تونس وفيروس كورونا.. ماذا ننتظر؟

رغم خطورة هذا الفيروس الخفيّ ما زال السواد الأعظم من الشعب التونسي لا يعرف حقيقة المصيبة التي تنتظره.

  • تونس وفيروس كورونا.. ماذا ننتظر؟
    خلال تعقيم المحكمة الابتدائية في العاصمة تونس (أ ف ب)

منذ إعلان جمهورية الصين الشعبية مقاومتها الجبّارة لتفشي فيروس كورونا "كوفيد-19"، شرعت وزارة الصحة التونسية، بالتعاون مع الحكومة السابقة، في اتخاذ إجراءات وقائية قدر المستطاع لإيجاد حلول تُجَنِّبُ البلاد والعباد تفشي هذه الجائحة الخطيرة. وقد استمر هذا التعاون مع الحكومة الحالية الجديدة.

بعد أن بدأ الفيروس بالانتشار في عدة دول حول العالم، بدأت تتوالى الأخبار في تونس عن عدة إصابات، ثم تفاقم الوضع قليلاً، مع التّأكيد أنّ الوضع لم يصبح كارثياً بعد. 

في هذه الأثناء، أعلنت تونس حظر التّجول والحجر الصحّي العام، وصدر أمر رئاسي بتدخل الوحدات الأمنية والجيش لفرض الالتزام بالقرارات على "المواطنين الذين لم يلتزموا بها"، لكن ماذا يحصل اليوم؟

رغم خطورة هذا الفيروس الخفيّ الّذي حصد أرواح الآلاف حول العالم، وأطاح بعشرات الآلاف من المصابين، ما زال السواد الأعظم من الشعب التونسي لا يعرف حقيقة المصيبة التي تنتظره في حال لم يلتزم بالقرارات وبالحجر الصحي المنزلي.

 لا نخفي صراحة أنّ المرفق الصحي أو وضع البلاد الاقتصادي ليس جيداً بالمطلق، ولا ننكر أنّ المواطن التونسي مضطر إلى أن يخرج لقضاء شؤونه الضرورية، لكن المصيبة أنّ ما نراه في الصور، وما ينشر عبر القنوات، والاكتظاظ غير المسبوق على الأسواق والأفران والمرافق الخدماتية (غير المشمولة بالإغلاق)، ينذر بأنّ هذا الوباء (كفانا الله شرّه) سيجد لا محالة موطئ قدم في البلاد، وسيُصاب به كثيرون لا قدّر الله.

أيضاً، أستحضر هنا أمراً في غاية الخطورة بمكان، وهي تلك المقولات الفتنوية، من مثل "أغلَقوا المساجد، سيعذبنا الله"، و"ما يكتبه الله نحن نقبل به ونتحمله"، لكن تطرح هنا عدة أسئلة:

- لو بقيت المساجد مفتوحة، وانتشرت العدوى بين مرتاديها، هل سيذهب أحد إلى المسجد؟ ومن سيتحمل وزر إزهاق الأرواح وحالات اليُتْمَ لآلاف الأطفال والعائلات إن حصلت الكارثة؟

- هل جاء في القرآن الحكيم أو السّنّة النّبوية الشريفة أو الأحاديث القدسية أو ما نُقِلَ عن أهل البيت (ع) أو الصحابة (رض) أو السلف الصالح ما يدعو إلى رمي النفس في التّهلكة وقول "اتركها على الله"؟

لقد كانت الإجابة كافية ووافية في ما جاء في ردّ علماء تونس في "الميادين نت" على مسألة إغلاق المساجد، والجدل الّذي حصل في الأيام الماضية، وما زال مستمراً حتى يومنا هذا.

 أمّا في ما يخصّ مقولة كثيرين بترك الأمر في يد الله، فقد أجاب عنه شهيد المنبر والمحراب وشهيد الأمة (الّذي تحلّ ذكرى شهادته السابعة في هذه الأيام)، العلامة الجليل محمد سعيد رمضان البوطي، في معرض حديثه عن الآية الكريمة: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}، إذ أكّد فرض غلبة العبودية لله تعالى الّتي فرضها على عباده على الحبّ الّذي يستشري في لحظة ما في قلب العبد، وأيضاً فرض طلب اللطف من الله سبحانه، وطلب كشف البلاء والكرب، واستشهد بأحد الصالحين وما حصل معه بعدما وقع عليه البلاء الأعظم.

وما جاء في النّدوة الصحافية التي عُقدت الإثنين 23 آذار/مارس 2020، على لسان الدكتورة نصاف بن علية، المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، وأسلوب خطابها القويّ الموجّه إلى التونسيين جميعاً، وخصوصاً التّحذير الّذي أطلقته قائلةً إنّ هذا التهور سيودي بحياتنا وحياة أحبائنا، ينذر بأمرين لا ثالث لهما: إمّا أن يختار الشعب التونسي الحجر الصحي المنزلي، ويتحمّل الوضع، ولو أدّى ذلك إلى الجوع المحتّم، حتّى تمرّ هذه الأزمة، ونعيش على أرضنا بسلام، وإما يختار التهوّر، ويأخذ الوطن العزيز، تونس الخضراء، إلى المجهول، فيكون بلدنا (لا سمح الله) كالدّول التي أعلنت نفسها أرض كارثة إنسانيّة.

نحن اليوم قادرون على الانتصار على هذا الوباء، إذا ما تقيّدنا بالإجراءات الوقائية. ومن المعيب صراحة أن نتهوّر في أمور قد تودي بحياتنا جميعاً من دون استثناء.

إننا ندرك التقصير الحاصل سابقاً على مستوى مرافق الدولة ككل، لكن هذا الفيروس لا يستهدف جزءاً معيّناً من الوطن، بل كلّ شيء. بصريح العبارة، "هو فيروس لا يرحم أحداً". لذلك، هذه الإجراءات تطبق على الجميع من دون استثناء أحد في كلّ العالم.

 

 

 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.