خلفيّات الاتفاق الأميركي مع زامبيا والكونغو بشأن إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية

نهاية عام 2022 وقّعت واشنطن مذكّرةَ تفاهم مع الكونغو الديمقراطية وزامبيا لتعزيز سلاسل قيمة بطاريات السيارات الكهربائية.

  • خلفيّات الاتفاق الأميركي مع زامبيا والكونغو بشأن إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية
    خلفيّات الاتفاق الأميركي مع زامبيا والكونغو بشأن إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية

تُهرْوِل الحكومات والدول في جميع أنحاء العالم لتبنّي المركبات الكهربائية وإدخالها في خططها المستقبلية، وذلك للحد من تأثير الكربون. ويبدو من خلال التطورات في هذا المجال أن قارة أفريقيا ستكون ساحة الصراع من أجل الهيمنة على هذا السوق الجديد؛ إذ توقّع تقرير صدر في حزيران/يونيو 2020 عن "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" (الأونكتاد) أنه خلال السنوات العشر المقبلة سيتم تسويق ما يقرب من 23 مليون سيارة كهربائية، مع توقّع وصول مبيعات بطاريات السيارات القابلة لإعادة الشحن، التي تقدّر حالياً بـ 7 مليارات دولار، إلى 58 مليار دولار بحلول عام 2024.

ولأنّ الكوبالت يملك قدرة عالية على تخزين الطاقة مما يجعله عنصراً أساسياً وضرورياً لصناعة بطاريات أيونات الليثيوم التي تشغّل السيارات الكهربائية؛ فقد تضاعف الطلب على هذا المعدن في جميع أنحاء العالم بنسبة 4 مرات منذ عام 2011 في مجال صناعة البطاريات وحدها، مع التوقّعات بارتفاع الطلب عليه ووصوله إلى 190 ألف طن متري بحلول عام 2026. 

ويعني ما سبق أن التدافع العالمي سيتجه مرة أخرى نحو أفريقيا، ولا سيما في دولة زامبيا الواقعة في أفريقيا الجنوبية ودولة جمهورية الكونغو الديمقراطية الواقعة في وسط أفريقيا؛ حيث تزدهر فيهما صناعات التعدين، وتعدّان جزءاً من المنطقة المعروفة بـ "حزام النحاس" التي يوجد فيها أكبر مصدر للكوبالت وتمتد من زامبيا إلى الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى.

ومن حيث الصدارة والاهتمام؛ تنتج الكونغو الديمقراطية أكثر من 70 في المئة من الكوبالت في العالم، وتبعتها على المستوى الأفريقي دولة زامبيا التي تعدّ سادس أكبر منتج للنحاس في العالم، وهو ما يجعل مختلف القوى والأطراف الدولية يسعون نحو التعاون معهما وتأمين ودّهما للاعتماد على هذه المعادن في تحوّل الطاقة المطلوب.

ومن التطورات المهمة في هذا السوق ما حققته حكومتا الدولتين الأفريقيتين، الكونغو الديمقراطية وزامبيا، من حيث التعاون لتوحيد صوتهما وصفوفهما ومن أجل الاستثمار في تصنيع بطاريات أيونات الليثيوم. إضافة إلى دخول حكومتي الدولتين في اتفاقية مع الولايات المتحدة الأميركية.

مجلس مشترك بين زامبيا والكونغو الديمقراطية للبطاريات

في شهر نيسان/أبريل من عام 2022 وقّعت زامبيا مع جارتها الكونغو الديمقراطية اتفاقية تعاون لتطوير احتياطاتهما من الكوبالت لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية محلياً، وهو ما سيسهّل إنشاء سلسلة قيمة مشتركة لقطاعي التنقّل الكهربائي والطاقة النظيفة على المستوى المحلي والأفريقي. وهذه الاتفاقية قادرة على تحويل اقتصاد الدولتين بالنظر إلى أنه رغم الحصول على النسبة الكبرى من الكوبالت المعدني الثمين من الكونغو الديمقراطية وزامبيا إلا أنه يتم تكريرها وإضافة القيمة إليها في دول أخرى غير أفريقية، مثل بلجيكا والصين وفنلندا والنرويج.

