مُنَظّرٌ إسلامي في رئاسة الحكومة

أطروحة الطبيب النفسي سعد الدين العثماني الذي شغل منصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي قبل تولّيه رئاسة الحكومة أضحت ملهمةً لبعض الحركات الإسلامية بعد سلسلة الإخفاقات التي وقعت فيها جماعات الإخوان المسلمين.

  • مُنَظّرٌ إسلامي في رئاسة الحكومة
    المُنَظّرٌ الإسلامي سعد الدين العثماني يرى أن النظام السياسي حيادي

يُعتبر الطبيب النفسي سعد الدين العثماني الذي شغل منصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي، قبل تولّيه رئاسة الحكومة، من أبرز الشخصيات الإسلامية التي تركت بصمتها بقوة في عملية التنظير السياسي للأطروحة الإسلامية في بلاد المغرب العربي، والتي يحاول بواسطتها العثماني إدارة الدولة في علاقاتها مع المجتمع، آخذاً بالاعتبار خصوصية المغرب كدولة مَلكيّة ممتدة لقرون، حيث يحتل فيها الملك صفة أمير المؤمنين بكل ما تتضمّنه هذه الصفة من حمولة دينية وتاريخية. 

وسواء وُفّق العثماني أم لم يٌوفّق في تطبيق نظريته خلال تولّيه أرفع منصب سياسي في البلاد، إلاّ أنه من المفيد فهم مقاربته وتصوّره لطبيعة الدولة التي على الحركة الإسلامية المعاصرة تبنّيها خلال انخراطها في المجال العام، ولا سيما أن أطروحة الرجل أضحت ملهمةً لبعض الحركات الإسلامية بعد سلسلة الإخفاقات التي وقعت فيها جماعات الإخوان المسلمين. 

يفرّق سعد الدين العثماني في سلسلة من كتبه بين "أمّة الدّين" و"أمّة السياسة" حيث يرى أن الدولة في الإسلام هي دولة مدنيّة وأن الكتاب والسنّة لم يحددا شكلاً للنظام السياسي في الإسلام. (أنظر: سعد الدين العثماني، الدين والسياسة تمييز لا فصل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2009، ص32) إلاّ أن الدّين حاضر في السياسة كمبادئ موجهة، وروح دافعة، كما أن الممارسة السياسية مستقلة عن أي سلطة باسم الدين.

والأصل عند العثماني هو "حيادية النظام السياسي" باعتباره بناءً بشرياً اجتهادياً. ولا يمكن اعتبار الخلافة الإسلامية نظاماً سياسياً محدداً، ولا نموذجاً معيارياً للقياس، بل هي مجرد تجربة تاريخية وممارسة بشرية وإنسانية. و"تصرفات الرسول بالإمامة ليست ملزمة لأي جهة تشريعية أو ذات سلطة، ولا يجوز الجمود عليها بحجة أنها (سنّة)، وإنما يجب على كل من تولى مسؤولية سياسية أن يتبعه صلى الله عليه وسلم في المنهج الذي هو بناء التصرفات السياسية على ما يحقق المصالح المشروعة "(المرجع السابق، ص 28).

وفقاً لرأي العثماني، ليس من مَهمّة الدولة التدخل في شؤون الناس العقائدية، أو فرض تصوّرات واجتهادات دينية معينة عليهم، بل مهمّتها تدبير الشأن العام في إطار نظام القيم العامة للمجتمع. فدائرة الإلزام متعلقة بدائرة القيم العامة دون التفاصيل التشريعية، وإنما تدخل هذه حيّز الإلزام بالإرادة الشعبية، وفق آليات الديمقراطية التي يقع عليها توافق إجتماعي.

أما في المقالة السادسة من كتابه "الدين والسياسة" والتي جاءت تحت عنوان "تمييز الديني والسياسي عند الأستاذ محمد عبده" حيث يبدو العثماني امتداداً فكرياً له، يلخّص الرجل أطروحته التي توصّل إليها بعد إعمال منهجه في التمييز بين ما هو ديني وما هو سياسي في جملة من المفردات والتطبيقات أهمها:

- نفي وجود السلطة الدينية في الإسلام.

- الحاكم في الإسلام حاكم مدني.

- الوظائف الدينية ليست سلطات تمارس على الناس.

- التمييز بين الرابطة الدينية والعقدية والرابطة السياسية.

- عدم وجود شكل محدد لممارسة الحكم في الإسلام.

- رفض استبداد الحكام، وطلب تقييد تصرفاتهم بالقانون.

وتطبيقاً للمنهجية التي وضعها لنفسه، وعلى قاعدة التمييز لا الفصل، باعتبار الفصل يؤدي إلى القطيعة، يفرّق العثماني بين "أمّة الدّين" حيث تهيمن رابطة الأخوة العقائدية و"أمّة السياسة"، حيث تسود رابطة الإنتماء الوطني. فالقرآن الكريم يعتبر الأمّة هي الأصل في التكليف الديني للمؤمنين، وهو ما يفسر عدم ورود الدولة في الكتاب المُنزل، لا مصطلحاً ولا مفهوماً.

 ويعترف العثماني بأثر سقوط الخلافة على تشكيل أطروحة الإسلام السياسي التي سادت العالم المعاصر حيث أدى اندثار الخلافة إلى "القطيعة التدريجية مع فكرة "إقامة الدولة الإسلامية" التي أخذت مفهوماً انقلابياً طيلة عقود من القرن الماضي لدى بعض الحركات الإسلامية المشرقية، وبروز الحديث عن خطاب الإسهام في إقامة الدين بدل خطاب إقامة الدولة". 

في الخلاصة، تجهد الأطروحة التي نحتها العثماني لتلافي عقبات عدة وقعت بها الحركة الإسلامية الناشئة مشرقياً لجهة طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع والتي أفضت عند بعض تيارات الإسلام السياسي إلى مجال التكفير والقول بردّة الحاكم أو الحاكم والمجتمع، وكل ما يتعلق بمفردات القتال وجهاد العدو القريب. 

وإذ يحاول العثماني إعادة النظر والتنقيب مجدداً في أتون النصوص المؤسِسة للفكر الإسلامي المعاصر فإنه يحاول طرح تصور وتقديم مقاربة تفضي إلى تحقيق الإصلاح المنشود (إسلامياً) في المجتمعات المسلمة انسجاماً مع موروثها الديني والأخلاقي ودون إفساح المجال لأي التباس لاحقاً قد ينزلق إلى شكل من أشكال العنف الديني أو السياسي وممارسة سياسة الإلغاء والإقصاء تحت شعارات ومسميات مثل: الكفر والردّة والإرهاب المنظم.