"محسن ممتاز".. الحنين إلى شخصيَّة الاختراق الاستخباراتيّ

ماذا لو قررت السينما العربية إنتاج عمل جديد عن رفعت الجمال أو جزء محدث من "رأفت الهجان"، هل توجد طريق سهلة إلى دموع مماثلة؟

  • عدما عرضت شخصية محسن ممتاز على الراحل يوسف شعبان كان عبد المحسن فائق قد توفي.
    عدما عرضت شخصية محسن ممتاز على الراحل يوسف شعبان كان عبد المحسن فائق قد توفي.

 

لو سألنا اليوم: ما الصورة الذهنية المتشكّلة في رأس المواطن العربي عن المهمّات الاستخباراتية الرسمية؟ لكانت أوضح ملامحها غارقة في الأدرينالين. إنَّه الخوف.

إنها الصورة المركّبة من مخاوف انتهاك الخصوصيات، وافتعال الإشكاليات للمناضلين والنخب الثقافية، ومطاردتهم في وظائفهم ومصادر أرزاقهم، وصولاً إلى التعذيب والتهديد بتخريب حياتهم وتشويهها. ثمة علاقة وطيدة بين تعزيز هذه الصورة عند المواطن العربي من جهة، ونمو مسار المصالحات مع العدو الصهيوني، وارتداد عمل هذه الأجهزة إلى الداخل أو انخراطها في مشاريع متواطئة مع العدو، بدلاً من محاولات اختراقه وتدميره من جهة أخرى. 

قبل أيام، غفت عينا الممثل المصري الشهير يوسف شعبان، ولم تغفُ معهما عينا "محسن ممتاز" في المسلسل المصري "رأفت الهجان"، وهو الدور الذي أداه شعبان تجسيداً لشخص عبد المحسن فائق، ضابط المخابرات المصري الذي اكتشف الموهبة التجسسية المصرية: رفعت الجمال "رأفت الهجان"، لتزرع في قلب "إسرائيل"، ويكون لها دور في حرب أكتوبر 1973م.

عبد المحسن فائق، بالاسم الفني المستعار "محسن ممتاز"، وبتمثيل يوسف شعبان، هو واحد من ضباط المخابرات الذين عيَّنهم الرئيس جمال عبد الناصر لبناء الجهاز في إطار مهمات أمنية متعددة، تقف مهمة اختراق العدو الصهيوني على رأس أولوياتها، وهو الذي تكفل بتدريب رفعت الجمال (رأفت الهجان) في مراحله الأولى، إلى حين تسليم تلك المهمة إلى "ذئب المخابرات الأسمر" أو "رجل الظل" أو "قلب الأسد"، محمد نسيم، الذي جسد شخصيته في المسلسل باقتدار الممثل المصري نبيل الحلفاوي باسم "نديم". يُذكر لنبيل الحلفاوي أيضاً دوره في فيلم "الطريق إلى إيلات"، الذي انتقل فيه من دور القيادة المخابراتية في "رأفت الهجان" إلى دور القيادة العسكرية في سلاح البحرية، لتنفيذ عملية الضفادع البشرية وتدمير ميناء إيلات.

كان محمد نسيم العقل المدبّر لعملية "الحفار" أو ما سمي عملية "الحج"، والتي تمكَّنت خلالها المخابرات المصرية، بالاشتراك مع سلاح البحرية، من تدمير حفار البترول، كينتينج، في ساحل العاج، والذي كان في طريقه عبر باب المندب والبحر الأحمر إلى أيدي الإسرائيليين لغايات الاستخدام في خليج السويس. في تلك العملية، تمكنت المخابرات المصرية من قطع الطريق على الإسرائيليين في استثمار المزيد من نتائج حرب 1967م وتدمير معنويات العرب في العبث بمواردهم. 

محسن ممتاز ونديم، يوسف شعبان ونبيل الحلفاوي، عبد المحسن فائق ومحمد نسيم، ثنائيات تمثيلية فنية وحقيقية، تكثّف دور جهاز المخابرات المصرية في الصراع مع العدو من اللحظة الأولى لوصول الرئيس جمال عبد الناصر إلى الحكم إلى حرب الاستنزاف ومواجهة الموساد الإسرائيلي في كل محطة وكل مهمة، كزرع العيون المصرية، والتخطيط لعملية الهجوم على ميناء إيلات، والوصول إلى معلومات عسكرية حساسة بخصوص مواقع أمنية وصفقات سلاح وآليات توريدها وغيرها.

مسلسل "رأفت الهجان" بنى صورة ذهنية عن واحدة من أهم الأجهزة الاستخباراتية في محطة تاريخية مختلفة، وهي صورة تدور حول مهمَّة مركزية وأساسية، وهي مواجهة العدو، الأمر الذي خفض أدرينالين الخوف لصالح أدرينالين الدعم والفرح.

عندما تسير المهمات الاستخباراتية العربية على سكة العداء لـ"إسرائيل"، تتمكَّن من خطف مشاعر الناس ودعمهم ومؤازرتهم، وفق وتيرة مشابهة لوداع الجنود قبل التوجّه إلى ساحة المعركة. من خوف الناس إلى تأييدهم ومؤازرتهم، ليس هناك طريق بديل من سكة المواجهة والصراع. 

عدما عرضت شخصية محسن ممتاز في مسلسل "رأفت الهجان" على الراحل يوسف شعبان، كان عبد المحسن فائق قد توفي، وكان يوسف شعبان يبحث عن ضابط مخابرات عايش فترة الصراع، ليتمكَّن أكثر من أدائه الفني ويؤدي الدور على أتم وجه. لقد كان بحاجة إلى المزيد من المعطيات والكلمات والروايات، وربما الدموع الحية، كي ينسجم أكثر في إطار العمل الفني.

يبقى السؤال: ماذا لو قررت السينما العربية إنتاج عمل جديد عن رفعت الجمال أو جزء محدث من "رأفت الهجان"، هل توجد طريق سهلة إلى دموع مماثلة؟