الدعم الإماراتي لـ"جمهورية الصومال الانفصالية"

هي جمهورية "أرض الصومال" التي سبق أن أعلنت انفصالها عن باقي أراضي الصومال عام 1991، لكن المجتمع الدولي لا يعترف بها كدولةٍ مستقلّة. وحضرت سريعاً الإمارات اقتصادياً، لكن مع مرور الوقت تحوّل تواجدها الاقتصادي والتجاري إلى تواجدٍ عسكري فقط. ولتعزيز عسكَرة وجودها في القرن الإفريقي، حيث سبق أن أسّست الإمارات، أواخر عام 2016، أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في ميناء "عصب" على سواحل إريتريا.

نبدأ هنا من حيث انتهت الإمارات في "جمهورية الصومال الانفصالية" التي أعلنت وقف أعمال إماراتية لبناء قاعدة عسكرية في مدينة "بربرة" ذات الموقع الاستراتيجي بالقرب من مضيق باب المندب. نعم هي ذات القاعدة العسكرية التي أثيرت حولها في مطار "بربرة" بعد اتفاقية مع الإمارات لبناء قاعدة عسكرية إماراتية، عندما وقّعت اتفاقية مع أرض الصومال الانفصالية عام 2017 وبموجبها استحوذت تشغيل ميناء "بربرة" وبناء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة "بربرة"، ما أثار جدلاً واسعاً في البلاد، وذلك بعد أن ألغى البرلمان الصومالي رخصة شركة موانئ دبي لتشغيل موانئ في الصومال.

نتذكّر جيّداً كيف كانت "بربرة" تُعدّ أكبر وأهم مدن إقليم "أرض الصومال" قبل نقل العاصمة إلى مدينة "هيرغيسا"، وإعلان الانفصال من جانبٍ واحدٍ عن الصومال عام 1991. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه وفي عديد المرات دعت الصومال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كي يوقف بناء قواعد عسكرية إماراتية على أرض الصومال. وإن انتقد سفير الصومال لدى الأمم المتحدة صفقة بناء القاعدة في مدينة "بربرة" الساحلية واصفاً إياها بأنها "انتهاك واضح للقانون الدولي".

سبق في نيسان/ أبريل 2018 أن تصاعدت وتيرة الخلاف (الصومالي- الإماراتي)، وعندها انتقلت العلاقة بين البلدين بشكلٍ مُفاجئٍ من الدفء والتعاون إلى الشِقاق وتبادل الاتهامات؛ فبعدما كانت مقديشو تثني على الدور الإماراتي في مساعدتها على مواجهة الاضطرابات والعنف، أصبحت تتّهمها بتمويل الانفصاليين ودعم نشر الفوضى وشراء ولاءات في الداخل. كما بدأت أبوظبي تتّهم السلطات في مقديشو بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وتوقف بعض مشروعاتها "الخيرية"، وهي التي كانت قبلها تُعرِب عن دعمها للسلطة نفسها في حربها على الإرهاب.

تطوَّرت الأحداث بعدها حتى أعلن وزير الدفاع الصومالي، محمّد مرسل شيخ عبد الرحمن، إنهاء وجود الإمارات العسكري في البلاد، ونقل المهام التدريبية، التي بدأت عام 2014، إلى قيادة الجيش الوطني. وإن جاء هذا الإجراء بعد مصادرة سلطات مطار مقديشو الدولي حينها، 10 ملايين دولار كانت على متن طائرة إماراتية خاصة، واحتجاز طائرة أخرى خاصة، كانت تقلّ معدّات وأجهزة عسكرية حاول ضبّاط إماراتيون نقلها إلى بلدهم.

كذلك سبق أن اتهم تقرير للأمم المتحدة قبل منتصف 2018حكومة أبوظبي بدعم "حركة الشباب" الصومالية الموالية لتنظيم القاعدة. وجاء تقرير لبعض الحملات إن "الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات، أبوظبي جلبت أكثر من ثلاثة آلاف مرتزق إلى الصومال بغرض تعزيز نفوذها في البلد المُصاب بالفوضى. وأن الجزء الأكبر من هؤلاء المرتزقة تمركز في قاعدة (بربرة) العسكرية التابعة للإمارات، وأماكن دعم لوجستي في مناطق لا تخضع للسلطة المركزية الصومالية".

نعم تؤكّد تقارير محلية ودولية سعي الإمارات إلى تعزيز وجودها العسكري بشكلٍ غير مسبوق في الصومال؛ في إطار خطةٍ لتوسيع انتشارها العسكري بمضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الإفريقي. ويعتمد هذا الوجود الإماراتي في القرن الإفريقي على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوّعة؛ كما في حالتي عدن وجيبوتي، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية؛ كما في "بربرة" شمال غربي الصومال.

سبق أن ندّدت "الفيدرالية الدولية" بـ"استمرار التدخّل الإماراتي في شؤون الصومال، ومن ذلك عقد اتفاقية لتشغيل ميناء بربرة مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، وإقامة قاعدة عسكرية في الإقليم المذكور. وفي آذار/ مارس 2018، عبّرت الفيدرالية الدولية في بيانٍ، عن خشيتها من تداعيات استمرار هذا التدخّل السلبي على السلم والأمن الأهلي في البلاد. وقالت إن الإمارات تستخدم قواعدها العسكرية في الصومال ودول إفريقية أخرى لتعزيز نفوذها في القرن الإفريقي ولخدمة خططها في نشر الفوضى والتخريب في عدّة بلدان. كما أشارت إلى أن سلوك الإمارات "يحمل مخاطر جسيمة على السكان الصوماليين، وانتهاكات فاضحة لحقوقهم في الأمن، خاصة في ظلّ ما تواجهه من معارضة صومالية. ما يؤكّد الحاجة إلى وقف تدخّلها في شؤون البلاد فوراً".

واقع الحال أنه سبق أن تقدّم الصومال بشكوى للأمم المتحدة من إقامة الإمارات قاعدة عسكرية في "أرض الصومال" من دون موافقة الحكومة الفيدرالية. وقد شدَّد المندوب الصومالي لدى المنظمة، أبو بكر عثمان بالي، على أن إجراءات الإمارات "تنمّ عن بلطجة. فهذه الممارسات تستلزم تدخّلاً من الأمم المتحدة، وبلاده ستتّخذ كل ما يلزم للدفاع عن سيادتها".

يبقى في النهاية أنه لأكثر من مرة دعت الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسات طارئة لبحث تدخل دولة الإمارات في الصومال، وسعيها إلى تقويض استقراره النسبي، والعَبَث في الديمقراطية القائمة فيه.. لكن أين التنفيذ على الأرض؟.