"إسرائيل" في مواجهة خيارين أحلاهما مرّ: وماذا بعد احتلال رفح؟

وفقاً لمجريات المعركة مع قوات الاحتلال في الشمال والجنوب والوسط فإن فصائل المقاومة أظهرت تفوّقاً كبيراً في التأقلم مع ظروف المعركة والتحكّم بمجرياتها.

  • الخلاف بين أركان حكومة نتنياهو أصبح أعمق من أن يتمّ ردمه باجتماع أو بمنح بعض الصلاحيات.
    الخلاف بين أركان حكومة نتنياهو أصبح أعمق من أن يتمّ ردمه باجتماع أو بمنح بعض الصلاحيات.

ليس هناك ما قد يوقف الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح سوى أمرين اثنين هما: تصاعد الضغط الداخلي على نتنياهو، ومحافظة فصائل المقاومة على عملياتها البطولية في محافظات القطاع ومدنه المختلفة.

وغير ذلك فإن كلّ الضغوط والتصريحات السياسية الخارجية لن تجدي نفعاً لعدة أسباب، أبرزها أن جزءاً من هذه التصريحات هو للاستهلاك الإعلامي بحكم التأييد أو "التفهّم" الذي تبديه بعض الحكومات حيال الهجوم الإسرائيلي على رفح، وإن تباينت الرؤى حول طريقة تنفيذه. 

وكذلك فإن ما يعيشه النظام الرسمي العربي من عجز سياسي وفقدان لاستقلالية قراره يقلّلان من احتمالية اتخاذ أي موقف عربي موحّد يمكن أن يسهم في منع وقوع المزيد من المجازر بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني.

وحتى مع قرار محكمة العدل الدولية الأخير، والذي يطالب "إسرائيل" بوقف هجومها العسكري في رفح، فإنه يفتقد لقوة التنفيذ، خاصة مع استمرار تعطيل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لعمل مجلس الأمن الدولي فيما يتعلّق تحديداً بالقصية الفلسطينية.

وباتت معلومةً للجميع الأهداف الرئيسية لحكومة نتنياهو من إصراره على الهجوم على مدينة رفح، هذا على الرغم من علمها بارتفاع كلفة المخاطر والخسائر البشرية والعسكرية والسياسية المترتّبة على ذلك الهجوم.

ولذلك فإنّ السؤال الذي ينتظر حكومة الاحتلال: وماذا بعد الهجوم على مدينة رفح؟ وماذا لو لم تتمكّن حكومة نتنياهو من الوصول إلى الأسرى الموجودين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية؟

لا شكّ أنها أسئلة تؤرق نتنياهو، الذي ضاقت أمامه، ومنذ الأسابيع الأولى للهجوم على القطاع، الخيارات المتاحة وباتت حالياً شبه معدومة بفعل الإدارة "المذهلة" لفصائل المقاومة للحرب من جهة، وتفاقم الضغط الداخلي "الإسرائيلي" وما ينجم عنه من تدهور مستمر في شعبية الحكومة الحالية، التي فشلت في تقديم إنجاز مقنع لعموم "الإسرائيليين" من جهة ثانية.

خياران فقط

مع أنّ اجتياح رفح لن يكون بالأمر السهل، إلّا أنّ تمكّن قوات الاحتلال من الدخول إلى المدينة كما فعلت في باقي مدن القطاع لا يعني أنها بذلك قد تمكّنت من السيطرة عليها، وأنها ستكون قادرة على الوصول إلى كلّ شارع وبيت فيها بحثاً عن الأسرى، بدليل ما تشهده مدن القطاع من تصاعد عمليات المقاومة واستمرار قصف المستوطنات والتجمّعات الإسرائيلية بالصواريخ وقذائف الهاون.

وحتى لو نجحت في الوصول إلى بعض الأسرى سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، ومن المؤكد أن فصائل المقاومة تحسّبت لذلك منذ عدة أسابيع ووضعت خططاً تتيح لها إمكانية الاحتفاظ بالعدد الأكبر من الأسرى، فإنها ستكون مجبرة في النهاية على البحث عن حلّ تفاوضي، لكن ما كان مقبولاً لفصائل المقاومة قبل اجتياح رفح لن يكون كذلك بعده.

لا تملك "تل أبيب" من خيارات للتعامل مع مرحلة ما بعد رفح سوى خيار واحد من اثنين: 

الأول وهو الدخول في حرب استنزاف طويلة مع فصائل المقاومة الفلسطينية في حال إصرار الحكومة "الإسرائيلية" على احتلال قطاع غزة والبقاء فيه بحجة الحيلولة دون تكرار ملحمة "طوفان الأقصى"، وإعادة بناء الفصائل لقدراتها العسكرية المهدّدة لمستوطنات الغلاف وما بعد.

