ماذا تريد الصين من السعودية والإمارات؟

تسير السعودية والإمارات العربية على حبل مشدود في إطار علاقاتهما بكل من بكين وواشنطن. وتسعى الدولتان الخليجيتان لتحقيق مكاسب كبيرة من كلا الطرفين.

0:00
  • تسعى الإمارات للتوصل إلى صفقة مع الصين بهدف شراء طائرات J-20 من الجيل الخامس.
    تسعى الإمارات للتوصل إلى صفقة مع الصين بهدف شراء طائرات J-20 من الجيل الخامس.

زار رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، السعودية والإمارات العربية بين الـ10 والـ13 من الشهر الحالي، بهدف تعميق العلاقات بكلا البلدين.

وفي أثناء اجتماع المسؤول الصيني بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قال تشيانغ إن الصين حريصة على تعميق التعاون مع السعودية في المجالات التقليدية، مثل النفط والغاز والبتروكيميائيات والبنية التحتية، وعلى توسيع التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والمعلومات والاتصالات والاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر وغيرها من المجالات الناشئة.

أما في أثناء لقائه رئيسَ الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، فقال تشيانغ إن الصين تسعى لتعميق التعاون مع الإمارات في مجالات الاستثمار والنفط والغاز، وتوسيع التعاون في مجالات الطاقة الجديدة والسيارات الكهربائية والتصنيع المتقدم والطب الحيوي والاقتصاد الرقمي، وغيرها من المجالات. وحرص تشيانغ، في اجتماعاته، على الدعوة إلى توفير بيئة مواتيه للاستثمارات الصينية وزيادتها في كلا البلدين.

وهدفت زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني إلى إزالة العقبات التي تعترض إتمام اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، بعد التحفظات السعودية على قائمة من السلع التي طرحتها بكين لإعفائها من رسوم الاستيراد الخليجية، إذ تخشى المملكة تضرر برنامجها الصناعي من جراء منتوجات صينية منخفضة التكلفة، تشبه تلك التي تأمل تصنيعها محلياً.

تضع بكين تطوير علاقاتها بأبو ظبي والرياض، واللتين تربطها بهما شراكة استراتيجية شاملة، أولوية لها، نظراً إلى الأهمية والثقل للدولتين في منطقة الشرق الأوسط.

شهدت الأعوام الأخيرة حضوراً صينياً لافتاً في المنطقة، من خلال الزيارات المكثفة للمسؤولين الصينيين، ولاسيما للسعودية والإمارات. لقد زار الرئيس الصيني، شي جين بينغ، السعودية أواخر عام 2022، وعقد القمة العربية الصينية الأولى والقمة الصينية الخليجية والقمة الصينية السعودية. وأسفرت القمم الثلاثة عن توقيع عشرات الاتفاقيات، التي تناولت مجالات متعددة، من النفط والغاز والبتروكيميائيات والطاقة المتجددة والمناخ والتكنولوجيا والتعاون العسكري والأمني وغيرها.

كما زادت الاستثمارات الصينية في المنطقة، وخصوصاً في أبو ظبي والرياض. ففي عام 2023، زادت الاستثمارات الصينية في الإمارات أكثر من 16%، بحيث بلغت 1.3 مليار دولار. أما في السعودية فضخت الصين، خلال العام الماضي، استثمارات قيمتها 16.8 مليار دولار في مقابل 1.5 مليار دولار، ضخّتها خلال عام 2022.

في إطار آخر، بدأت الصين تنخرط في الملفات الأمنية في المنطقة، وإنما بحذر شديد، كتوسطها في المصالحة السعودية الإيرانية.

تسعى الصين لتعزيز علاقاتها بالسعودية والإمارات العربية نتيجة عدة أسباب، أهمها أن الصين تستورد كميات كبيرة من نفطها من كلا البلدين. فالرياض هي ثاني أكبر مصدر للنفط إلى بكين بعد موسكو. وتطالب الصين باستخدام اليوان الصيني في تبادلاتها النفطية معهما. والعام الماضي تمت أول صفقة غاز إماراتية باليوان، أما السعودية فأعلنت أنها منفتحة على استخدام البترويوان في التسويات المتبادلة مع الصين.

وتسعى الصين لتصدير منتوجاتها إلى السعودية والإمارات، وهما سوقان كبيرتان. وبعد زيادة الرسوم الجمركية على بعض المنتوجات الصينية، كالسيارات الكهربائية والألواح الشمسية، من جانب الولايات المتحدة الأميركية وكندا والاتحاد الأوروبي، أخذت الصين تبحث عن أسواق بديلة لمنتوجاتها. 