وقد أطلقت الدولتان – الكونغو الديمقراطية وزامبيا – عبر هذه الاتفاقية مشروع "مجلس بطاريات زامبيا والكونغو الديمقراطية" (Republic of Zambia and DRC Battery Council)، كما سينفّذ المشروع في منطقتين-إحداهما في مقاطعة "هاوت-كاتانغا" الكونغولية (Haut-Katanga) وثانيهما في مقاطعة "كوبربيلت" (Copperbelt) الحدودية في زامبيا والغنية بالرواسب المعدنية بما في ذلك النحاس. 

ويقع مشروع "مجلس بطاريات زامبيا والكونغو الديمقراطية" تحت رعاية لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، وسيستفيد من التعبئة المالية الموكلة إلى "بنك التصدير والاستيراد الأفريقي" (AFREXIM Bank) لتحقيق أمل زامبيا والكونغو الديمقراطية في تقصير خطوط الإمداد بين مصافي الكوبالت ومصانع تصنيع البطاريات، إضافة إلى خلق الثروة وفرص العمل لمواطني الدولتين والتنويع الاقتصادي والتحوّل الاجتماعي.

وقد نالت هذه الخطوة بين الدولتين الأفريقيتين إشادة محلية ودولية؛ إذ يرى مواطنون في زامبيا والكونغو الديمقراطية أنها – في حالة التنفيذ الفعّال – قادرة على دفع جهود النمو الشامل والتنمية المستدامة في الدولتين عبر بناء سلسلة قيمة لبطاريات السيارات الكهربائية التنافسية. ويرى نشطاء البيئة وتغيّر المناخ أيضاً أنها خطوة أساسية وإيجابية ستقلّل انبعاثات الوقود الأحفوري على مستوى العالم، وستفيد الكونغو الديمقراطية وزامبيا وقطاع السيارات الكهربائية والبيئة من حيث التعدين المستدام للكوبالت والنحاس.

اتفاقية الولايات المتحدة وزامبيا والكونغو الديمقراطية

في كانون الأول/ديسمبر من عام 2022 وقّعت واشنطن أثناء قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا مذكّرةَ تفاهم مع الكونغو الديمقراطية وزامبيا لتعزيز سلاسل قيمة بطاريات السيارات الكهربائية. وبموجب شروط مذكّرة التفاهم الموقّعة والتي نشرتها الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير من هذا العام؛ ستشارك الولايات المتحدة في مساعي الكونغو الديمقراطية وزامبيا لتطوير سلسلة توريد لبطاريات السيارات الكهربائية من المنجم إلى خط التجميع، مع الالتزام باحترام المعايير الدولية لمنع الفساد واكتشافه واتخاذ الإجراءات القانونية لمحاربته.

وإذا كان البعض شكّك في جدوى الاتفاقية وتناولها من زوايا متعددة؛ فإن مؤيدي المبادرات الأميركية وعودة واشنطن إلى أفريقيا يرون أنها ستعزّز الاستثمار المفتوح والشفّاف لبناء قطاع مستدام وذي قيمة مضافة لبطاريات السيارات الكهربائية في أفريقيا. إضافة إلى انتقال عادل للطاقة للسكان المحليين، وخاصة أن القطاع الخاص الأميركي حاضر في كل مرحلة من مراحل عملية تنفيذ الاتفاقية، مما يعني وجود مصدر مهم للخبرة الفنية والتمويل والنمو التجاري.