وإذا كان نتنياهو يتهرّب حالياً من الاعتراف بخسارته لهذه الحرب محاولاً إشغال الرأي العام الداخلي بحدث يستنزف اهتمامه وأولوياته، فإنّ أيّ حكومة مقبلة ستكون مجبرة على الانسحاب من قطاع غزة باتفاق مباشر أو غير مباشر مع الفلسطينيين، لكونها غير قادرة على تحمّل مسؤولية وقوع مزيد من الخسائر البشرية والسياسية والعسكرية للكيان، الذي خسر في بضعة أشعر ما حاول صناعته وتأسيسه طيلة ثمانين عاماً من الحروب والقتل وتزييف التاريخ والحقائق.

أما الخيار الثاني فهو يتمثّل في سلوك نتنياهو لطريق المفاوضات بعد أن جرّب كلّ الطرق والخيارات الأخرى وفشل في جميعها، وهدفه في ذلك إغلاق ملف الأسرى قبيل إجراء أي انتخابات محتملة.

وهنا سيكون لفصائل المقاومة الفلسطينية الكلمة الفصل لسببين: الأول أنها تحرّرت من كلّ أوراق الضغط التي كانت تهدّد بها حكومة نتنياهو من ارتكاب المجازر بحقّ المدنيين الأبرياء إلى التهديد باجتياح وسط القطاع ثمّ جنوبه فمدينة رفح.

والسبب الثاني أن هول ما ارتكبه الاحتلال من جرائم ومجازر بحقّ الأطفال والنساء والشيوخ والإعدامات الميدانية للشباب سيدفع فصائل المقاومة إلى التمسّك بمطالبها التي لم تتخلَّ عنها منذ بداية المفاوضات وهي: وقف دائم لإطلاق النار، الانسحاب من القطاع، عودة النازحين إلى جميع مدنهم وقراهم، والبدء بعملية إعادة إعمار كاملة للقطاع.

وموقف الفصائل وبرغم كل الضغوط العربية والغربية التي مورست سابقاً لم يتغيّر، وتالياً فهو لن يتغيّر بعد ارتفاع فاتورة الخسائر البشرية والاقتصادية التي مني بها سكان القطاع من جرّاء العدوان المستمر منذ السابع من أكتوبر الماضي.

صحيح أن المؤشرات المتوفّرة حالياً تدعم حظوظ كِلا الخيارين، إلا أن الخيار الثاني يبدو أنه الأقرب إلى التحقّق، وربما يحدث قبل توسيع "جيش" الاحتلال الإسرائيلي لعمليته في مدينة رفح.

فالخلاف بين أركان حكومة نتنياهو أصبح أعمق من أن يتمّ ردمه باجتماع أو بمنح بعض الصلاحيات، والعلاقة المتوترة بين "الجيش" ونتنياهو بدأت تظهر تداعياتها على الأرض، هذا إضافة إلى الضغط الهائل الذي يشكّله أهالي الأسرى والمتعاطفون معهم، والذي يدلّ على نجاح كبير لفصائل المقاومة في حربها النفسية الموجّهة للداخل "الإسرائيلي". وبحسب المعطيات والأنباء الأخيرة فإن "تل أبيب" هي من طلبت منذ أيام قليلة العودة إلى طاولة التفاوض مع الوسطاء طلباً لصفقة ما.

الأمل بقوّة الفصائل

لكن ماذا عن مصير فصائل المقاومة فيما لو جرى اجتياح مدينة رفح؟

لا شكّ أنّ فشل المخطّط الإسرائيلي مرتبط في جانب أساسي منه باحتفاظ فصائل المقاومة بقدرتها على التحرّك ميدانياً وإعلامياً وقيادتها لحرب استنزاف طويلة الأمد.

ووفقاً لمجريات المعركة مع قوات الاحتلال في الشمال والجنوب والوسط فإن فصائل المقاومة أظهرت تفوّقاً كبيراً في التأقلم مع ظروف المعركة والتحكّم بمجرياتها، ولذلك فإن الفصائل أذكى بكثير من أن تترك قادتها وقواتها تتجمّع في منطقة واحدة كرفح، وحتى لو أن ذلك حدث في فترة ما فإنّ التهديدات الإسرائيلية المستمرة منذ عدة أسابيع باجتياح المدينة كانت كفيلةً بإعادة الفصائل لحساباتها وخططها في التعامل مع التطورات المحتملة لمجريات المعركة. 

الأمر الذي يؤكد أن معركة رفح إن حدثت بشكلها الكلي لن تقضي على فصائل المقاومة كما تدّعي "إسرائيل" وتبرّر للعالم، والمفاجأة التي تنتظر هذا الكيان الغاصب أنها كما خرجت من جميع محافظات القطاع ستخرج أيضاً من رفح مهما ارتكبت من مجازر وجرائم، ومهما خلّفت من دمار وتخريب في البنى التحتية والأحياء السكنية، فالأسرى لن يعودوا إلا كما قالت حركة "حماس" منذ الأيام الأولى لعملية "طوفان الأقصى" بالتفاوض وبتبيض جميع السجون الإسرائيلية من الأسرى والمناضلين الفلسطينيين.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.