تركيا من غزة إلى سوريا تضمن مصالحها وتعدّل اتفاقية أضنة

يتردّد صدى الدور التركي ودعمه القويّ للفلسطينيين داخل القاعدة السياسية لإردوغان مما يساعد في تعزيز دوره في السياسة المحلية، خاصة في أعقاب النقد الذي وجّهته له قوى إسلامية معارضة أثناء حرب الإبادة على غزة.

0:00
  • تركيا تعزز نفوذها من خلال اكتساب مساحة عسكرية موسّعة داخل سوريا.
    تركيا تعزز نفوذها من خلال اكتساب مساحة عسكرية موسّعة داخل سوريا.

كانت مهمّة الرئيس التركي إردوغان في غزة تسهيل اتفاق وقف إطلاق النار، غضبت "إسرائيل" عندما قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إشراك تركيا في عملية السلام، مما منح أنقرة انتصاراً "دبلوماسياً" عارضته القدس.

اعترضت "إسرائيل" على مشاركة تركيا في المفاوضات التي توسّطت فيها الولايات المتحدة بين "إسرائيل" وحماس، ضغط ترامب على "إسرائيل" للتراجع عن قرارها، وهي خطوة أعطت تركيا دوراً دبلوماسياً مهماً في عملية السلام. 

لتركيا نفوذ على حماس، لذلك لم تنخرط الولايات المتحدة بشكل مباشر في مفاوضتها بل تولّت تركيا تسهيل الأمر  وأعطي لترامب الفضل في اتفاق سلام مع تفويض أدوار عملية  للشركاء الإقليميين.

إضافة إلى أنّ القوى الإقليمية مثل تركيا وقطر ومصر أصبحت مسؤولة عن العمل الصعب المتمثّل في الضغط على حماس ومراقبتها لفرض الهدنة. تعكس هذه الخطوة سياسة ترامب الخارجية نحو تركيا من غزة إلى سوريا.

 وهو ما وجدته "إسرائيل" وخصومها العرب المنافسون تعزيزاً لدور تركيا في الشرق الأوسط. ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حضوره القمة في مصر في تشرين الأول/أكتوبر 2025 بسبب موقفه من تركيا وهو اعتبر مشاركتها في القوة الدولية في غزة خطاً أحمر، كذلك أعرب عن تحفّظاته على مشاركة الشركات التركية في إعادة إعمار قطاع غزة.

قدّر ترامب مساعدة تركيا وهو يعتبر إردوغان "حليفاً موثوقاً به" لإبرام الصفقة. الأمر الذي أثار قلق "إسرائيل" والدول العربية المتنافسة. لكن  لا تزال استمرارية السلام غير مؤكّدة.

نتنياهو وحكومته غاضبون 

لماذا يرفض نتنياهو الدور التركي؟ تدّعي القيادات الإسرائيلية أنّ إردوغان استخدم في خطاباته لغة تدعو إلى "تدمير إسرائيل"، وأنّ تركيا هي قوة مزعزعة للاستقرار، وهي لا تثق بإردوغان بينما حقّق نهج ترامب وقف إطلاق النار، مع أنه أدخل تعقيدات جديدة. وتعتبر "إسرائيل" أنّ الاتفاق رفع من نفوذ تركيا في المنطقة.

ترى "إسرائيل" أنّ دعم تركيا الطويل الأمد لحماس ودورها المركزي في التفاوض مع الحركة يضفي الشرعية على منظّمة تصنّفها "إسرائيل" كجماعة إرهابية. وقد حظرت صراحة التدخّل التركي في أيّ قوة لتحقيق الاستقرار في غزة.

وترى أنّ نفوذ تركيا المتزايد في سوريا وغزة يشكّل تهديداً لمكانتها ومصالحها الإقليمية. وحذّر تقرير بتكليف من الحكومة الإسرائيلية من زيادة قوة تركيا وحثّ على الاستعداد لصراع محتمل.