على أنه يصعب فصل هذه الخطوة الأميركية عن التقدّم الصيني في أفريقيا ومحاولات واشنطن لاحتوائه ومواجهته، وخاصة في مجال سلسلة التوريد للمعادن المهمة في أفريقيا التي تحضر الصين فيها بقوة. ويعتمد الذين استحسنوا فكرة دعم الولايات المتحدة للقدرة المحلية في زامبيا والكونغو الديمقراطية على دراسةٍ جديدة كشفت أن بناء المصانع التي تنتج مواد البطاريات الكاثودية في الكونغو الديمقراطية سيكلّف ثلث ما يكلّفه في الصين، وأن بإمكان هذه المصانع بيع البطاريات بأسعار تنافسية وترك بصمة انبعاثات أقلّ من مصانع مواد الكاثود الصينية من خلال استخلاص قوتها من المولدات الكهرومائية منخفضة الكربون.

وتشمل مذكّرة التفاهم بين الولايات المتحدة والكونغو الديمقراطية وزامبيا أيضاً تعاون هذه الدول الثلاث على دراسات الجدوى والاستشارات وفرص المساعدة الفنية لتسهيل المناقصات الشفافة والتنافسية للعثور على أفضل المقاولين والشركاء واختيار أكثرهم فعالية من حيث التكلفة وتنفيذ المشروع.

التداعيات من حيث الأهمية والأولوية والتنافس الدولي

مما سبق يمكن القول بأن هناك أهمية محلية وأفريقية ودولية للاتفاقيتين سابقتي الذكر بشأن مستقبل السيارات الكهربائية وإنتاج بطارياتها؛ إذ طالما تعتبر أفريقيا مصدراً للمواد الخام مع تصدّر الكونغو الديمقراطية وزامبيا من حيث الكوبالت والنحاس. ولكن استفادة الدولتين منهما لم تكن على المستوى المستحقّ لأنه بمجرد استخراج المعدنين يتم تصدير الجزء الأكبر منهما إلى الصين، حيث يتم تصنيع 75 في المئة من بطاريات أيونات الليثيوم في العالم.

وعليه، تكمن في اتفاقية ومشروع "مجلس بطاريات زامبيا والكونغو الديمقراطية" إمكانات هائلة، ليست فقط في تنويع اقتصاد زامبيا والكونغو الديمقراطية وخلق فرص الأعمال الخضراء للحد من الفقر، ولكن بجعل الدولتين أول منتج منخفض الانبعاثات لمواد سلائف الكاثود لبطاريات أيونات الليثيوم في أفريقيا. ويوفّر المشروع لدولة مثل الكونغو الديمقراطية فرصة تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) بنسبة 30 في المئة تماشياً مع التزامات حكومة البلاد التي تعهّدت بها في تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

ويمكن للمشروع أيضاً أن يكون في المستقبل نموذجاً ناجحاً وعموداً فقرياً للوائح بطاريات السيارات الكهربائية ومشاريعها في أفريقيا حيث يمكن للدول الأفريقية الأخرى التي تملك معادن مماثلة الانضمام إلى المشروع مستقبلاً أو الاستفادة من تجاربه.

ويضاف إلى ما سبق أن هاتين الاتفاقيتين قد تساعدان في معالجة التجاوزات تجاه عمال المناجم في قطاع التعدين الكونغولي والاستغلال الذي يثير الاستياء العام. هذا مع الإشارة إلى أن هناك من النشطاء الحقوقيين من انتقدوا الاتفاقية الأميركية مع زامبيا والكونغو الديمقراطية ووصفوها بأنها غير معقولة نتيجة للانتهاكات التي يواجهها عمال المناجم في دول أفريقية مختلفة. 

كذلك في الولايات المتحدة ينتقد الجمهوريون إدارة الرئيس جو بايدن لشراكة البطاريات مع الدولتين الأفريقيتين حيث قالوا إن الأفضل للبيت الأبيض تعزيز عمليات التعدين المحلي للمعادن الأميركية بدلاً من إيلاء الأهمية للمعادن غير الأميركية.

هذا، ولم ترد الصين في الاتفاقية الأميركية مع الكونغو الديمقراطية وزامبيا، ولكن شروطها وبنودها وواقع النفوذ الصيني في هذا السوق تؤشر على أن الاتفاقية تحاول تعطيل الهيمنة الصينية من خلال مساعدة الدولتين الأفريقيتين، ليس فقط في استخراج المعادن، ولكن أيضاً في معالجتها وتصنيعها وتجميعها في بطاريات.

