هل يدقّ كورونا المسمار الأخير في نعش الصحف الورقيّة؟

قد لا يقوم جزء كبير من الصحف الصغيرة بهذه المراجعة، وقد تجد هذه الصحف نفسها عاجزة عن تسديد رواتب طاقمها الصحافي والتقني، إذا ما طالت أزمة كورونا وتفاقمت.

  • هل يدقّ كورونا المسمار الأخير في نعش الصحف الورقيّة؟
    الإقبال على الصحف الورقية انحسر والسوق الإعلاني اتجه إلى الإعلام الرقمي والمرئي

خلال أخطر الأزمات التي شهدها العالم في العقود الماضية، لم ينبئنا التاريخ بتوقّف واسع النطاق للصحافة المكتوبة، مثل ما نشهده اليوم في زمن فيروس كورونا، ففي الحروب، رغم تحدياتها، كان ثمة فرصة لازدهار الصحف الورقية، ولا سيما قبل انتشار الإنترنت. أما اليوم، فالصحف تُحتجب إلى أجل غير مسمّى. بعضها كان باختيار ذاتي، والآخر بقرارات من وزارة الإعلام، للحؤول دون انتشار العدوى من خلال أوراقها.

قبل تفشي هذا الفيروس، سواء في تونس أو في دول العالم كله، شهدت عدة بلدان خلال السنوات الأخيرة إغلاق صحف عريقة عايشت مختلف الأحداث الإقليمية، كما حدث في لبنان ومصر وغيرهما، واكتفت عدة صحف بالمنصات الإلكترونية.

وفي تونس مثلاً، خصوصاً بعد الثورة، ورغم الطفرة في أعداد الصحف الورقية التي تلت سقوط نظام زين العابدين بن علي، فإنها سرعان ما أُغلقت، وأُغلقت معها صحف أخرى عريقة، ذلك أن الأزمة عالمية، وهي تتعلق بالثورة التكنولوجية التي غيّرت عادات المتلقي، فأصبح يميل إلى المحامل الإلكترونية.

يُجمع العاملون في قطاع الصحافة المكتوبة - الذين تحدّثنا إليهم - على أن الصحافة الورقية في تونس تعيش معاناة منذ فترة طويلة، ولا تقتصر أزمتها على انتشار فيروس كورونا. 

إنها تُعاني أزمة سوق، فالإقبال عليها انحسر للغاية، والسوق الإشهاري والإعلاني اتجه إلى الإعلام الرقمي والمرئي، وكلفة الأوراق ارتفعت، فضلاً عن "ميكانزمات" التوزيع التي لم تخضع لمقتضيات الحوكمة بعد. كما أنها تعاني من غياب الدعم الحكومي الكافي، وعدم مواكبة عصر "الميديا" الجديدة.

واليوم، سيفاقم كورونا، بطبيعة الحال، أزمتها الاقتصادية لعدة اعتبارات:

الاعتبار الأوّل أنَّ الصّحف، ولا سيما الخاصة منها، لن تصدر وتُوزع، في حين أنها تدفع رواتب الموظفين والعاملين في التوزيع والطباعة. ولا ننسى أن المؤسسات الإعلامية المطبوعة هي مؤسسات اقتصادية في الأساس.

الاعتبار الثاني أنَّ الصحف ستشهد مصيراً سيئاً للغاية، بمعنى أنَّها ستجد نفسها أمام "ميكانزم" ومنطق الصحافة الرقمية التي تقدم المادة الإعلامية مجاناً، في حين تُبنى الصحافة الورقية على منطق يرى أن القارئ يساوي ثمن جريدة.

يقول أستاذ الإعلام في معهد الصحافة في تونس، أمين بن مسعود، إن انتقال الصحافة من الشكل الورقي إلى الرقمي لا يتم بهذه البساطة، فالصحف الكبرى في تونس وخارجها توظّف عشرات الأشخاص في المطابع وتوزيع الصحف والإخراج الصحافي.

إن إحالة مئات العاملين إلى التقاعد المبكر تحتاج إلى ميزانية كبرى، وإلى دعم من الدولة، ولكن ذلك ليس متوفراً للأسف، ذلك أن الانتقال إلى الإعلام الرقمي ليس انتقال محامل فقط، بل هو انتقال مضامين صحافية، بمعنى أن الكادر الصحافي لم ينسجم بعد مع منظومات الكتابة الرقمية. بالطبع، إن الانتقال إلى الصحافة الرقمية خطوة مهمة، ولكن في أيِّ سياقات ومآلات؟

 ويختم بن مسعود كلامه بالقول: "الإعلام المطبوع يحتاج إلى هذه الفترة من التعليق والتوقف عن العمل، لإجراء مراجعة عميقة لوظيفته وجمهوره، والتفكير في جدوى إعلام الجودة، والأهم من كلّ ما سبق التفكير جدياً في الزمن الصحافي الجديد للمطبوع".

قد لا يقوم جزء كبير من الصحف الصغيرة بهذه المراجعة. وقد تجد هذه الصحف نفسها عاجزة عن تسديد رواتب طاقمها الصحافي والتقني، إذا ما طالت أزمة كورونا وتفاقمت.

 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.