تعارض "إسرائيل" أيّ وجود عسكري في سوريا يهدّد حرية عملها. أدى التوسّع العسكري التركي، ولا سيما بالقرب من المواقع الاستراتيجية مثل قاعدة T4 الجوية، إلى توجيه ضربات استباقية إسرائيلية واعتبر "خطاً أحمر" لحكومة نتنياهو. وتنظر "إسرائيل" إلى كلّ من تركيا وقطر على أنهما قوتان مزعزعتان للاستقرار. تتناقض المشاريع التركية والإسرائيلية في سوريا وكلّ يحاول الحفاظ على مصالحه ومكتسباته .

تركيا.. من غزة إلى سوريا 

بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الاستفادة من دور بلاده في أزمتي غزة وسوريا تقدّم العديد من الفوائد الاستراتيجية؛ أعادت تركيا ترسيخ دورها كوسيط رئيسي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعزّزت نفوذها الإقليمي والدولي، واستفادت سياسياً في الداخل .

عدا عن سعي أنقرة لشراء طائرات مقاتلة من طراز F-35 وتخفيف العقوبات الأميركية، وهي تهدف إلى القيام بدور قيادي في إعادة إعمار غزة بعد الحرب، وتأمين مكانة رئيسية في إعادة بناء القطاع المدمّر جنباً إلى جنب مع شركاء دوليين آخرين.

يتردّد صدى الدور التركي ودعمه القويّ للفلسطينيين داخل القاعدة السياسية لإردوغان مما يساعد في تعزيز دوره في السياسة المحلية، خاصة في أعقاب النقد الذي وجّهته له قوى إسلامية معارضة أثناء حرب الإبادة على غزة.

يحمل التنافس المباشر بين تركيا و"إسرائيل" حول مستقبل سوريا تحدّيات كبيرة لأنقرة، حاولت التصدّي للمحاولات الإسرائيلية توسيع نفوذها ووجودها العسكري الذي تعتبره غير شرعي، إلا أنّ الموقف الأميركي لم يكن كلياً إلى جانبها. ربما  ستسمح الخطوة في غزة لأنقرة بتوسيع نفوذها وربما محاولة نشر قوات جوية وبرية داخل سوريا. لكنها شجّعت وبشكل غير مباشر حكومة الشرع على توثيق علاقاتها مع موسكو.

وذلك من أجل الموازنة بين الولايات المتحدة وروسيا فالدولتان على علاقة بـ "إسرائيل" وبتركيا. تعزّز تركيا هدفها الاستراتيجي المتمثّل في تنويع علاقات حكومة الشرع بالقوى الدولية وتحاول أن تستخدم التدخّل الروسي لتعويض نفوذ الولايات المتحدة و"إسرائيل" في سوريا. وهذا يساعد تركيا على تحقيق الاستقرار في البلاد وإدارة منافساتها الإقليمية. 

وهي تسعى إلى ترتيب وضعها مع الشرع عبر تحديث اتفاقية أضنة وتوسيع نفوذها كجزء من شراكة أمنية واقتصادية أوسع واستهداف المقاتلين الكرد، تسعى أنقرة إلى زيادة المدى المسموح به للعمليات عبر الحدود ضدّ المسلحين الكرد من 5 كيلومترات إلى 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

تعتبر هذه الاتفاقية جزءاً من مفاوضات أوسع نطاقاً تشمل جوانب اقتصادية مهمّة. تسعى تركيا وسوريا إلى تعزيز التجارة والاستثمار ومشاريع البنية التحتية، مثل إعادة بناء مطار دمشق.

وبالمشاركة في إعادة الإعمار تعزّز تركيا نفوذها من خلال اكتساب مساحة عسكرية موسّعة داخل سوريا من خلال مزيج من الاتفاقيات الأمنية والدعم العسكري والشراكات الاقتصادية، مما يذكّرنا بمطالباتها منذ العام 2013 بالمنطقة العازلة لكنها تأتي اليوم تحت عنوان مواجهة الجماعات المسلّحة الكردية.