مستويات الاستجداء والمطالبة والتمنّيات العربية المعهودة وغير الضاغطة على العدو.
وعلى المستوى السياسي والإنساني، شكّل الموقف اليمني عاملاً مسانداً لموقف المفاوض الفلسطيني، ولا سيما أنّ الإعلان ترافق مع زيارة وفد من حماس بناء على دعوة القاهرة لمحاولة تحريك المياه الراكدة في اتفاق وقف إطلاق النار، والدفع باتجاه المرحلة الثانية من الاتفاق أو في أقلّ الأحوال فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية كما هو متفق عليه كمّاً ونوعاً.
وفي هذا السياق أعلنت حماس أنّ مفاوضيها طرحوا على رئيس جهاز المخابرات المصرية ضرورة "البدء الفوري بمفاوضات المرحلة الثانية وفتح المعابر"، وأبدوا موافقتهم على "تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي من شخصيات مستقلة لإدارة القطاع"، فيما أشارت وكالة رويترز إلى "مؤشرات إيجابية بشأن إمكانية البدء بمفاوضات المرحلة الثانية" بعدما أعلن الطرفان (حماس والعدو الإسرائيلي) استعدادهما لمفاوضات المرحلة التالية من الاتفاق.
رغم كلّ ذلك تبقى العين اليمنية مفتوحة على مسار المباحثات وما ستؤول إليه، بانتظار الأفعال لا الأقوال، وتبقى المهلة سارية المفعول، وبالتنسيق مع فصائل المقاومة الفلسطينية، لأنّ تجربة الأسابيع الستة الماضية غير مشجّعة بالنظر إلى سلوك العدو الإسرائيلي المدعوم أميركياً، كما أنّ ممارساتهم على الأرض في غزة والضفة والقدس وحربهم الدينية على المقدّسات لا توحي بجدّيتهم في إحلال السلام المزعوم.
لطالما كان اليمن جزءاً فاعلاً من محور الجهاد والمقاومة ضدّ العدوان في المنطقة، ولكن في الآونة الأخيرة، أصبح اليمن، بقيادة السيد عبد الملك الحوثي، قوة محورية في مواجهة التحدّيات الإقليمية والدولية. ذلك أنّ الموقف اليمني من التصعيد الإسرائيلي الأخير على غزة يوحي بالتحوّل من مرحلة الإسناد إلى مرحلة الردع الفعلي، ما يضع اليمن بمقدّراته وموقعه في قلب معادلة القوة لصالح فلسطين.
وموقف اليمن ليس للاستهلاك الإعلامي والاستعراض الكلامي، إذ إنه يستند إلى تجربة أظهر فيها قوة استثنائية قادرة فرضت معادلات قوية. وقراره اليوم يبعث رسالة مزدوجة للأميركي والإسرائيلي معاً: "إن فعلتم كذا، سنفعل كذا، وإن عدتم للحرب، سنعود لها." هذا الموقف يعكس قوة الردع التي يمتلكها اليمن الآن، وهو ما يعزّز من تأثيره في مجريات الحرب والسلام.
إضافة إلى ذلك، يساهم اليمن بموقفه القوي والشجاع والجريء والديني والإنساني بالدرجة الأولى في تغيير المعادلات السياسية من خلال دبلوماسيّته القوية التي تدعم الموقف الفلسطيني في المفاوضات مع القوى الكبرى. ونستطيع القول إنّ اليمن اليوم أصبح عاملاً حاسماً في صياغة الحلول السياسية للأزمة الفلسطينية، وهو ما يعكس تحوّله من داعم للقضية إلى قوة مؤثّرة في مسارها.
وفي ظلّ غياب المواقف العربية الرسمية الحاسمة وتحديداً في القمة الأخيرة، يقف السيد عبد الملك والجيش والشعب اليمني بكلّ مستوياته بشكل ثابت في مواجهة العدوان والغطرسة الإسرائيلية والأميركية، إذ إنّ الموقف اليمني لم يقتصر على التصريحات، بل جاء مدعوماً بأفعال حقيقية تعكس إيماناً عميقاً بأهمية الجهاد والمقاومة ما يجعله ممثّلاً لضمير الشارع العربي والإسلامي، وقوة وحيدة تتخذ خطوات عملية فاعلة ومؤثّرة، وهذا يضيف له دوراً محورياً في إعادة تحريك الجمود العربي تجاه القضايا الكبرى.
لن نستبق الأمور بانتظار ما ستفضي إليه المباحثات وجهود الوسطاء، وفيما الوقت ينفد لا يخالطنا أدنى شك، بأنّ اليمن سينفّذ تهديده ولن يتردّد في ذلك مهما كانت التبعات والتحدّيات، وإنّ غداً لناظره قريب.