وفي ظل القيود التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على تصدير أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين، تسعى الأخيرة لزيادة تعاونها التكنولوجي مع السعودية والإمارات في هذا المجال.

كما أن بكين تسعى لنشر أسلحتها في العالم على غرار ما تفعل الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً أن الصين أصبحت متقدمة في المجال العسكري. لذلك، تزيد في تعاونها العسكري مع بعض بلدان الشرق الأوسط، وبينها الإمارات والسعودية.

بالإضافة إلى ذلك، ينبع اهتمام الصين بالسعودية والإمارات نظراً إلى كونهما من أهم منافذ التجارة الصينية. فمثلاً، نحو 60 % من التجارة الصينية يعاد تصديرها عبر موانئ الإمارات إلى أكثر من 400 مدينة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لذلك، تعمل الصين على زيادة حضورها في الموانئ الإماراتية والسعودية.

إلا أن التقارب بين الصين والسعودية والإمارات، ولاسيما في المجالين التكنولوجي والعسكري، يثير قلق الولايات المتحدة الأميركية، التي ترى في هذا التعاون تهديداً لأمنها القومي.

بالنسبة إلى التعاون التكنولوجي، تخشى واشنطن وصول بكين إلى التقنيات الأميركية الحساسة. فمثلاً، اشترت معاهد الأبحاث السعودية والإماراتية، الخاصة بأبحاث الذكاء الاصطناعي، كمية كبيرة من رقائق إنفيديا المصنعة في الولايات المتحدة الأميركية، والتي يتم تقييد تصديرها إلى الصين. كما تخشى الولايات المتحدة استخدام المعدات التقنية الصينية المنتشرة في البنى التحتية الرقمية في الخليج لأغراض جمع المعلومات الاستخبارية، نظراً إلى الشراكة العسكرية الوثيقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج.

وساهمت الضغوط الأميركية على الإمارات العربية مثلاً في عام 2021، من أجل إزالة معدات هواوي الصينية، في أن تقرر أبو ظبي تعليق صفقة الأسلحة F-35. كما أسفرت الضغوط الأميركية على شركة G42 الإماراتية عن الابتعاد عن الشركات الصينية وتوقيع صفقة قيمتها 1.5 مليار دولار أميركي مع شركة مايكروسوفت الأميركية.

من ناحية أخرى، أبدت الولايات المتحدة الأميركية، خلال الاجتماع الذي جمع مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، ونظيره الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، قبل عدة أشهر، قلقها بشأن التعاون المحتمل بين الإمارات والصين في مجال الطاقة النووية وبناء بكين محطة الطاقة النووية الثانية في أبو ظبي.

وفيما يتعلق بالتعاون الصيني السعودي في مجال الطاقة النووية، أبدت الشركات الصينية استعدادها لبناء محطة نووية في السعودية، وهو ما سيثير مخاوف واشنطن في حال تم التعاون في هذا المجال.

في إطار آخر، أشارت الاستخبارات الأميركية، في عام 2021، إلى أن الصين ربما تبني منشأة عسكرية سرية في ميناء خليفة الإماراتي في أبو ظبي، وهو ما نفته الإمارات. كما أن لدى واشنطن قلقاً من أن تقوم الصين ببناء قاعدة عسكرية في السعودية، لذلك وضعت هذا الأمر خطاً أحمر في سياق جهودها للتوسط في صفقة لتطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل".

تسعى الإمارات العربية للتوصل إلى صفقة مع الصين بهدف شراء طائرات J-20 من الجيل الخامس، في ظل تعليق المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن صفقة طائرات F -35 . وإذا تمت الصفقة بين الإمارات والصين، فمن المحتمل، في حال فشل المفاوضات بين السعودية والولايات المتحدة بشأن شراء طائرات F- 35 ، أن تتواصل الرياض مع بكين لشراء طائرات J-20، وهو ما سيضر بالعلاقات الأميركية السعودية والأميركية الإماراتية.

تسير السعودية والإمارات العربية على حبل مشدود في إطار علاقاتهما بكل من بكين وواشنطن. وتسعى الدولتان الخليجيتان لتحقيق مكاسب كبيرة من كلا الطرفين. وساهم التوجه الجديد للسياسة الخارجية لكل منهما، والقائم على تنويع العلاقات، في إحداث تغيرات عميقة في علاقة المنطقة بالولايات المتحدة الأميركية. وبات عليهما، في إطار الانتقال من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، الاستمرار في الموازنة بين شركائهما، ولاسيما في ظل تزايد المنافسة الأميركية الصينية.