وقد تدخل هذه الاتفاقية أيضاً ضمن إطار محاولات سياسية سابقة حيث دفعت واشنطن الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي لمراجعة الصفقات الصينية السابقة مع البلاد والموقّعة في عهد الرئيس السابق جوزيف كابيلا، وهذه المحاولات لم تأتِ بنتائج ملموسة في الكونغو الديمقراطية.

ومع ذلك، قد يخلق نجاح هذه المبادرة الأميركية قاعدة جديدة للتنافس ضد الصين، كما قد يفتح الباب لشراكات جديدة مع شركات السيارات الأميركية، وهو ما يجعله خطوة حاسمة تساعد إدارة بايدن على تحقيق أهدافها المتمثّلة في جعل السيارات الكهربائية تمثّل نصف جميع مبيعات السيارات الأميركية الجديدة بحلول نهاية العقد.

هذا، مع الإشارة إلى أن الاتفاقية بمثابة تأمين قاعدة المعادن اللازمة للتغلّب على النقص المتوقّع في المعروض من المعادن المهمة لصناعة السيارات الكهربائية.

من جانب آخر، تكشف بعض سطور الاتفاقية الأميركية مع الكونغو الديمقراطية وزامبيا أنّ تحدياً آخر قد ينشأ أثناء تنفيذ الاتفاقية، حيث يعتقد البعض أن الدولتين الأفريقيتين قد تواجهان تحديات في التعاون مع منافسي واشنطن الآخرين بشأن إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية. 

بل ويثير تنفيذ الاتفاقية تساؤلات حول تمثيل الدولتين الأفريقيتين في الاتفاقية وسيادتهما في اتخاذ قرارات مرتبطة بمعادنهما، وخاصة أن حكومتي الكونغو الديمقراطية وزامبيا أعربتا مؤخّراً عن معارضتهما للضغط على الاختيار بين الصين أو الولايات المتحدة. 

ومع ذلك، قد تكون هناك غرف للقوى العالمية الأخرى لتجاوز الولايات المتحدة من حيث صناعة السيارات الكهربائية في أفريقيا، وذلك بالنظر إلى قوة علاقات الكونغو الديمقراطية وزامبيا مع قوى مثل الصين وغيرها، والتي يصعب القضاء عليها عبر اتفاقية أميركية واحدة فقط. مع الإشارة إلى أن الوثيقة تعبّر فقط عن اهتمام الدول الثلاث بالعمل معاً ولا تضمن تنفيذه الذي يعتمد على عوامل كثيرة مرتبطة بتوافر الأموال والسياسة الأميركية التي لا يستطيع الرئيس بايدن التحكّم فيها.

خاتمة

وأخيراً، في حين أن المبادرات التعاونية الإقليمية والاتفاقيات الأفريقية قادرة على المساعدة في إرساء الأساس والتغلّب على العديد من التحديات في قطاع صناعة بطاريات الليثيوم، فإن أي اتفاقية بين الدول الأفريقية والقوى الأجنبية يجب أن تلتزم بأهدافها وأغراضها المعلنة من دون استخدامها كأداة جيوسياسية. 

ويمكن للاتفاقيات مع دول مثل الولايات المتحدة أن توفّر للكونغو الديمقراطية وزامبيا فرصة استثنائية لتسلّق سلسلة القيمة المضافة وتمنحهما القوة التفاوضية مع الشركات الصينية أو الشركات الأجنبية الأخرى الراغبة في معادن الدولتين. ولكنّ نجاح تنفيذ صفقة من هذا القبيل يتطلّب السماح لزامبيا والكونغو الديمقراطية أو أي دولة أفريقية أخرى بتحديد جدول أعمالها وأهدافها بطريقة تضع مصالحها الوطنية في المقدّمة.