هل هدأت الجبهة اللبنانية؟

لا تزال الجبهة اللبنانية تشكّل هاجساً أمنياً للاحتلال الإسرائيلي، وتقدّر عدد من الأوساط الإسرائيلية أنّ الهدوء الحالي على الجبهة قد يكون مخادعاً، بل وربما تعود المواجهة العسكرية بأسرع مما هو متوقّع.

0:00
  • ما مستوى التهديد الذي باتت تشكّله المقاومة اللبنانية على
    ما مستوى التهديد الذي باتت تشكّله المقاومة اللبنانية على "إسرائيل"؟

يتردّد في الأوساط الإسرائيلية سؤال دائم عن مستوى التهديد الذي باتت تشكّله المقاومة اللبنانية على "إسرائيل " في ضوء نتائج الحرب الأخيرة، وهل بالفعل تخلّصت "إسرائيل" من المقاومة اللبنانية كقوّة عسكرية مسلّحة تشكّل تهديداً لـ"إسرائيل"؟

على الرغم من الترويج الإسرائيلي لسردية إلحاق الهزيمة بالمقاومة اللبنانية وأنها  تلقّت ضربة قاسية، ستبقيها مرتدعة ردحاً من الزمن، وتسعى للهدوء، وليس للمواجهة، بيد أنّ تلك السردية لم تنجح في القضاء على الهواجس والشكوك تجاه ادّعاءات تحقيق الردع وحسم المعركة على الجبهة اللبنانية، واعتبار أنّ ترديد مقولات من قبيل هزيمة المقاومة وردعها والقضاء على مقدّراتها العسكرية، والتخلّص من أبرز قادتها، سيفضي إلى هدوء دائم على الجبهة اللبنانية بصرف النظر عن الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية في لبنان والخروقات المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار وإبقاء الاحتلال الإسرائيلي لعدد من المواقع اللبنانية وعدم الانسحاب الكامل من أراضي لبنان. هذه المقاربة تعتبرها العديد من الأوساط الإسرائيلية مجرّد أمنيات، ولا تمّت للواقع بصلة، ولا تعكس فهماً عميقاً للتوجّهات والمنطلقات الحاكمة للمقاومة اللبنانية، فبعد حرب لبنان الثانية في تموز/يوليو 2006، ساد التقدير الخاطئ نفسه بأنّ المقاومة اللبنانية مرتدعة ولن تجرؤ على مهاجمة "إسرائيل"، وما حدث من السلوك اللبناني المساند لغزة منذ الثامن من أكتوبر 2023 يعكس فشل التقديرات الإسرائيلية.

 على الرغم من حالة انعدام اليقين تجاه الجبهة اللبنانية، وجّهت الحكومة الإسرائيلية لسكان مستوطنات الشمال بالعودة إلى منازلهم، ورفعت ما يسمّى بالقيود التي فرصتها قيادة الجبهة الداخلية، وذلك لدواعٍ اقتصادية، والعمل على فرض قواعد الاشتباك القائمة التي تسمح لـ "الجيش" الإسرائيلي بمهاجمة لبنان من دون ردّ عسكري مقابل، الأمر الذي يبقي الجبهة اللبنانية في حالة توتر دائم، وفي حال فشلت المساعي الدبلوماسية في إلزام الاحتلال الإسرائيلي ببنود وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل، فإنّ عوامل التوتر ستتصاعد ولا أحد يعرف إلى أيّ حدّ ستبقى المقاومة اللبنانية قادرة على امتصاص الاعتداءات الإسرائيلية وإحصاء المزيد من الشهداء في ضوء استمرار عمليات الاغتيال.

 الواقع على الأرض لا ترسمه التمنّيات الإسرائيلية، فعلى الرغم من تلقّي المقاومة اللبنانية ضربة قاسية خلال الحرب الأخيرة، وخسارة عدد من قادتها البارزين وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله، وكذلك خسارة جزء من قدراتها العسكرية، بالإضافة إلى آلاف الشهداء والجرحى اللبنانيين، والدمار الواسع ، وسقوط النظام السوري، وانتخاب رئيس لبناني وتشكيل حكومة أقلّ انسجاماً وتناغماً مع أجندة المقاومة، بيد أنّ الخشية الإسرائيلية من المقاومة اللبنانية لم تختفِ على الإطلاق، لأنّ "إسرائيل" تدرك أنه على الرغم من عدوان "جيشها" المتكرّر على لبنان من دون ردود عسكرية، على الأقل حتى الآن، فإنه يعتقد أنّ قواعد الاشتباك القائمة حالياً هشّة وقابلة للتحوّل في أيّ لحظة. كما أنّ الاحتلال الإسرائيلي يدرك أنّ المقاومة اللبنانية لم تهزم ولم يتمّ إخضاعها حتى الآن، ولم يتمّ القضاء على كامل قدراتها العسكرية، والأهمّ أنّ دوافع ومنطلقات المقاومة وتوجّهاتها لم تتغيّر البتة.

التقدير الإسرائيلي أنّ المقاومة اللبنانية لا تزال تحتفظ بقدراتها العسكرية القادرة على الدفاع والهجوم، كما تقدّر "إسرائيل" أنه لا يوجد أحد في لبنان يريد الدخول في مواجهة مع المقاومة اللبنانية، الأمر الذي يمكن أن يجرّ لبنان إلى حرب أهلية جديدة، كما أنّ نجاح المساعي لنزع سلاح المقاومة تحت تأثير الضغوط السياسية تبقى مجرّد أمنيات لا يمكن أن تتحقّق، لأنّ المقاومة اللبنانية تدرك أنّ خيارها الاستراتيجي هو خيار المقاومة وأنّ الاحتفاظ بسلاحها وتطويره وترميم بعضه، هو الخيار الذي يكفل حماية لبنان وأراضيه وشعبه، كما يسهم في إسناد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لذا تعتقد "إسرائيل" أنّ المقاومة اللبنانية، تسعى لامتصاص الاعتداءات الإسرائيلية وعدم الردّ عليها في هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه تسريع عملية ترميم قواتها.

لا تزال الجبهة اللبنانية تشكّل هاجساً أمنياً للاحتلال الإسرائيلي، وتقدّر عدد من الأوساط الإسرائيلية أنّ الهدوء الحالي على الجبهة قد يكون مخادعاً، بل وربما تعود المواجهة العسكرية بأسرع مما هو متوقّع أو متأمّل إسرائيلياً، والسؤال الأصحّ ليس هل سيعود القتال على الجبهة اللبنانية في حال استمرّت "إسرائيل" في التنصّل من التزاماتها؟، بل متى وكيف؟.